بعد عامين على المجرزة: قصص مرعبة عن الكيماوي والولادات المشوهة!

مرّ عامان على مجزرة الكيماوي، ولم تطوى صفحة تبعات هذا السلاح الذي تسبب ولا زال يتسبب بموت آلاف الأشخاص، حيث يتم إحصاء وتوثيق الضحايا هكذا وهم جثث هامدة بلا دماء، خنقتهم أنفاسهم، وباتوا مجرد أرقام تطوى كحال عشرات الآلاف في الثورة السورية.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها السلاح الكيماوي على سوريا حيث استخدم هذا السلاح قبل أكثر من 1700 سنة في سوريا أي قبل 17 قرناً من خلال الفرس الذين قاموا بنصب فخ كيماوي في بادية الشام فسقط 20 جندياً إثر ذلك.

ورغم مرور 17 قرناً على هذه الحادثة وتعاقب الحضارات حتى وقتنا الحالي إلا أن الشعب السوري حتى عاد ليعاني من همجية استخدام الكيماوي من قبل قوات الأسد، فمنذ استخدامه السلاح الكيماوي في أول هجوم على الغوطة الشرقية ومن ثم الغربية وحتى الآن لا زالت مراكز التوثيق توثق أعداد الضحايا ويتبين من خلال هذه الإحصائيات أن أعداداً كبيرة منهم من النساء والأطفال، فبحسب الإحصائيات الأخيرة تجاوز عدد ضحايا الكيماوي 3000 ضحية، استخدم النظام المواد الكيماوية في قصف الغوطة الشرقية والغربية أكثر من مرة مما دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى تهديده بشكل صريح ووضعت ترساناته تحت تصرف المنظمة الدولية وانضم إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، وصدر هذا القرار 2118 في 27 سبتمر من العام 2013.

ووثقت منظمات حقوقية استخدام النظام للكيماوي في 15 منطقة مختلفة في سوريا، في حين تم استخدام غاز الكلور السام في 86 منطقة في عموم سوريا.

تشوهات ولادة لأكثر من 70 طفل في سوريا.. ولم يقتصر الهجوم الكيماوي على الغوطتين الشرقية والغربية بل امتد إلى أنحاء متفرقة في سوريا كما في ريف حماه في التمانعة وكفر زيتا وريف القنيطرة، وقبلها في نيسان من العام 2013 في سراقب وكأن النظام يحاول أن يدس نبض المجتمع الدولي عن ردة فعله إذا ما قام باستخدام الكيماوي، وهناك مناطق أخرى تعرضت للقصف بالكيماوي إلا أن آثاره لم تظهر حتى الآن على الأجنة بسبب قصفها منذ وقت قريب، كما في سرمين.

وتبدت هذه الحالات بشكل واضح مع خروج المصابين من سوريا إلى مخيمات الجوار كما في الأردن وتركيا ولبنان.

ويؤكد نضال شيخاني مسؤول العلاقات الخارجية بمركز توثيق الانتهاكات الكيماوية في سوريا، عن وجود حالات تمكنت من عبور الأراضي السورية إلى دول الجوار وإجراء مقابلات مع هيئات ومنظمات دولية وحقوقية، وتحدثوا عن الأعراض التي عانوا منها إثر إصابتهم بالغازات السامة، وخرجو بتقرير قدم إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، تضمن إجراء مقابلات مع هؤلاء الناس ليقدموا صوراً وفيديوهات توثق شهادتهم.

ويتابع شيخاني، تمكنا من الوصول إلى سيدات في مخيمات تركيا فروا من ريف حماه من مناطق تم استهدافها بالكيماوي، وكانت هؤلاء السيدات حوامل ووضعن أجنة مشوهة، وبلغ عدد هذه الحالات حالتين حتى الآن، حيث كانت التشوهات من الدرجة الثانية، نقص بالأطراف سببه خلل بالجهاز العصبي لدى الحامل التي تعرضت للكيماوي، هذا الشيء بدوره يؤدي إلى نقص تروية لدى الجنين.

أيضاً في دوما توفيت الوليدة فاطمة عبد الغفور إثر تشوه خلقي كامل بعد تعرض والدتها للإصابة بالكيماوي، حيث كانت ملامحها مشوهة تماماً وبلغ إجمالي هذه الحالات في الغوطة 18 حالة.

بينما كان للمعضمية النصيب الأكبر من عدد الولادات المشوهة، حيث يتحدث الدكتور عمر الحكيم عن وصول عدد حالات التشوه الخلقي إلى 12 حالة، كانت التشوهات فيها هيكلية وعصبية إضافة إلى تشوهات قلبية بالدرجة الأولى في الجهاز العصبي والجهاز العظمي، كما أن هناك تشوهات بدت واضحة في القدمين فكانت النتيجة أقدام قفداء، إضافة إلى تشوهات القفص الصدري والتشوهات الدماغية التي شملت صغر نمو الدماغ، وشمل بعضها غياب الجزء القذالي والصدغي المشكل لعظم الجمجمة، ومن جميع هذه الحالات حالتان فقط اللتان بقيتا حتى الآن على قيد الحياة، وإمكانية بقائهما مدة طويلة مستبعدة.

وولد الطفل (عمر عرنوس) في ريف القنيطرة وهو مصاب بتشوه خلقي نادر، حيث كان قلبه موجوداً خارج تجويف الصدر إضافة إلى تشوه خلقي بين الشفة والأنف، ورجح أطباء أن يكون الطفل ولد مشوهاً بعد إصابة والديه بالكيماوي في قرية السلطانة في ريف القنيطرة.

في حين يذكر الطبيب نزار المدني عن ولادة خمس أطفال مشوهين في حي القابون في دمشق، أحدهم بلا جمجمة وهذا مات فوراً، واثنين ولادا مع تشوه بالأطراف، وطفلة ولدت مصابة بتشوه بانشقاق شراع الحنك أو ما يدعى "شفة الأرنب" ويضيف المدني أن ثلاثة من هؤلاء الحالات كانت أمهاتهن في الغوطة وتعرضن للكيماوي ثم نزحن إلى القابون.

وتتحدث سمارة الأتاسي وهي ناشطة تعمل في المجال الطبي وتتابع أوضاع اللاجئين في مخيم الزعتري عن الطفل (همام المسالمة)، الذي ولد في مخيم الزعتري في ظروف قاسية جداً حيث ولد مصاباً بالتهاب شعب هوائية شديد، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة للطفل تبين أنه مصاب بنقص تشكل مادة دماغية مما يؤدي إلى إصابته بالتخلف العقلي والتشوه التناسلي وتشوه في الأطراف السفلى نتيجة ضعف العضلات والأربطة، وكانت ولادة الطفل هكذا نظراً لأن والدته أصيبت مرتين في درعا البلد. بينما سجلت خمس حالات ولادة مشوهة في جنوب دمشق جاؤوا من مناطق تم قصفها بالكيماوي بحسب الدكتورة هنادي.

هل الكيماوي هو سبب هذه التشوهات التي تصيب أطفال سوريا؟

في معرض حديثنا مع السيد نضال شيخاني أكد لنا بحسب الإمكانيات المتاحة أماهم أنهم اعتمدوا في دراستهم التي خرجوا بها، على عدة أمور ليوثقوا الحالات المعروضة أمامهم، وهذه الأمور هي تقرير المشفى، حالة المصاب، ماهي الأدوية التي أعطيت له، المسعف، وشاهد العيان، وماهي الأعراض التي بدت على المصاب، ثم نقوم بمقارنة هذه التقارير والحالات مع تقارير أخرى ونسأل خبير كيمياء ونقوم باستشارته وبناء عليه نقوم بتقييم الحالة أو نوعية الغاز المستخدم وتبعاته، يقول: "حتى الآن تمكنا من التأكد بنسبة 60% أن الغاز الذي قصفت به الغوطة الشرقية هو الخردل والسارين".

أما الدكتور عمر الحكيم، فيتحدث عن الطريقة التي تأكدوا بواسطتها من أن الكيماوي هو السبب في هذه التشوهات عبر إجراء دراسة مع مجموعة من النسوة ومقارنتها مع ذواتها السليمات ومن خلال هذه الدراسة المبسطة استطعنا نيل اعتراف أحد أكبر أكاديميات الطب في الولايات المتحدة الأميركية وهي "global health" أي أن النتائج كانت بعد مسح ودراسات مطولة، جاء هذا في ظل عدم توافر مراكز لدراسة نوعية الغازات المستخدمة في مناطق محاصرة مثل المعضمية حيث أن هذه الأبحاث تكون حكراً على جهات عسكرية تابعة لدول معينة.

الإجهاض المبكر .. سببه الكيماوي والحصار ..

برزت مشكلة الإجهاض المبكر في المشاكل التي طفت على السطح في مشاكل الولادة، وأضيف إلى إصابة النسوة بالكيماوي الحصار الخانق الذي تفرضه قوات النظام على أكثر المناطق في سوريا، حيث بلغت نسبة الإجهاض في الغوطة بين النساء الحوامل اللواتي تعرضن للكيماوي 45% إضافة إلى حالات الولادة المبكرة وموت الجنين بعدها، أو ولادة جنين ميت، أو موت الأم أثناء الولادة، كل ذلك تم بالمقارنة مع نساء لم يتعرضن للكيماوي. كما سجلت حالة وفاة لأم أثناء ولادتها في جنوب دمشق، إضافة إلى موت خمسة أطفال نتيجة نقص النمو بفعل الحصار الخانق خلال عام واحد.

وتتحدث الدكتورة هنادي أنها كانت شاهدة على حالة ولادة في مخيم اليرموك تمت فجراً، وكانت الأم بوضع صحي حرج جداً وبحاجة لأن تخرج من الحصار لتولد إلا أن تعنت عناصر الحاجز تسبب بوفاتها مع جنينها، ومثل هذه السيدة عشرات السيدات في سوريا.

المجتمع الدولي وملف الكيماوي ..

يقول نضال شيخاني أن المجتمع الدولي حتى الآن ميقن باستخدام الكيماوي في سوريا لكن إجرام النظام منع لجان التقصي عن الحقائق من الوصول إلى الغوطة وحماه حيث تم استهداف مواكبها.

وبرأي هذه اللجان أن هناك من يريد أن يشوه الحقائق وأنهم لن يستطيعوا أن يوثقوا كل شيء داخل سوريا في ظل منع النظام أحد من التحقيق بالموضوع فكان الحل الأفضل هو مقابلة من تمكن من الفرار من هذه الحالات خارج سوريا.

وفي 6 من آذار 2015 عرضت الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يدين استخدام الكلور ويهدد بفرض عقوبات على مستخدميه، لكن وعلى الرغم من إصدار القرار 2118 الذي قضى بتجريم النظام السوري باستخدام الكلور إلا أنه لم ينص على محاسبته! ليعود النظام في 16 من آذار 2015 لاستهداف النظام مدينة سرمين بالكلور مما أدى إلى وفاة عشرات الأشخاص منهم عائلة كاملة، ليمعن في القتل وليستمر في تحديه السافر للمجتمع الدولي، مما يعني أن ذاك القرار لم يغير من إجرام الأسد في شيء!

يرى السوريون أن هناك تلكؤاً واضحاً في قضية الكيماوي في سوريا وبرأي الكثيرين أن القاتل معروف من هو لكن المجتمع الدولي حتى الآن لم يتخذ خطوة واضحة بهذا الخصوص بل إن ذلك جعل النظام السوري يتمادى في إجرامه، دون أن يجدوا إجابة إلى متى ستمتد أزمة الكيماوي في سوريا وأين ستتبدى آثارها أيضاً، هل سيلاحظونها في الأطعمة التي يتناولونها يومياً أم في مياه الشرب أم في الأجنة التي تولد مشوهة يوماً بعد آخر، كل هذه الأسئلة ستجيب عليها الأيام والسنون القادمة في سوريا.