ينال برنامج (الاتجاه المعاكس) على قناة (الجزيرة) وبعد كل حلقة، هجوما ملحوظاً عليه وعلى مقدمه وحتى ضيوفه أحياناً، ومهما كانت نسبة المنتقدين، إلا أنها تقدم لنا مادة لا بأس بها عن فهم نمط بعض المعارضة ومثقفيها وكيف تعاطوا مع نظام الأسد قبل الثورة، وبرغم معاناة بعضهم من العذابات والسجون، لم يفهموا خصمهم بشكل واضح ودقيق، وعلى هذا استطاع الأسد التفرد بهم وإنهاكهم بل واستخف بهم وبامتدادهم الشعبي.
في الثورة وللأسف استمر أولئك المثقفون بتمرير السم بالدسم، من خلال ادعاء الخوف على مستقبل البلاد واللحمة الوطنية، وشحذ همم كافة أطياف المجتمع لمساعدة الثورة... وغير ذلك من مفردات، جعلت بعضهم يذهب حتى لنعي الثورة التي حلم بها!
الغريب أن العديد منهم قبل الثورة كانوا يدافعون بشكل مستميت عن (حزب الله)، رافضين حتى الانتقاد له، ليتضح بالثورة أن هذا الحزب أخطر حتى مما كنا نصفه، فبعد اغتيال الرئيس الحريري، رفضوا أن يوصف حزب الله والنظام السوري بأنهم طائفيون حقودون بل وصفوا الضحية ذاتها أنها كانت تعد لمشروع طائفي سني تحت رعاية سعودية، الآن تلك الوجوه المتشابهة تعيد الكرة من خلال المعارضة، لكن بخبث أكبر وتذاكي يمس وجدان الناس الطيبة القلقة من المستقبل السوري.
وبعد ظهور ووضوح أثر (تنظيم الدولة) في سوريا ارتاح الكثير من هؤلاء لبروزه على الساحة، ووجدوا مبرراً لخلط الأوراق داخل الثورة للتشويش على كل فعل إيجابي تقوم به بقية التنظيمات الإسلامية التي ظهرت من النسيج السوري، وهذا ما لاحظناه بتحرير إدلب والتشكيك بأمره.
إن (تنظيم الدولة) أعلن عن نفسه بوضوح أنه تنظيم يسعى للدولة الإسلامية حسب ادعائه، ووضع كل جرائمه التي اقترفها بحق السوريين وجلهم سنة بهذا السياق، وهذا الوضوح بالتسمية جعلت سنة سوريا قبل غيرهم يضعونه في خانته الإرهابية، ليقدموا الوجه الحقيقي للإسلام ورؤيته المعتدلة والرافضة لتلك الأفكار.
بالمقابل عملت مافيا الحكم بسوريا وعلى مدار الساعة على بناء منظومة طائفية فعلت كل ما هو مشين بحق السوريين والوطن، ولكن المفارقة بين هذه المافيا الإرهابية وبين تنظيم الدولة أنها غطت نفسها بشعارات وهمية لها طابع العصر وتسعى لدولة حامية للمكونات، ولم تعلن أنها امتلكت دولة علوية على مساحة سوريا ولبنان خلال عقود واغتنمت كل شيء فيها، وبذلك جعلت بقية الأقليات وجزءا من الأكثرية وبخبث شديد تقاتل معها لأجل أهدافها الطائفية الضيقة التي منعت من صدقوها بتقاسم المغانم معها أو حتى إبداء رأي بسيط.
وهكذا عندما تقوم بعض البرامج بوضع الأمور في نصابها وتوصيف المرض كما هو، وعوضاً عن محاربة التطرف العلوي الذي قدم أبشع صور الحقد من داخل الطائفة نفسها، يذهب معارضو الطائفة ومعهم رومانسيو المعارضة السابقون للطلب من الضحية أن لا تتلفظ بتعاريف طائفية، متجاهلين أنه إن وجد عميد من بقية الطوائف يشارك بالإجرام يقابله آلاف الرتب العلوية، وهذا ليس مخفياً على أحد وهو توصيف ليس طائفي للحالة بل كشف صورة الحالة نفسها بألوانها على الأرض، وهذا ينطبق على كافة المسؤولين وعلى رجال الدين وغيرهم، وهنا يمكن الرجوع إلى الخلف للمقارنة، وذلك بتوصيف حالة ظهرت جلية في سوريا، وهي أنه قبل حكم آل الأسد وملحقاتهم الطائفية، قدم سنّة سوريا وبقية الطوائف والمكونات السورية شخصيات وطنية لا يمكن تعدادها وحصرها من حلب شمالا إلى السويداء جنوباً ومن اللاذقية على البحر إلى الحسكة شرقاً، فأصبحت تلك الشخصيات رموزاً لها موقعها بتاريخ سوريا، ولكن من ظهر على السطح عندما استلمت مافيا الأسد الطائفية، إن كان من السنة أو بقية الطوائف هم شخصيات هزيلة موتورة مصنعة بقوالب غير وطنية استلمت مفاصل سوريا من المؤسسات المدنية والوزارات والواجهة الدينية إلى الجيش إلى الاقتصاد، وعليه لا يمكن ولا بأي شكل أن يمثل هؤلاء مكوناتهم الدينية أو القومية السورية، فهم فعلوا ما فعلوه لأجل طائفة بعينها وليس لأجل وطن، كما أنها لم تظهر على السطح نتيجة فعلها هي وانتمائها لحاضنتها، بل هي مفروضة بحكم السلطة والأمن على حاضنتها.
وهكذا لم يدرك المنتقدون الدائمون لتوصيف الأمور كما هي أن الشفاء من المرض هو بفهم طبيعته وبتوصيفه بدقة كي يسهل علاجه، فلا يمكن علاج مرض السرطان بحبة مسكن، تماما كما لم يفهموا طبيعة الشعب السوري المتدينة والطيبة بآن، وأن الدين لديه أصبح جزءا من عاداته الاجتماعية بما فيها الزي والكلام الأسري، وهذا ينطبق تاريخياً على الطائفة العلوية، ولكن اليوم اختلفت العصبية الطائفية البنوية وتماهت مع القتل وغيره من الأحقاد بلا مبرر، نعم هناك حق لدى كل أسرة سورية عند العلويين خلال هذه السنوات، إن لم يكن أذى جسدي على الأقل هناك أذى معنوي بتحطيم طموح ملايين السوريين ووضع سقف أمني لآمالهم، فدفن الكثير منها قبل الثورة، وعندما جاءت الثورة حاول من جيّش الطائفية على الأرض وهم حاضنة النظام نفسه دفن سوريا بكل مكوناتها فكيف سنغطي ونبرر ذلك، هل بحبة مسكن أم بالصحوة من الوهم والذهاب إلى الأساس.
التعليقات (3)