ماذا كان هدف النظام من وراء إحداث سوق للأوراق المالية بدمشق؟!

ماذا كان هدف النظام من وراء إحداث سوق للأوراق المالية بدمشق؟!
عندما مّن نظام البعث على الشعب السوري في تسعينات القرن الماضي، وسمح له باستخدام تقنية مشاهدة القنوات الفضائية بشكل رسمي بعد أن حجبها لمدة تزيد عن عشر سنوات، ومن ثم سمح بها عن طريق غير شرعي عبر احتكار عراب الفساد السوري (رامي مخلوف) لهذه التقنية، من خلال سيطرته على تهريب أجهزة الاستقبال الفضائي (السيرفر) لمدة تزيد عن خمس سنوات، عندها ذٌهل المواطن السوري بما أصبح يراه على القنوات الفضائية من أخبار سياسية واقتصادية واجتماعية وفنية، مغايرة تماماً للشكل الذي تعود عليه في إعلام النظام السوري الذي وصل لمستوى غير مسبوق من التردي، ومصادرة عقل المشاهد السوري.

ومن تلك الأمور التي أصبح المواطن السوري، لا سيما الشباب منهم الذين ولدوا ونشأوا في ظل هذا النظام، يشاهدها دون أن يفهمها، هو هذا الشريط الإخباري المتحرك أسفل الشاشة والذي ينقل للمشاهد حركة الأسواق وأسعار الأسهم وألوانها الحمراء والخضراء التي تعلن هبوط الأسعار أو إرتفاعها.

سورق البورص... الدمشقي!

وسبب عدم الفهم هذا ليس عدم إدراك أو وعي من قبل المواطن السوري بل التعتيم والتهميش الذي مورس عليه في ظل هذا النظام؛ مع العلم بأن موضوع البورصة في سوريا هو موضوع قديم وليس جديداً، أي كان قبل تواجد هذا النظام.. حيث يتذكر بعض تجار دمشق ما كان يطلق عليه سوق البورص الذي يعود لثلاثينيات القرن الماضي والذي يقع بجانب سوق الحميدية، كما يتذكر تجار دمشق الشركات المساهمة التي كانت في سوريا مثل مصنع دمر للإسمنت الذي تأسس عام 1930، وشركة المغازل وشركة الكونسروة وشركة التبريد...إلخ، وبلغ عدد الشركات المساهمة حوالي 30 شركة في عام 1933، كما يتذكر التجار بأن الأسهم كانت في سوريا وتحديداً دمشق وحلب، تستخدم كهدايا بين المواطنين، وأن بعض القضاة الشرعيين يقضون بشراء الأسهم للأيتام القُصر لأجل الحفاظ على أموالهم.

البعث يستكمل كوارث نظام الوحدة!

صحيح بأن نظام الوحدة مع مصر هو الذي قام بتأميم الشركات المساهمة التي كانت تعتبر رافعة للاقتصاد السوري، إلا أن نظام البعث ومن بعده نظام الأسد استكمل ما بدأه نظام الوحدة ولكن بطريقة أكثر عدوانية توحي للمراقب بأن هذا النظام قد جاء للحكم وليس أمامه سوى هدف واحد هو تدمير ممنهج للإقتصاد السوري.

في عام 2000 عندما توفي حافظ الأسد وتم توريث بشار الأسد لمقاليد الحكم بعميلة أقل ما يمكن وصفها بأنها مهزلة، صرح هذا الوريث في خطاب القسم بأن سوريا ستشهد في عهده انقلاب اجتماعي واقتصادي حقيقي، وأنه سينفتح على اقتصاد العالم بعدما أن أغلق والده كافة المنافذ الإقتصادية على الشعب السوري بحجة محاربة الرأسمالية والإمبريالية.

وحقيقةً في البداية ظن الشعب السوري بأن هذا الشاب الذي درس في بلد رواد الرأسمالية (أمثال آدم سميث)، و(جون لوك)، و(دافيد ريكاردو) وغيرهم من عتاة الرأسمالية الغربية، سوف يحذو خطوات اقتصادية تنعش البلاد بعد فترة الجمود الإقتصادي الذي دام أكثر من ثلاثين عاماً، ولم يكن الشعب السوري يدري بأن خطوات الانفتاح الإقتصادي التي سيتخذها نظام الوريث ستكون سبب تراكم الثروة بأيدي رجالات النظام أنفسهم!

هيئة تخطيط الفساد!

ولاكتمال عملية الديكور والتجميل التي أجراها النظام السوري لنفسه ليظهر للدول الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية بأنهم لم يخطئوا حين باركوا عملية التوريث غير الشرعية، جلب النظام السوري رجل دمشقي ذو تفكير ليبرالي هو بالأصل صديق رأس النظام (ويقال صديق زوجته) في بريطانيا، وكلفه بالملف الاقتصادي لسوريا من خلال تسليمه بدايةً هيئة تخطيط الدولة (الذي غير اسمها لتصبح هيئة التخطيط والتعاون الدولي)، وبعدها ليكلفه بمهام نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الإقتصادية في بادرة هي الأولى من نوعها بتسيلم رجل غير بعثي لهذا المنصب منذ إنقلاب البعث.

وتوالى إصدار القوانين الإقتصادية في سوريا مثل القانون رقم /28/ لعام 2001 القاضي بالسماح بإنشاء المصارف الخاصة في سوريا، وقانون الشركات رقم /3/ لعام 2008، والقانون رقم /41/ لعام 2007 القاضي بإحداث هيئة الضرائب والرسوم، والمرسومين التشريعيين رقم /8/ و/9/ لعام 2007 حول تشجيع الإستثمار وإحداث هيئة الإستثمار السورية، وبالنسبة لموضوع سوق الأوراق المالية فقد تم إصدار القانون رقم /22/ تاريخ 19/06/2005 القاضي بإحداث هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية.

وبمبدأ العصابات تم إجبار رجل الأعمال السوري موفق قداح (وهو مغترب سوري في دولة الإمارات العربية المتحدة) بالتبرع بإقامة مقراً للسوق بتكلفة تبلغ /750/ مليون ليرة سورية مقابل تسهيل أعماله العقارية التي أطلقها في محافظة ريف دمشق بالتعاون مع شركة الأعمال العقارية الإماراتية، لاسيما مشروع البوابة الثامنة الذي يقع في منطقة (الصبّورة) على الطريق الدولي الرابط بين دمشق وبيروت.

افتتاح بورصة دمشق!

افتتحت بورصة دمشق بتاريخ 10/03/ 2009،بستة شركات مساهمة (خمس مصارف، وشركة نقل) وكان من المفاجئ عدم إدراج أسهم شركة الهاتف الخليوي "سيرتل" التي يملكها ابن خال رأس النظام رامي مخلوف، مع العلم بأنها طرحت أسهمها للبيع منذ عام 2007 أي قبل إنطلاق عمل البورصة، وكانت الحجة المطروحة حينئذٍ بأن شركتا الخليوي العاملتان في سوريا غير جاهزتين قانونياً للدخول في البورصة، ((والسؤال هنا يكمن في حال عدم جاهزية شركة سيرتل للدخول في بورصة دمشق لماذا سَمح لها ببيع أسهمها للمواطنين والبدء بتداول تلك الأسهم قبل إنطلاق عمل البورصة؟)).

المهم انطلقت البورصة السورية بمظاهر احتفالية عمد إليها النظام السوري ربما لإخفاء الوجه الحقيقي لهذه البورصة التي أتت لتغطية مصالح رجال الإقتصاد المرتبطين بالنظام عضوياً، والذين ظهروا كرجال اقتصاد في عهده مبعدين رجال سوريا الإقتصاديين الحقيقيين.

بورصة بلا شركات إنتاجية تمثل الاقتصاد السوري!

وتولى إدراج أسهم الشركات المساهمة في بورصة دمشق حيث بلغ عدد الشركات المدرج أسهمها في بورصة دمشق في عام 2009 /20 شركة موزعة على النحو التالي:

/12/ مصرف

/3/ تأمين

/1/ زراعية

/1/ صناعية

/2/ خدمات.

ومن النظر إلى الشركات المدرج أسهمها في البورصة يرى المراقب بأن هذه الشركات لا تمثل حقيقة الاقتصاد السوري القائم بالدرجة الأولى على الزراعة والصناعة اللتان تشكلان حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي. بينما قطاع المال والتأمين لا يساهم سوى بــ /4/% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2009. وهذا مرجعه بأن مفهوم البورصة يرتبط أولا بوجود شركات إنتاجية كبيرة تكون على شكل شركات مساهمة، وهذا مالا يتواجد في سوريا، بسبب حرص النظام في ما مضى على عدم إقامة مشاريع اقتصادية ضخمة تساهم في النمو الإقتصادي، وحتى عندما تكون عند رجال النظام الثروة اللازمة لإقامة مثل هذه المشاريع، فضلوا الاستثمار في المشاريع الخدمية غير الإنتاجية مثل الهاتف النقال، مؤسسة البراق للاتصالات، المصارف، الشركات العقارية.... الخ، وبذلك لم تظهر شركة إنتاجية سواء زراعية أم صناعية تكون جديرة بإدراج أسهمها في البورصة، وأما عن الشركة الزراعية المدرجة في البورصة فهي الشركة الهندسية الزراعية للاستثمارات/ نماء/ وهي من شركات القطاع المشترك وتستحوذ وزارة الزراعة على قراراتها كونها شريكة بربع رأسمالها، وكذلك نقابة المهندسين الزراعيين من خلال إجبار المهندسين الزراعيين المساهمة فيها.

أرباح على حساب المساهمين!

هذا أيضاً يعيدنا لنقطتين هامتين جداً في موضوع البورصة، والأول هو عدم اشتراط على الشركات التي ترغب بإدراج أسهمها في البورصة بأن تكون من الشركات الرابحة، وذلك في السوقين الموازيين (أ) و(ب) الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام المضاربين للاستفادة من الحدود السعرية، والكمية للتلاعب بأسعار تلك الشركات (في السوقين الموازيين)، ورفعها لمستويات غير معقولة محققين أرباح على حساب المساهمين الذين هم غالباً من صغار المساهمين.

النقطة الأخرى هي نوعية الشركات المُدرجة في البورصة فكما تم شرحه بأن البورصة تحتاج لشركات مساهمة مغفلة، والشركات التي تم تأسيسها على عجل صحيح أنها شركات مساهمة مُغفلة إلا أنها بحقيقتها أقرب للشركات العائلية وذلك لسيطرة مؤسسيها على قراراتها كونهم يمتلكون الحصة الأكبر في رأسمالها وهذا يعود لأن قانون الشركات قد أتاح لكل سهم صوت، وبذلك فإن كبار مالكي الأسهم هم من يتحكمون بقرارات الشركة من حيث توزيع الأرباح أو سعر السهم أو إلى ما ذلك.

ما الهدف من إنشائها إذن؟!

وبعد هذا الاستعراض الموجز لسوق الأوراق المالية في سوريا يبقى السؤال مشروعاً عن الهدف الحقيقي لإقامة البورصة في سوريا... وجوابا هذا السؤال ذكره الصحفي الاقتصادي السوري السيد فؤاد عبد العزيز الذي خلص بأن هدف النظام من إحداث البورصة ينحصر بنقطتين:

- الأولى هي رغبة النظام بتحويل بعض الشركات العائلية المملوكة لعائلات خارجة عن سيطرته إلى شركات مساهمة وبذلك يفكك تلك الشركات.

- والثانية قد تكون خطوة نحو تخصيص شركات القطاع العام.

وهنا لابد من التأكيد أنني أختلف مع السيد عبد العزيز بالهدف الأول، وذلك لأن النظام الذي يحكم في ظل قانون الطوارئ لا يحتاج لمبرر لتفكيك أي شركة تجارية أو مالية تخرج عن طوعه، ولذلك فأعتقد بأن الهدف الثاني وهو بيع القطاع الخاص هو الأقرب للمنطق ليكون الهدف المخفي من إصرار النظام على إحداث سوق للأوراق المالية في سوريا.

وفي النهاية فإن النظام الذي يدمر بلده خلال أربع سنوات من الحرب على شعبه لا يمكن لأي متابع إلا أن ينظر بعين الشك حول كل إجراء يتخذه النظام سواء سياسي أم إقتصادي أم اجتماعي، ولابد له أن يضع كافة إجراءات النظام تحت بند التثبت بالحكم.

التعليقات (1)

    وفاة المجرم رستم غزالي

    ·منذ 9 سنوات 3 أيام
    تفيد الانباء عن وفاة رستم غزالي في المشفى
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات