نجيب الريس والتاريخ السوري المفقود في كتاب سعاد جروّس!

نجيب الريس والتاريخ السوري المفقود في كتاب سعاد جروّس!
أفرجت الثورة السورية عن تاريخ السوريين، أو على الأقل عن أجزاء منه، بعد أن عمل نظام الأسد عبر العقود الماضية، على طمسه حيناً، والتلاعب به في كثير من الأحيان، حتى كاد التاريخ السوري أن يكون فقط تاريخ حزب البعث الحاكم منذ انقلابه حتى اليوم.

يعيد السوريون تلمّس تاريخهم الوطني، ويسعون الى فتح ملفات كادت تندثر من كثرة ما جهدت السلطة الحاكمة في إخفائها وحتى تزويرها.

عمل استغرق عقدا من الزمن!

وتسعى الصحافية السورية سعاد جروس، عبر كتابها «من الانتداب الى الانقلاب، سوريا زمان نجيب الريس»، الى إلقاء الضوء على جانب من هذا التاريخ، الذي اختارت زاوية منه هي زاوية العمل الصحافي، والتي امتازت بتاريخ عريق امتدّ حوالى الخمسين عاماً قبل حكم البعث السيئ الصيت.

الكتاب الصادر عن دار رياض الريس، والذي قدّمه رياض الريس، ابن نجيب الريس ذاته، مشيداً بجهود الكاتبة في عمل استغرق حوالى العقد، يعود بنا إلى البدايات. فقد نشط نجيب الريس وباقي أقرانه في عهد حكومة الأمير فيصل، ونشطت الصحافة في مناخ من الحريات كان مفقوداً في عهد الاحتلال العثماني. وبين 1918 و1920، تدفقت الجرائد والمجلات حتى وصل عددها الى 42 جريدة و13 مجلة. ومع معركة ميسلون، ودخول جيوش الاستعمار الفرنسي، ستُطوى هذه المرحلة من الحريات وبناء الدولة الوطنية وستبدأ مرحلة جديدة من النضالات الشعبية.

صراعات سياسية بين السوريين!

في 1922، اعتُقل الريس وعمره لا يتجاوز منتصف العشرينات، وفي سجن جزيرة «أرواد» بالقرب من مدينة طرطوس حيث كان معتقلاً عام 1925، سيكتب الريس أهم أناشيده التي سيردّدها الشباب السوري حتى يومنا هذا، والتي تبدأ بـ «يا ظلام السجن خيم، إننا نهوى الظلاما»، وهو النشيد الذي لحّنه الموسيقار محمد عبدالوهاب عام 1933، ليصبح واحداً من أهم الأناشيد التي صدحت بها حناجر المتظاهرين السوريين في تظاهراتهم المناوئة للاستعمار الفرنسي.

لقد شهدت المرحلة تلك، صراعات متصاعدة بين السوريين، وعكست حدّة الانقسام في المشهد السياسي بين وطنيين «ديموقراطيين» يسعون الى إقامة دولة ديموقراطية، وبين كبار الموظفين في الدولة والحكومة المتعاونين مع سلطة الانتداب. وبصفته الصحافية، وقف الريس كواحد من أشرس الوطنيين الذين سلّطوا أقلامهم لنقد وتعقّب الفئات المنحازة الى سلطة الانتداب.

كذلك، أصدر الريس جريدة «القبس» التي توقفت عن الصدور غير مرة، وأعيد إصدارها، كما واجهت العديد من الدعاوى التي رفعتها الحكومة ضدّها، ولم ينجُ الريس نفسه من هذه الدعاوى، إذ أحيل الى محكمة بداية الجزاء بدمشق في سبع دعاوى بتهم القدح والذم، وبُرئ من جميع هذه التهم لاحقاً.

وفي المرحلة التي سبقت استقلال سورية، والسنوات القليلة التي تلت الاستقلال، ترشّح الريس للنيابة العامة على قائمة شكري القوتلي، ليكون أول سياسي غير دمشقي تنتخبه العاصمة السورية، حيث ظلّ نائباً حتى 1946.

جمهوريتان ودولة وثلاثة برلمانات ودستورين!

ودافع الريس عن عروبة لبنان في مواجهة التيار الماروني المتشدّد والممثَّل بالرئيس إميل إده، الذي «حوّل لبنان خلال خمسة وعشرين عاماً إلى أكبر عدوّ للعرب والإسلام، مع أن لبنان أكثر بلد عربي خدم اللغة العربية والآداب الإسلامية أيام كانت مهدّدة بالفناء»، كما يقول الكتاب.

وبدورها، تلقي جروس الضوء على الموجات السياسية التي شهدتها سورية عقب الاستقلال، وتسرد سلسلة الصراعات التي نشبت بين القوى السياسية، حيث شهدت السنوات الأربع بعد الجلاء «نشوء جمهوريتين ودولة، وثلاثة برلمانات ودستورين: واحد معطل وآخر لم يصدر بعد، وثلاثة انقلابات عسكرية، وانقلاباً سياسياً رابعاً هو الانفصال الجمركي الاقتصادي بين سوريا ولبنان».

كثيرة هي التفاصيل التي يسردها الكتاب، ويبقى القول إن من الصعب الإحاطة بكل ما جاء في المرحلة الممتدة بين الانتداب الفرنسي والانقلاب الأسدي، إلا أنه لا بد من التأكيد على أهمية هذا الكتاب لما يعرضه من أحداث وتفاصيل تخصّ تاريخ السوريين، الذي يكاد يكون مجهولاً من الأجيال التي وُلدت في ظلّ حكم عائلة الأسد. فالأخيرة، تمكّنت من إقصاء هذا التاريخ والتعتيم على شخصياته الوطنية، بحيث صحّ ما يؤكّده من أن للسوريين تاريخين، واحد كتبه نظام الأسد وأعمل فيه الكثير من الشطب والتزوير، وآخر يسعى السوريون إلى استعادته واستعادة روايته وكتابته مجدداً.

* العناوين الفرعية لـ (أورينت نت)

التعليقات (2)

    سوري والأمل بالله

    ·منذ 9 سنوات 3 أيام
    أريد شراء هذا الكتاب اتمني وأرجو ممن يعرف أن يكتب بالتعليقات لأنني أحكي بشكل جدي لكم الشكر

    نجيب الريس

    ·منذ 9 سنوات 4 أيام
    يا ظلام السجن
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات