دراما سورية اسمها: "الأسد أو لا أحد"!

دراما سورية اسمها: "الأسد أو لا أحد"!
تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً مقطع فيديو يظهر موقوفين في ما يسمى سجن التوبة التابع لزهران علوش قائد جيش "الإسلام"، وبدت ظروف الاحتجاز شبيهة بمعتقلات نظام الأسد إلى حدٍ ما، حيث يجلس المعتقلين مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين ويتعرضون للإهانة والضرب في مشهد يؤجج مشاعر كل معتقل سابق لدى نظام الأسد ويثير ألماً شديداً لديه بما يستدعيه من صور مشابهة عايشها أثناء اعتقاله في واحدٍ من مئات أقبية الأسد المنتشرة على الأرض السورية، مع اختلاف شدة وبأس هذه الظروف والمعاملة، والتي تتفوق فيها الحكومة السورية بالتأكيد وبشهادة جميع المعتقلين السابقين لديها، ففي فيديو علوش يستطيع المعتقلين النطق والرد على السجان، والذي يشتمهم بتعبير""يبعتلك حمى تسلق بدنك!" أي "أتمنى أن تصاب بمرض الحمى وترتفع درجة حرارتك كثيراً".

رغم عدم تسريب فيديو واحد من داخل أقبية الأسد حتى بعد دخول الثورة السورية عامها الخامس يظهر الجحيم الحقيقي الذي يذيق السوريين كل ألوان العذاب حتى الموت، تتوجه الانتقادات إلى ممارسات من ثار على أجهزة نظام الأسد وحطم تماثيله ولم يتمرد على ثقافة الأسد التي تعتمل داخله، والتي زرعها نظام الأسد في كيانات الشعب السوري على مدى خمسة عقود.

لا يعتبر النقد بناءّ أو مفيداً ما لم يعتمد الأساليب العلمية والمتخصصة ويوجه النظر إلى أصل المشكلة ومقترحات حلها ليحقق هدفه في الوصول إلى الحقيقة والبناء عليها، كي لا يتحول إلى نقد هدّام لا يقدم حلول ويعتمد على الانفعالات الشعورية والمواقف الشخصية ولغة السباب والشتم أحياناً، وفي الحالة السورية قلما تتوجه الأقلام إلى أصل الكارثة التي ألّمت بالشعب السوري بتولي الأسد ونظامه مقاليد السلطة في سوريا والتي شوّهت ثقافة ومفاهيم الحياة لدى غالبية الشعب السوري ككل الشعوب المقهورة في العالم، وقلبت مفاهيمهم لأدوارهم في الدولة والمجتمع بدءً من المواطن ومروراً بالمسؤول وليس انتهاءً بالسجّان.

تنص المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام 1949 فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية والبروتوكول الإضافي الثاني على أن الأشخاص الذين حرموا من حريتهم لأسباب تتصل بالنزاع يجب معاملتهم بشكل إنسانية في جميع الأحوال. وهم يحظون بالحماية من القتل والتعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة. وهم ليسوا بمنأى عن الملاحقة الجنائية بمقتضى القانون الوطني، ولكن مع ضمان الحماية من كل أعمال العنف والترهيب والشتائم وفضول الجمهور. كما عرّف القانون الدولي الإنساني الشروط الدنيا التي تنظم الاحتجاز وتشمل المسائل المتعلقة بمكان الاحتجاز والغذاء والملبس والنظافة والرعاية الطبية.

لم تلتزم الحكومة السورية بأي من قوانين الحرب الإنسانية، بل وخرقت جميع الاتفاقيات والعهود الدولية الموقعة واتكأت في انتهاكاتها الأخرى على عدم تصديقها العهود والمواثيق الدولية المتعلقة.

بدأت انتهاكات النظام السوري تشريعاً والتي نفذتها الحكومات السورية المتعاقبة والأجهزة الأمنية منذ سيطرة حافظ الأسد على الدولة السورية أواخر ستينات القرن الماضي ومن ثم توليه مقاليد الحكم بعد انقلاب عسكري استمرت دمويته حتى القرن الحالي مع وفاة ومقتل عديد من العسكريين والمدنيين الذين اعتقلهم أثناء الانقلاب ومابعده.

تعددت ممارسات نظام الأسد الأب وابنه والتي نقذتها الحكومات السورية، وفرضت على السوريين نظاماً حياتياً صارماً سيطر على مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، ورافق مختلف الشرائح العمرية في المجتمع، فأنشأ منظمة طلائع البعث التابعة لحزب البعث العربي الاشتراكي لتجنيد الأطفال من خلال منظومة فكرية وتربية عقائدية تدين بالولاء للقائد "الرمز"، والتي اختصرت شعباً من ملايين السوريين بمختلف انتماءاتهم الفكرية في إطار واحد هو سوريا الأسد. كما حول النقابات الشعبية إلى تنظيمات تابعة لأجهزة أمن الدولة ومخابراتها، ووزارات الدولة ومقاعد برلمانها إلى مناصب تكالب عليها كثر معتمدين على ولائهم للأسد كمعيار لتولي مناصب الدولة، فتحولت الدولة السورية بكل مكوناتها إلى وعاء يفرغ فيه نظام الأسد ما يناسب استمراريته، ويمنع عنه ما يراه قد يشكل تهديداً أو حتى إزعاجاً لسلطاته.

فحرّم الحراك الاجتماعي والعمل المدني بكل أشكاله، ومنع تأسيس المنظمات المدنية والشعبية المستقلة والمنابر الإعلامية أو الفكرية واختصر الاعلام السوري في مؤسساته التي جند فيها موظفين كثر لتنفيذ أجنداته الإعلامية والفكرية تحت تسمية صحفيين أو إعلاميين، وربط انجاز أي عمل فردي أو جماعي بمدى ولائه للنظام الحاكم. نتيجة لكل ما سبق تم ابعاد الشعب السوري عن ثقافة حقوق الإنسان والحريات وزجه في عداوات وهمية لعديد من أمم العالم وثقافاتها، في ممارسات تجهيل وإبعاد عن التطورات الفكرية في العالم، من خلال ممارسات عديدة منها التشويش على المحطات الأرضية للدول المجاورة ومنع الكتب وحتى الأغاني من التداول في سوريا، فتحوّل المواطن السوري إلى ضحية للستار الحديدي الذي فرضه نظام الأسد، وحمل أفكار هذا النظام وقلد ممارساته حتى أصبح المواطن النموذجي مستنسخاً عن رموز النظام ويخرج بالالاف قسراً وطوعاً ليهتف"كلنا باسل" و"وكلنا بشار" وغيرها.

لم يتجاوز سجانو زهران علوش وغيرهم كثير من أبناء الشعب السوري هذا النموذج الأسدي بما يحمله من عداء للإنسان وجوهر الحريات، وهم أحوج ما يكون الآن إلى عشرين مليون ثورة فردية كل على ذاته وأفكاره التي أفرغها نظام الأسد خلال أكثر من أربعين عاماً من حكمه بمباركة ومشاركة سوفيتيتة روسية.

ويبقى شعار "الأسد أو لا أحد" الذي أطلقته أجهزة النظام الأمنية هو الأصدق إن استبقناه بكلمة "اسقاط"، فلن يكون اسقاط أي أحد ذو معنى ما لم يتم اسقاط الأسد: الأسد أو لا أحد.

التعليقات (2)

    السلام عليكم

    ·منذ 9 سنوات أسبوعين
    يجب قطع راس الحية بشار اولا لان التعني في جسدها بلا فائدة

    هادي نصار

    ·منذ 9 سنوات أسبوعين
    الاعتراف بالخظأ فضيلة
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات