بعد أن استطاع وليد جنبلاط تثبيت قدميه على أرض الملعب السياسي والتفاف الناس في لبنان حوله، واستمرار الحركة الوطنية اللبنانية والفلسطينية بانتهاج الخط ذاته الذي نشأ مع الشهيد كمال جنبلاط، تنامى في السويداء الدور الرخيص للعديد من البعثيين وصبيان الأمن وأصبح نقل الإشاعة عبر البيوت والشارع عملا ممنهجاً وواضحاً ليطعن بوطنية وليد جنبلاط برغم التقارب الذي ظهر بينه وبين النظام، لكن حسابات حافظ الأسد المافياوية لا تترك جانباً إلا وتتابعه لأن الهدف هو أبعد من ذلك، حيث التخطيط لإنهاء الحركة الوطنية اللبنانية والفلسطينية، لتمهيد الطريق أمام ظهور وتمدد حزب الله الطائفي، ومنع أي تفاعل درزي درزي بين السويداء ولبنان للوقوف بصف جنبلاط، مع العلم أن البيت الجنبلاطي لم يتدخل تاريخياً بالسويداء معتبراً أنها محافظة لها خصوصيتها السورية وفيها من الشخصيات الوطنية المحترمة ما يجعلها ركناً فاعلا.
منع عن محافظة السويداء تداول أي كتاب أو صحيفة أو منشور يتعلق بفكر كمال جنبلاط، لكن صوره انتشرت في الكثير من البيوت على الصعيد الشعبي، ومع اجتياح إسرائيل للبنان ومن ضمن خطط التغطية على تآمر الأسد على القضايا الوطنية، ابتدأت الإشاعات الهامسة تصبح أصواتاً وقحة ومباشرة وعالية معتبرة أن وليد جنبلاط خائن، ونجح النظام بذلك وأصبح من الصعب مناقشة العديد من أبناء السويداء بعكس ذلك، فممانعة آل الأسد هي وحدها من يسوق الحجج والبراهين وهم معيار الوطنية.
مع تنامي تأثير الشهيد رفيق الحريري على الساحة السياسية والوطنية ووضوح العلاقة التي تربطه بوليد جنبلاط، ولكون رفيق الحريري وجه سني متنور وحالة استثنائية في تلك المرحلة الحرجة، أخذت الشائعات عن الرجلين تتحد في اتجاهها لتحطيم حضورهما العام من خلال التشكيك بمال الحريري وتبعيته للسعودية وعمالته التي تتقابل مع عمالة وليد جنبلاط.
لم تكن الناس بالشارع السوري تعي خطورة المشروع الفارسي وحاجته لإزالة الأصوات العروبية الفاعلة من طريق عملائه ومرتزقته في لبنان والمتمثلة بشكل أساسي بحزب الله، وكان نقاشنا الدائم يتوقف عند عقل متحجر لا يعرف سوى التخوين والشتم ليواجه به الآخر، فجاء اغتيال الحريري بسياق مُهد له ليس لبنانياً فقط بل سورياً وعلى مستوى الشارع، وعندما وقف وليد جنبلاط بساحة الشهداء يلقي كلمته الشهيرة لتوضيح الأمور برحيل صديقه الشهيد، واتهامه المباشر لبشار الأسد، كان النظام قد وصل داخلياً في سوريا لمرحلة أن الناس لم تعد تصغي لجنبلاط وغيره من اللبنانيين باعتبارهم أعداء.
وهكذا ما أسسه حافظ الأسد للوريث من سياسات ممنهجة، أعطت نتائجها وتم التشويش مسبقا على أية آراء أو حقائق أخرى، وكنا عندما نحاول إيضاح ذلك نبدو وكأننا ننفخ في "قربة مقطوعة" كما يقال حتى في الأوساط القريبة وداخل البيوت، فمر اغتيال بقية الشخصيات اللبنانية كجورج حاوي وسمير قصير وجبران تويني وغيرهم بالسياق ذاته.
عندما انطلقت ثورة الكرامة السورية، تغيرت المعادلة وأصبح معظم السوريين يدركون التظليل والخدعة التي عاشوا بها لعقود من خلال الضخ الإعلامي والرقابة الأمنية من قبل النظام، وتلمسوا بشكل مباشر جرائم لا يمكن أن يتخيلها عاقل تنفذها هذه المافيا، ليتضح أيضاً دوره المفتت للعروبة بصفته عميلا إيرانياً في قلب العرب.
ولأنه من الطبيعي أن يكون السنّة هم الحاضنة الرئيسية للعروبة وهم الخزان البشري في المنطقة والمؤثرون في النهضة العربية والتي اغتال النظام أحد أعمدتها وهو رفيق الحريري، ولأن الظروف مع طول أمد الثورة السورية تبدلت وأعطت جغرافيا جديدة للصراع بدخول مباشر وفج لإيران بسوريا، أخذ الصراع شكلا جديداً أدى لظهور تنظيمات وأفكار لم تكن معروفة، ولأن السويداء في قلب مساحة سنية وقد تفاعلت تاريخيا بشكل إيجابي معها، رغب الاستاذ وليد جنبلاط إعطاء تحذير من مستقبل مشوش، ربما الواقع بالسويداء ليس بذلك القدر المخيف الذي يجعلها تصبح محافظة فارسية وهي التي تفتخر بعمقها العربي، لكن بالتأكيد وليد جنبلاط وهو العالم أن السويداء ومنذ القدم لا تنام على ضيم، وما قاله ليس تقليلا من قدرة أبنائها على الثبات والتضحية ولا هو تقليل من شأن نخبها المدركة لهذا الخطر الفارسي القادم، فالرجل دائما يقول كلمته بلا تردد وبكلمات موجزة ليوصل رسالته ربما ليس للسويداء وحسب بل للفارسي كي يعيد حساباته بالتعاطي مع تلك المنطقة.
يذكر المعمّرون في هذه المحافظة وكذلك ما تتناقله المعلومات الشعبية، أنها كانت على الدوام في وئام مع جيرانها غربا وشمالا وأيضاً جنوباً نحو الأردن بعائلاتها وعشائرها، ولم تدخل بأية صراعات تذكر لا طائفية ولا غيرها، وعلى هذا فإن الفكر القادم من إيران هو غريب عن تراث هذه المنطقة بل وعن سوريا كلها، ولعل ما يدور في كواليس المحافظة وبيوتها هو الأهم في توضيح الصورة للرأي العام، وليس ما يمرر من معلومات إعلامية مباشرة، فقد استنفذ هذا النظام كل السبل لجر المحافظة إلى الفتنة ولكنها وبالتعاون مع الجيران في درعا وريف دمشق استطاعت تفويت الفرصة حتى الآن على هذه المافيا، كما أن حالش وخلفه إيران يدركون أن المحافظة مازالت عصية على تمددهم بداخلها، وهي وبرغم عدم انخراطها بالقتال المباشر ضد النظام إلا أنها تدرك جيداً أنه قد يغدر بها بأية لحظة وينتقم لعدم انخراطها أيضاً معه بالقتال، وإن رسالة جنبلاط في مضمونها، تريد التحذير من خبث هذا النظام وحث أبنائها على الانتباه من تلك الألاعيب المبيتة، يريد الرجل بكلماته الشعبية عن المنسف وعبارات الترحيب، أن يصل تحذيره لكل الدروز بعيداً عن التوصيف والتحليل السياسي، فهو الخبير بزواريب السياسة الدولية وبمكائد إيران، وعايش مؤامرات النظام وكيف تلاعب بالساحة اللبنانية، ليدفع لبنان فاتورة غالية مازالت قائمة حتى الآن، فهل سنتجنبها أم سينجح الأسد بترك الألغام حتى بعد رحيله؟
التعليقات (2)