في وثاثقي (حصار): الأسد أم إسرائيل.. أيهما أقسى؟

في وثاثقي (حصار):  الأسد أم إسرائيل.. أيهما أقسى؟
متى ينتهي الألم الفلسطيني وتنعتش قيم الحياة؟ ومتى نستطيع أن نجيب على السؤال المر: حصار النظام أقسى أم الحصار الإسرائيلي؟ وهؤلاء البشر الذين نشاهدهم أمام الكاميرا هل يعيشون في رام الله، القطاع، أم في مخيم اليرموك.. وفي مدينة عربية اسمها دمشق؟

هذا المزيج من الأسئلة البالغ حد الصعوبة والقدرة على الإدهاش، بعضٌ من الأسئلة التي يطرحها الفيلم التسجيلي القصير"حصار"،. (9:14دقيقة) من إنتاج مؤسسة (بدايات) 2015،

لا يبدو سهلاً توثيق ما خلفه الحصار بوجعه وألمه على نفوس قاطني مخيم"اليرموك"، حيث أن الواقع القريب تتشابك وتتنوع حكاياته، الواقع الذي أضحى اليوم جزءاً من التاريخ

يرصد الفيلم ثنايا الرابط الإنساني بين بشر لم تجمعهما القضية الفلسطينية إنسانياً، بمقدار ما جمعهم الحصار، لتنشأ بينهم علاقة حياة حميمة يتقاسمون فيها تفاصيل الحياة اليومية، في عالم يمزقه الاستبداد العسكري والاقتصادي والاجتماعي للنظام، لا مكان سوى للمخيلة والهواجس للهروب من الواقع الممزق بالقسوة، ويبقى المخيم هو الفكرة التي تربط الناس المتقاربين ثقافياً واجتماعياً بالقضية.

الفيلم الذي كان نتاج ورشات تدريب سينمائي عبر السكايب، يعتبر أحد أهم التجارب التي يتحدى عبرها المخيم الحصار فنياً، وأخرجه عبد الله الخطيب، ضياء يحيى، مؤيد زغموت، براء نمراوي، جمال خليفة، محمد سكري، عبد الرحمن سليم، عمر عبدالله، نوار يوسف.

الفن يصفع الجوع

تدور جميع أحداث الفيلم في مخيم"اليرموك"المحاصر، وقسم إلى أربعة أفلام قصيرة يجمعها المخيم بمتن سينمائي واحد، يحمل الفيلم الأول عنوان"دانا"كان أمر ذو دلالة أن تكون اللقطة الافتتاحية لطفلة تجر عربة محملة بجرار بلاستيكية، الفيلم الذي أريد منه بالأصل أن يفسر عمق المأساة التي وصلها الأطفال داخل المخيم، الطفلة التي لا تنطق أي حرفاً خلال التصوير، تظهر اللغة البصرية كل ما يمكن أن تتفوه به، ويرغب مخرجي الفيلم بقوله، النظر إلى الطفلة وجرها عربتها هو الفرق، الذي يفوق حتى جماليات السينما، بقدرته على شرح البؤس الذي يعيشه المخيم وتعيشه الطفلة.

"أمبير"عنوان الفيلم الثاني، الغاية الأساسية التي كان يقصدها الفيلم، تصوير كيف يعيش الناس في العتمة ورصد انفعالاتهم في اللحظة اللاحقة لعودة التيار الكهربائي. اللحظة السابقة لعودة التيار الكهربائي تظهر مجموعة من الشباب مجتمعين حول عدد من الشموع ومدفأة للحطب، هذه اللحظات الخالية من تفصيلات العالم المتمدن، تترجم بانفعالاتها، همها بمداعبة أفكار وحنين للعالم المتمدن، مشاهد تصور كيف ممكن أن تولد الحياة من أبسط الأشياء، بل تفسر كيف ممكن أن تقتل الحياة أبسط الأشياء.

"يرموك-كراجات"ربما الرد الأبسط على ظاهرة الحصار، أن يعيش أصحابه ذكريات ما خلفوه ورائهم من أثار، شاب يحن إلى زحمة السرفيس والاختناقات المرورية، هكذا يحمل فيلم كراجات دلالته الأوضح، يبدأ الفيلم حالماً وجميلاً، وسرعان ما يصبح مؤلماً وحزيناً، مهمة السرفيس المتفحم الظاهر بالفيلم، تحفيز الذاكرة بين شاب منتمي للحاضر، وذكريات منتمية للماضي، هنا تتشابك الدلالات بغزارة مذهلة.

"ولاد الأرض السمرا"جماليات الجوع في هذا الفيلم، يحمل شحنة وعي أخلاقي لدى الناس المحاصرة، الناس التي تعي أن الجوع وهم أمام الذل والمهانة، صورة خاصة لوعي الناس بذاتهم، تتراكم مع باقي الأفلام لتعطي صورة خاصة عن شعب أخلاقي حتى التخمة.

قوة البساطة

لا تماس مباشر بين فكرة الفيلم والواقع، النقاش السينمائي الذي أخرجته مجموعة من شباب المخيم، يحمل دلالات بصرية عميقة، حول الفلسطينيين في المخيم وواقعهم والمستقبل الذي ينتظرهم في ظل انقطاع كل أشكال الاتصال بالعالم الخارجي، وبالحقيقة المخيم كما يظهر في الفيلم، ما هو سوى رمز للقضية التي توقف بها الزمن في سوريا، وأصبح للنضال أشكال أخرى أكثر تعقيداً، الكاميرا التي تسللت إلى جنبات المخيم لم تصور للحظة شعور بالمهانة أو الذل، الكاميرا التي تثبت حيناً وتتحرك حيناً آخر، بدت مفعمة بالحركة والحيوية رغم رتابة حزن الناس، من خلال هذه الحكايات نعرف قصص أهل المخيم وقصته الاستثنائية للمخيم مع الحصار، والذي يبدو قاطنيه قلقين إزاء إمكانية عودة الحياة إلى سابق حالها، لا سيما مع الأخبار المتناقلة عن بسط"داعش"سيطرتها على المخيم، والذي سيكون فصل جديد في مآسي المخيم المتتالية، إلا أن لسان حال أهله، أنهم لن يتركونه مثلما ترك بعضهم منازلهم ورائهم في فلسطين، مسار الحياة هذه المرة رسم كرهاً وطوعاً، ليس كرهاً للحياة وإنما حباً لها.

تعرض عبدالله الخطيب لمحاولة اختطاف، كما اغتيل فراس ناجي أحد الشركاء في إنتاج الفيلم، واستشهد جمال خليفة أحد المخرجين خلال الهجوم الأخير ل"داعش"على المخيم، في صورة عامة للقهر الذي يتعرض له المخيم على أيدي النظام وحلفائه من أصحاب الرايات السوداء.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات