جوقة الندب على تحرير إدلب!

جوقة الندب على تحرير إدلب!
يحار المرء كيف يصف هذه الحالة المتردية في الخطاب العام الذي يسود بين البعض، ليس بالسهولة أن نقول إنها حالة خبث أو جهل أو عمالة أو شماتة، لكنها كيفما وصفت فهي ألغام متفجرة في وجه هذه الثورة التي لم تسلم من الطعن حتى في أحلامها الناصعة.

دخل الثوار إدلب حاملين أرواحهم على أكفهم، من قذيفة أو قناص أو طائرة في السماء تتربص بهم، فتسبقهم إلى صفحات الإعلام والتواصل والمقاهي ومن خلف النراجيل والمكيفات أصوات تطعن بالتحرير، ولو كان هذا من شبيحة الأسد لكان أقل من طبيعي، فهي مهنتهم منذ بداية الثورة، لكن المؤلم في الأمر أن هذه الأصوات ألبست بعض المعارضين مهنة جديدة بطريقة أو بأخرى حيث أصبح لا عمل لهم سوى مراقبة الأخطاء وكأننا في برنامج أخطاء وعثرات، بعضهم انتمى لتيارات وأحزاب وبعضهم يغني منفرداً على أوتار حباله الصوتية بصفته نجماً فيسبوكياً.

ومع دخول الثوار وإعلانهم تحرير إدلب اصطف أولئك جميعاً كجوقة لا يشبهها سوى الطابور الخامس الذي لطالما حذرنا منه، هذا إن لم تكن تلك الجوقة إحدى مكوناته، فبدا لهم أن الثوار مجموعة مرتزقة جاهلين متطرفين أوغاد لصوص، وما إلى ذلك من أوصاف، فقد سرقوا جمال الثورة الرومانسية بكلمة الله أكبر، ولوثوا متعتهم اليومية ببقاء الأسد متربعاً على ساحاتها وأنفاسها يعربد عبر شبيحته ومرتزقته بكل صفاقة على الحجر والبشر.

واكتمل المشهد الدرامي معهم حين هُدم تمثال المجاهد ابراهيم هنانو، فأعطاهم ذلك الفعل جرعة جديدة ليتحفونا بثقافة مريضة غير مسؤولة تبث السموم في كل اتجاه.

وعلى هذا بدت الثورة كقطعة حلي جميلة سرقتها منهم تنظيمات التطرف وراياته، والسؤال هنا من أين سرقتها تلك التنظيمات وفي أي جيب من جيوبهم قد خبأوا الثورة فسطا عليها الآخرون وسرقوها، بعضهم يتحفنا من باريس أو من برلين وأوسلو وغيرها من عواصم اللجوء، وبعضهم من خلف مكاتبهم الفخمة في الخليج، وبعضهم من مقاهي تركيا أو من دواوين منظماتهم المستحدثة، وهكذا من شتات الأرض يرسلون بروتوكولاتهم الثورية العجائبية.

لم يدرك هؤلاء الذين يقابلون همجية الأسد وإيران وروسيا برومانسية المشاعر أن ابراهيم هنانو كان ثائراً يفترش الأرض ويحمل قيمة ثورته على فوهة النار، ولو كان حياً يرزق لدخل مع الثوار وهدم كل ما أنجزه نظام البعث من ملامح تشبهه ولا تشبه التراث السوري، تتقابل مشاعر هؤلاء المعارضين مع مشاعر مؤيدي الأسد الذي أطلوا علينا كراعين للقيم والأخلاق ونافضي الغبار عن تراث هذه الأمة.

هكذا من يراجع صفحات هؤلاء ومنذ معركة الساحل على الأقل حين اتهموها بالطائفية أشعلوا الشكوك بالثورة والثوار، وبعضهم كانوا سباقين في التشكيك بالثورة منذ أن حُمل السلاح للدفاع أن أطفالهم وذويهم، نظروا في إدلب إلى الرايات وتناسوا الأرض الحرة تحت أقدام الرجال، ساءتهم كلمة جهاد ونسوا أن ابراهيم هنانو هو بالأساس مجاهد، لكنهم بالوقت ذاته ينظرون لجهاد أبطال باب الحارة ولا يضيعون فرصة لفتل الشوارب على أبواب بلاد هدمها الأسد والبعث منذ أن دخلها محتلاً ومختلاً وشوه حتى النظرة الجمالية للعمران فيها.

ولعل ما قاله النبي محمد "ص": "أن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من قتل امرئ بغير حق"، يعني بوضوح أن كل خراب يستطيع الإنسان بناءه، لكن الروح عندما تزهق لا يعوضها شيء، ليكون السؤال أي شيء يمكن أن يفوق حزننا على سوريا الذبيحة التي أرادها القتلة نهر دم يتراقصون في لطمياتهم ويهتفون له؟

ابراهيم هنانو الكردي الذي لم يبع سوريته أظنه في قبره وكل قادة التحرير من رجال سوريا الذين قدموا لنا بلداً، يتقلّبون في قبورهم ألماً آخر، حيث انتهى بنا الأمر إلى عائلة أسدية تذهب بسوريا إلى هذا الدرك.

في الثورة السورية كما في كل الثورات آلاف الأخطاء، وفيها أيضاً مئات آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، فيها مدن لم تعد على قائمة العناوين، وأسر خرجت من سجلات النفوس، فيها ملايين لم تعد تدري متى ستعود حتى لو كان عودها إلى ركام وأطلال، وفيها أولئك الذين ينامون بين الصخور والوديان يلتحفون السماء ويفترشون الأرض، يتقاسمون قطرة الماء وطلقة الرصاص، يتبادلون الابتسامات ليشيعوا الأمل في قلوب بعضهم، هم ليسوا ملائكة لكنهم ثوار، هم ليسوا أنبياء لكنهم شجعان، هم ليسوا قديسين لكنهم صنعوا أرضاً مقدسة، هي ثورة بحلوها ومرها ستبقى من أنصع ثورات التاريخ المعاصر بل والغابر، وإدلب التي رسمت من كفرنبل لوحات خلود لهذه الثورة وعناوين المستقبل المضيء، هي ذاتها التي قدمت أيقونات بنش وحاس الصمود، هي إدلب التي تحررت من حنك الوحش، لتفتتح الطريق إلى وجه القمر، وجه سوريا القادم عندما يعيد للتاريخ هيبته، حيث في كل بيت قائد سيرفع له اسم وتمثال وخلود.

التعليقات (7)

    خالد الحلبي

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    مقال رائع

    احمد حلب

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    وانت ياسيد ياصاحب المقال اين تقيم؟؟؟ هل انت في ادلب وهل شاهدت بعينيك وساخة وقذارة هؤلاء المجاهدين؟؟؟ هل رايت فعلا راياتهم السود القذرة المرفوعة في ادلب ليقولوا للعالم انظروا، اذا تحررت باقي المناطق فنحن البديل عن الاسد، فلاتسمحوا لباقي المناطق بالتحرر؟ الم تسيئ جبهة النصرة وامثالها من ××× الجهاد الى الثورة اكثر مما اساء الاسد الم ترى بعينيك ان النظام انسحب من ادلب انسحاب، وان مدينة كادلب تسقط بهذه السهولة، في حين تستعصي قرية صغيرة كحندرات على الثوار؟؟؟ الم تصلكم الفكرة بعد، ياملمعي النصرة

    رامي

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    الى الأخ احمد حلب جبهة النصرة أعز وافضل من مليشيات طائفية شيعية تغتصب العرض وتنهب الأرض. وكما نعلم الشعب السوري طلب من العالم المساعدة وصاح بأعلى صوته لانقاذه من محنته ولم يقدم لهم العالم شيء لم يقدم لهم ما يحموا به سقف منازلهم من براميل الأسد، والشعب السوري وصل الآن لمرحلة يقول فيها..أهلا بجهة النصرة. ونشهد الله ان جهة النصرة لم تسيء للثورة، بل أعزتها، واعطتها قيمة وأوصلت رسالة مفادها إن هذا الشعب المسلم واراءه رجال سينتصرون له.

    راضي نجم

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    القافله تسير والكلاب تنبح والتاريخ يعيد نفسه. لكن نسأل الله ان يوئيد الثوار الاحرار بنصر من عنده يعيد فيه الى سوريا عزتها والى شعبها الحياة العزيزه والكريمه في ضل من الرخاء والتقدم والازدهار كي تعود الى لعب دورها في العالم العربي والشرق.

    محمد

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    كفاكم ايها الكتاب هنا التغطية على التطرف الديني بحجة الثورة، فهؤلاء المحررون الجدد يؤسسون لديكتاتوريات دينية جديدة، هم لا يعترفون بالوطن، بل سيتابعون كما قالو للقدس و يطمحون لروما و ما بعدها، سيجلدونك ان عدت للوطن و لم تحضر الجمعة في المسجد كما فعلوا و صوروا و وثقوا ، نعم هم ابطال ، و جدا ابطال و شجعان ، و لكنهم طغاة جدد ، لا يمثلون قيم الثورة الاولى على الطاغية .

    [email protected]

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    الثورة متابعة ودع الكلاب تنبح

    ناصح أمين

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    إلى أحمد حلب لاأخالك إلا تنظر بعين واحدة ، أين كنت عندما كانت حرمات إدلب تنتهك من قبل وحوش أسد ؟ أين كنت عندما كان أبناء إدلب يعذبون ويهانون من قبل مجوس؟ أين كنت عندما كانت إدلب تستغيث من بطش الطاغوت؟ الآن عندما ارتفعت رايات النصر والحرية تتباكى على إدلب ، وماذا يضيرك إذا كانت رايات سوداء أو بيضاء . الم تتعلم يوما أن رايات الفتح هذه ألوانها... أم لك لون خاص . أراك تغالط كثيرا عندما تصف هؤلاء بالمجاهدين وتصفهم بالوساخة والقذارة . المجاهدون قوم اختارهم الله لإعلاء كلمته باعوا الحياة واشتروا الآخرة
7

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات