رسالة أوباما الفارغـــة إلى إيران!

رسالة أوباما الفارغـــة إلى إيران!
يعاني المرشد الإيراني، مثل غالبية المستبدين، من مشكلة مع الشرعية. يخاف معظم الإيرانيين اليوم من النزول إلى الشوارع للمطالبة بحكومة تمثلهم تمثيلا حقيقيا (لما حاولوا ذلك في عام 1999 و2009 كان الثمن من دمائهم). ولكن في أعماق ذاته، لا بد أن خامنئي يشعر أن ملايين المواطنين من شعبه يكنون له كراهية مكتومة.

لذا، فإن خامنئي يطالب الخارج بالشرعية التي يفتقر إليها في الداخل. ويا لها من حيلة كلاسيكية. ظل الدبلوماسيون السوفيات يصرحون للصحافيين الغربيين حول المحاكم المستقلة التي تلقي بالسياسيين في غياهب السجون. وكان صدام حسين يعقد في بلاده موسما تلو الموسم من الانتخابات المزيفة. وحتى في إيران، هناك تمثيل يهودي في برلمان البلاد.

هناك ولا بد عواقب عندما تتحدث المجتمعات المفتوحة وبصوت مرتفع حول عجز الحريات في المجتمعات المغلقة، فحينما يتحدث الرئيس الأميركي بوضوح حول أحد الطغاة، فإن ذلك يؤدي إلى تقويض شرعية نظامه الحاكم داخليا.

إذا ما أخذنا ذلك في الاعتبار فلنتصور جذل خامنئي الشديد برسالة الرئيس أوباما الأسبوع الماضي التي وجهها إلى الشعب الإيراني بمناسبة حلول رأس السنة الفارسية الجديدة، أو عيد نوروز، إذ حث أوباما المواطنين الإيرانيين على الضغط على قادتهم لأجل قبول الاتفاق النووي، متعهدا بأنه سوف يحاول إنهاء حالة العزلة الدولية التي تعاني منها إيران. قال أوباما: «إن الأمر الآن بأيدينا جميعا، الإيرانيين والأميركيين، حتى ننتهز تلك الفرصة ونستغل الإمكانيات التي يمكن أن تزدهر في ذلك الموسم الجديد»، واختتم حديثه بقوله: «إن رسالتي إليكم، يا شعب إيران، هي أنه يلزمنا أن نتحدث معا عن المستقبل الذي ننشده».

يبدو الأمر كما لو كنا في بلدان مثل فرنسا أو البرازيل. هناك، يتعين على القادة الاهتمام البالغ بالرأي العام الداخلي نظرا لأنهم يخوضون، وفقا له، الانتخابات. أما في إيران، فما من أحد غير خامنئي يملك حق القرار في قبول أو رد عرض أوباما. فلا شأن للشعب الإيراني بالقضية من قريب أو بعيد.

يدرك أوباما ذلك جيدا، فلقد راسل خامنئي بصورة مباشرة يحادثه حول إصلاح العلاقات الثنائية الأميركية الإيرانية، كما أنه يدرك تماما كيف سحق خامنئي في الماضي كل أولئك الذين حاولوا فتح المجتمع الإيراني على الخارج.

اعترف أوباما، في واقع الأمر، بتلك الحقائق القاسية ضمن خطابه بمناسبة عيد نوروز لعام 2011، حيث قال: «الآلاف من سجناء الرأي غائبون في السجون، وفُقد كثير من الأبرياء، وألجمت ألسنة الصحافيين، وعُذبت النساء، وأرسل الأطفال إلى أعمدة المشانق».

في 2013 انتخب الإيرانيون حسن روحاني، الذي قاد حملة من أجل الإصلاح وتعهد بإطلاق سراح سجناء السياسة. ورغم ذلك يبقى قادة الحركة الخضراء الإصلاحية رهن الإقامة الجبرية في منازلهم. وبعد كل شيء، ساعد روحاني في تنظيم الحملات ضد الاحتجاجات الطلابية في عام 1999، وكان أحد المرشحين القلائل الذين اختارهم مجلس رجال الدين غير المنتخب.

سألت السيد أحمد باطبي حول فحوى رسالة أوباما، وهو منشق إيراني ذاع صيته في عام 1999 إثر ظهوره على غلاف مجلة «الإيكونوميست» يلوح بقميص ملطخ بالدماء خلال أحد الاحتجاجات التي شهدتها جامعة طهران، فقال: «عليك أن تنظر إلى هيكل الحكومة الإيرانية، فلا كلمة للشعب الإيراني مطلقا في القرارات النووية».

ألقي القبض على باطبي وحكم عليه بالإعدام بعد موضوعه مع مجلة «الايكونوميست»، ثم خُفف الحكم إلى 15 عاما بالسجن إثر انتقادات دولية واسعة. وفي عام 2008 هرب من إيران عبر العراق ومنحته الولايات المتحدة حق اللجوء السياسي.

يعتقد باطبي، خلافا لمزاعم أوباما من أن الاتفاق النووي سيمهد الطريق لإيران أكثر حرية، أن ذلك الاتفاق سوف يرسخ أقدام الديكتاتورية الإيرانية في البلاد لأجل غير مسمى، إذ قارن الاتفاق الحالي المزمع عقده مع ذلك المبرم في عام 2003 بين الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش والعقيد الليبي الراحل معمر القذافي.

قال باطبي: «تناسى أوباما حقوق الإنسان في خضم المناقشات النووية، إنه يسعى لإبرام الاتفاق ولا يعنيه ما إذا كان ذلك الاتفاق في صالح أو ضد مصالح الشعب الإيراني، أرى أنه يسعى لوضع مماثل لوضع ليبيا، حينما عقدوا معها الاتفاق ولم تلقِ الولايات المتحدة بعدها بالا لانتهاكات حقوق الإنسان هناك. أعتقد أننا سوف نعاني موقفا مماثلا في إيران».

من زاوية الحد من التسلح، فإن الموافقة الإيرانية التي تتشكل في الوقت الراهن هي في واقع الأمر أوهن بكثير من الموقف الذي اتخذه القذافي من قبل. كان حتميا على ليبيا تفكيك كامل ترسانتها النووية، وإصلاح دستور البلاد، وتمكين المؤسسة الرئاسية المنتخبة، أو حل الأجهزة الأمنية التي تتعامل مع عناصر المعارضة الداخلية من واقع أنهم خونة. يقر البيت الأبيض بأنه لن يطلب من إيران مجرد وقف دعمها للإرهاب.

من تلك الزاوية، فإن المثال الليبي مثال بنّاء ومفعم بالإيجابية، في حين أنه كان من الأمور الجيدة نزع المواد النووية من قبضة القذافي، فإن ممارسة الضغوط عليه لإصلاح الهيكل الديكتاتوري في بلاده عاد بنتائج سيئة لكلا الجانبين. فاستمرار القمع أدى إلى انتفاضة عام 2011 ومن ثم وفاة القذافي المروعة. وفي أعقاب تلك الأحداث لم تشهد ليبيا معارضة مستعدة أو مؤهلة لتولي الحكم، وانتهى الأمر بسقوط البلاد في هوة الحرب الأهلية.

إذا ما انتهى الأمر بإيران لسلوك مسار القذافي، فلديّ شك عميق في أن القادة الجدد سوف يعتبرون صفقة أوباما كنوع من أنواع التغيير الإيجابي الذي يتعهد به. وفي الواقع، سوف يصيبهم استياء شديد من جرأة الرئيس الأميركي ادعاء أهمية ما يفكر فيه الشعب الإيراني حيال الصفقة التي يرغب أوباما بشدة من طاغيتهم قبولها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات