معركة.. حتى آخر سوري

معركة.. حتى آخر سوري
كان باستطاعة بشار الأسد أن يقوم بثورة بيضاء تؤدي إلى إجراء إصلاحات جوهرية في بنية نظامه السياسي المستبد, تقود البلاد إلى انتقال سلمي للسلطة, يجنب العباد هذا الفناء الكلي الذي نعيش إرهاصاته اليوم؛ ويدخل بذلك التاريخ من أوسع أبوابه. غير أنه أبى وتجبّر، وأصرّ على دخول مزبلة التاريخ من أوسخ أبوابها؛ التي ربما لن تتقبله لكثرة ما علق به من دم وقيح وأدران ودمامل.. كان قادراً على إنهاء الأزمة لصالح جميع السوريين لو أنه بالفعل كان رئيس دولة؛ لكن بشار بأحسن حالاته لا يعد سوى عضو أحمق في مافيا مركبة تركيباً طائفياً مالياً معقداً، وقد تحددت وظيفته سابقاً بتلميع صورة هذه المافيا أمام الدول الغربية، باعتباره درس وعاش هو وزوجته هناك؛ أما اليوم فمهمته تقتصر على إدارة بعض ملفاتها الهامشية عبر إجراء بعض المقابلات الصحفية المملة بين الحين والحين، وإلقاء الخطابات الجوفاء التي لا تهم سوى حبيباته وبعض مؤيديه الحمقى، واستقبال الزوار الروس والإيرانيين واللبنانيين والأرمن بضحكاته الخرقاء، وتسليتهم بحضوره الثقيل وأحاديثه السمجة عن خرافة الإصلاحات التي قام بها، والحوار الذي طرح بنوده كي يبقيه حاكماً لشعب يقتله ليل نهار ويكره وجوده حتى النخاع؛ ومقاتلته الشرسة للإرهابيين والتكفيريين، وإصراره على الصمود حتى النهاية في وجه المؤامرة الكونية الشرسة التي تحاك ضد نظامه الوطني وتستهدف نهجه المقاوم الممانع الذي اتبعه مع بعض جيرانه الممانعين والمقاومين مثله!

بعضهم يؤكد أن بشار هو الرئيس الفعلي لهذه المافيا والرقم الصعب الذي تقف كل الأرقام الأخرى على يساره؛ لكن الحقيقة تقول غير ذلك؛ فالخط الساخن مع العدو الإسرائيلي والقوات الدولية المرابطة في المنطقة الفاصلة من الجولان ليس بيده، بل في يد ابن خاله رامي مخلوف؛ الذي سارع في بداية الأحداث إلى التصريح بما معناه أن «أمن سورية هو من أمن إسرائيل»؛ وأنهم يحتفظون بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين إذا تعرضوا للقصف من قبل طائرات الكيان المجرم مثله. لكنه لم يقم بأية ردة فعل تجاه الطائرات الإسرائيلية التي ضربت مواقعهم العسكرية أكثر من مرة، واكتفى – مع ربعه – بترديد تلك الأسطوانة المشروخة عن حق الرد!

هذه الإشارة – في البداية – كانت كافية لإطلاق فيتو إسرائيلي أمريكي غير معلن يمنع تنحية قريبه المدلل، استناداً إلى مبدأ «شيطان معروف خير من ملاك مجهول»؛ ويوقف بذلك كل مبادرة حثيثة تعمل على تسليح الجيش الحر تسليحاً دولياً نوعياً, وليس تسليحاً هزيلاً عبر تهريب الكم القليل من الأسلحة والذخائر البسيطة، أو من الغنائم التي يحصل عليها باقتحام القطع والوحدات العسكرية.. كذلك يشرف آل مخلوف الذين ينافسون أبناء أسرة الأسد، لاسيما هلال الذي قُتل مؤخراً، على إدارة أمور قطعان الشبيحة وتمويلها تحت مسميات مختلفة – جيش الدفاع الوطني، لجان شعبية، كتائب البعث، طلائع المقاومة... التي لا تعرف شيئاً سوى القتل والسحل والتعذيب، وتقوم بأبشع أنواع الجرائم والفظائع بحق الشعب السوري الثائر!

يبدو أن أمريكا لا تستعجل رحيل مافيا الأسد - مخلوف، ولا تعمل شيئاً ملموساً من أجل إسقاطها رغم كل التصريحات الرنانة لأوباما وإدارته؛ ما دفع الناشطين السوريين إلى تسمية جمعة مظاهراتهم في 19 تشرين الأول 2012 بـ «جمعة أمريكا ألم يشبع حقدك من دمائنا؟»؛ وانتقادات وسائل إعلامية عديدة لفريق الرئاسة الأمريكي الذي غالباً ما يلتزم الصمت حيال جرائم الأسد الفاحشة. وبذلك تكون هذه المافيا متأكدة من أن ردة فعل المجتمع الدولي تجاه ما يحدث في سورية من مجازر ستقتصر على الإدانات والخطابات والدعوة إلى مؤتمرات السلام التي لا تنتهي؛ خاصة مع عدم وجود رغبة لدى أحد في القيام بعمل عسكري يزيل تلك المافيا من الوجود؛ إضافة إلى الضمانات المقدمة من قبل روسيا لمنع أي تدخل عسكري خارجي، والدعم الطائفي اللامحدود من قبل محور إيران – عراق – لبنان...

إن تأمين الجبهة الخارجية دفع المافيا الأسدية إلى القتال بشراسة ووحشية في الداخل السوري؛ فإما الصمود والبقاء في الحكم والسيطرة إلى أجل غير مسمى على مقدرات البلد وثرواته وسكانه، أو تدميره تدميراً كلياً في حال فشلها بقمع الثورة المسلحة، حيث يكون الانتحار انتحاراً جماعياً!

تملك هذه المافيا قوى أمنية وعسكرية وتشبيحية هائلة، وتكدس كميات ضخمة من السلاح والذخائر، كانت قد جمعتها بحجة تحرير الأراضي المحتلة والصمود في وجه أعداء الأمة الخارجيين من إرهابيين وصهاينة وإمبرياليين.. لكن بعد انطلاق الثورة في درعا اتضح أن كل ما خزنته كان من أجل ملاحقة السوريين الثائرين وإبادتهم على طريقة ما فعله الروس في شيشانيا؛ لأنهم أعلنوا العصيان والثورة ضد محتليهم المحليين!

مافيا لا تحكم العقل أبداً، بل تنتشي بعظمتها وقوتها وعنفها، وتنتهج القتل والتدمير وسيلة وحيدة في عملها؛ وتنظر إلى من يخالف أمرها ورأيها وينتقدها في الداخل والخارج على أنهم أعداء متآمرون؛ لذلك يجب سجنهم أو تصفيتهم أو التخلص منهم بأسرع ما يمكن, مع إخفاء كل الشهود وجميع الأدلة في الحال – كما حدث ويحدث في لبنان منذ خروج الجيش السوري من هناك عام 2005.

استطاعت هذه المافيا خلال تحكمها ببلد، يعتبر عقدة العالم ومفتاحه لعقود طويلة من الزمن، أن تمد أذرعها إلى الخارج، ويكون لها فروع وشبكات ولوبيات في عدد من دول الجوار، رافعة شعارات مجازية كثيرة من أجل إرضاء الرعاع الإيديولوجيين من بعثيين وقوميين وشيوعيين وأقلياويين وارتزاقيين، مثل: وحدة حرية اشتراكية، أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، الصمود والتصدي للمخططات الإمبريالية والصهيونية، المقاومة والممانعة، مواجهة إسرائيل، إفشال مشروع الشرق الأوسط الكبير، مكافحة التطرف والإرهاب والأصولية..

لقد خدعت الكثير من الدول والأحزاب والتنظيمات والجبهات والأشخاص، مورطة إياهم في حربها القذرة ضد الشعب السوري، بحيث تحولوا هؤلاء – بشكل مباشر أو غير مباشر – إلى أدوات وأوراق رخيصة بأيديها، تستطيع استخدامها متى شاءت – كما فعلت مع فيلق القدس، وحزب الله، وحركة أمل، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، والحزب السوري القومي الاجتماعي، والحوثيون، وعصائب الحق، ولواء أبو فضل العباس، وفصائل حزب العمال الكردستاني، وجيش تحرير أرمينيا..

الجميع يذكر الهجوم الإعلامي الرسمي السوري العنيف على خالد مشعل بعدما نطق بكلمة حق؛ رغم صمته طوال أشهر عديدة.. هذا يعني أن أي سوري أو عربي أو أجنبي يناضل ضد إسرائيل يجب – في البداية – أن يأخذ صك غفران أو براءة مقاومة من آل الأسد - مخلوف حتى يصبح مناضلاً حقيقياً معترفاً به على المستوى العالمي!

شاركت هذه المافيا في تعقيد الوضع الداخلي والإقليمي والدولي، لتخلق ظروفاً مناسبة ومريحة لعملها الإجرامي، مما جعلها ضرورية ومهمة للأعداء والأصدقاء معاً. فهي معروفة منذ زمن بعيد بأنها تعقد الصفقات مع الكل وتقدم خدمات مقابل خدمات أخرى أو مقابل أجر معين؛ وأنها تعرض أشياء كثيرة مغرية يسيل لها اللعاب من أجل البقاء والاستمرار في سدة الحكم والسيطرة على البلد أطول فترة ممكنة؛ لذلك نجد اليوم هذا الصمت العربي المريب، وهذا التواطؤ الدولي المخزي أمام سياسة الإبادة الجماعية والأرض المحروقة التي تتبعها ميليشياتها وقطعانها البهيمية بشكل ممنهج، مما يثير الخوف والهواجس والكوابيس من المستقبل القريب لكل من يمت بصلة إلى هذا الوطن الجريح.. إنها تدمر سورية تدميراً كاملاً وتعيدها إلى العصر الحجري؛ ولا يصب هذا إلاَّ في مصلحة إسرائيل وإيران وبعض الجهات الإقليمية الأخرى؛ لأنه يضعفها وينهيها كدولة. وهذا ما تسعى إليه جاهدة في حال تأكدت من قرب نهاية مسلسل إجرامها الطويل، حيث مبدأ شمشون حاضر في أذهان أصحابها؛ ويتوهج في كل برميل متفجرات ينزل على مبنى أو حي، ليمسحه من سطح الأرض.. لا يهم أين تسقط هذه الهدية الشيطانية، إن كان ذلك فوق مناطق سكانية أو أثرية أو مدارس أو مستشفيات أو أفران.. المهم هو قتل أكبر عدد ممكن من الناس، وإحداث رعب نفسي يقيم في دواخلهم إلى الأبد!

ل

ا أحد يردع أفراد عصابة الأسد – مخلوف على القيام بهذا العدد الهائل من المجازر؛ فمجزرة تجر مجزرة، وجريمة تلحق جريمة، متجاوزين كل الحدود والخطوط الحمر، حتى تم نسيان مجازر هولاكو وتيمورلنك وهتلر وستالين وبوتين وماوتسي تونغ وبول بوت وبيغن وشارون، وجميع الطغاة الأشرار الآخرين بظهور ممثليهم المعدلين تعديلاً إجرامياً وراثياً في بلدنا!

كبل هذا المنطق المافيوي البغيض الجميع، وأوصلنا إلى ما وصلنا إليه من مآس وكوارث.. لا يوجد حل قريب للأزمة السورية؛ ومعركة الشرف التي يقودها الثوار وشرفاء الجيش الحر والكتائب الإسلامية المعتدلة مستمرة حتى آخر سوري؛ حتى آخر حجر في موطن أعظم الحضارات!

التعليقات (1)

    كوريدور لشاطئ الفرات

    ·منذ 10 سنوات 3 أسابيع
    كوريدور عريض غير مأهول بالسكان العرب يُرضي اليمين الإسرائيلي والغرب المتنازع عليه بين المتديينين والليبراليين في اللوبيات منطقة غير مأهولة سهلة القضم ثم المضغ فالإبتلاع ثمن هذا الكوريدور تكفّل اليمين بإجبار الدول على الإعتراف له بما تبقى فحسبما يقدر عليه من إحتفاظ اسرته في مهلة زمنية حددها هو بانتهاء العام 2014 ـ كأنه يأخذ إذناً من أسياده الأجانب الذين لم يعلقوا ـ كصدام الذي اعتبر السكوت قبول وبذريعة من الذرائع يقوم اليمين باحتلاله فيصل للشاطئ الغربي للفرات وتتحقق النبوءة ويتنزّل المَساياح آمين
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات