وتضيف الأكاديمية بدراستها عن الثورة السورية والتي أعدها "كولن كولي" بأن الجفاف الذي ضرب المنطقة منذ عام 2006 وسوء إدارة النظام السوري لأزمة الجفاف أدى لإنهيار المنظومة الزراعية وخاصة في مناطق شمال شرق سوريا بما يُعرف بمنطقة الجزيرة السورية.
بداية لا ينكر أي متابع للإقتصاد السوري الآثار الإقتصادية التي نتجت عن موجة الجفاف التي بدأت في عام 2006 والتي أدت إلى تراجع الإنتاج الزراعي، والتي دفعت حكومة النظام السوري بتشكيل وفد حكومي في تلك الفترة واتجه فوراً إلى المناطق الشمالية الشرقية لسوريا لتهدئة المزارعين الذين واجهوا الوفد بكثير من الإحتجاجات لاسيما من قبل رؤساء العشائر في الحسكة، وعندها تفتقت ذهنية الحكومة والنظام بإعداد سلل غذائية وتم توزيعها على القاطنين في تلك المناطق.
وربما لو انفجرت الثورة منذ بداية موسم الجفاف و في المناطق الأكثر تضرراً بالجفاف لكان المتابع للشأن السوري قد أيد الدراسة الأمريكية التي تقول بأن الجفاف هو سبب الثورة السورية.
وأرى أنه من المستحسن تنشيط ذاكرة السيد كولن كيلي مًعد الدراسة وأكاديميته الأمريكية التي اعتمدتها ببعض المعلومات عن المدن التي تعتبر مهد الثورة السورية.
فإذا اعتبرنا بأن شرارة الثورة قد حدثت بتاريخ 15/3/2011 فإن هذه الشرارة إنطلقت من دمشق التي يعمل أهلها بالتجارة والصناعة ومختلف الحرف أي لا علاقة لهم بالزراعة، وحتى من قام بتلك الشرارة لم يكن من النازحين إلى دمشق بسبب الجفاف. وأما عن المهد الحقيقي للثورة الثورية في 18/3/2011 فهي محافظة درعا،البالغ عدد سكانها عشية إنطلاق الثورة السورية حولي /1.1/ مليون نسمة بما نسبته /4.6/% من إجمالي عدد السكان في سوريا، وبحسب الإحصائيات في عام 2010 أي قبل إندلاع الثورة السورية العظيمة فإن درعا التي تبلغ مساحة الأراضي الزراعية فيها حوالي /165/ ألف هكتار فإن أكثر من 20 % من تلك الأراضي هي أراضي مروية، أي لا تعتمد على الهطول المطري لري محاصيلها، وفي درعا هناك /13065/ هكتار يروى بالآبار، و/20992/ هكتار يروى من المشاريع الحكومية.
أما بالنسبة للمحاصيل الزراعية فإن تقريباً نصف إنتاج سوريا من البندورة يأتي من درعا، وتطرح أرضها الطيبة حوالي /8.1/ طن بندورة للدونم الواحد.
أما بالنسبة لمحصول البطاطا فدرعا تأتي بالمرتبة الأولى من حيث إنتاجية الدونم فقد وصل إنتاج الدونم الواحد من محصول البطاطا /2.8/ طن. وكذلك بمحصول الفليفلة حيث وصل إنتاج الدونم الواحد منها إلى /2/ طن .
هذه المحاصيل المذكورة هي محاصيل صيفية أي أنها لا تعتمد على الأمطار في زراعتها بل هي تزرع مروية من مختلف مصادر الري.
أما في مجال الأشجار المثمرة فقد قطعت محافظة درعا أشواطاُ كبيرة في مجال التشجير المثمر بفضل جهود أهاليها ومن المتوقع في غضون الخمس سنوات القادمة أن تحتل درعا مركزاً متقدما في إنتاج الزيتون.
هذا من الجانب الزراعي وبشكل مختصر جداً حيث أن محافظة درعا تعتبر من المحافظات الزراعية الغنية. أما من الجانب الإقتصادي فإن محافظة درعا تشتهر بعدد مغربيها في الخارج والذين نجحوا نجاحاً باهراً في بلدان إغترابهم، وهم الذين يضخون ملايين الليرات السورية في مدنهم وبلداتهم وقراهم ومن زار بلدات الجيزة والكرك وغيرها قد يتفاجئ بتلك القصور الفخمة التي بناها المغتربون في مدنهم وبلداتهم ومدى البذخ الظاهر على تلك القصور وطبعاً هذا يعكس حالة إقتصادية تتمثل برخاء مادي كبير بفضل تحويلات هؤلاء المغتربين، ولعله من المفيد تذكير كاتب الدراسة بأن وجهاء محافظة درعا عند مقابلتهم لرأس النظام بشار الأسد بعد فترة قليلة من إندلاع الثورة استهزؤوا من الغباء في عقلية الأمن والإعلام وذلك تعليقاً على تصوير جامع العمري بعد إقتحامه وتوزيع بعض النقود على أنها نقود تم قبضها من الخارج لزوم المؤامرة التي تتعرض لها سوريا، عندها قال وجهاء هذه المحافظة الكريمة بأن المبلغ الذي تم تصويره لا يمثل سوى "فكة" بالنسبة لأهالي درعا ولا سيما أهالي المغتربين فيها وأن أقل مبلغ توزعه والدة أحد المغتربين كمساعدة وزكاة يعادل أضعاف المبلغ الذي تم تصويره.
هذا عن محافظة درعا أما عن باقي المحافظات التي انتفضت نصرةً لدرعا فهي بانياس وإدلب والرستن وريف دمشق، وكافة هذه المناطق هي مناطق تعتمد في زراعتها على الري وليس على الأمطار، فمدن بانياس إدلب والرستن تقع في منطقة الإستقرار الأولى أي أنهم أغنياء بالمصادر المائية ولذلك فإن زراعة هذه المدن لم تتأثر كثيراً بموجة الجفاف التي ضربت سوريا في عام 2006، وأما غوطة دمشق فهي غنية عن التعريف بالنسبة للزراعة فهي الشريان الزراعي الخير الذي يمد دمشق بكافة أنواع الزراعات.
وقد ظن النظام السوري بأن الأوضاع الإقتصادية المتردية هي من فجرت الثورة السورية فسارع في بداية الثورة بإصدار مرسوم زيادة الرواتب بسخاء وفي اليوم الثاني رد شباب الثورة على المستشارة الإعلامية لرأس النظام كونها هي من قرأت مرسوم الزيادة "يا بثينة ويا شعبان الشعب السوري مانوا جوعان" هذه العبارة كفيلة بنقض الدراسة الأمريكية المذكورة حيث تؤكد مقولة شباب الثورة بأن الكرامة والحرية والديمقراطية هي المطلب وليس الجوع أو العوز الإقتصادي هو من فجر الثورة.
وفي حال كان معدي الدراسة مصرين على أن الجفاف قد أثر في الثورة السورية فأقول نعم لقد أثر الجفاف في ثورتنا العظيمة ولكن أثر من ناحية أخرى على النقيض تماماً لما جاءت به الدراسة، فالجفاف وفقر الحال الناتج عنه أديا إلى تأخر المناطق التي ضربها الجفاف في المشاركة بالثورة فريف حلب الشرقي وشمال شرق سوريا (باستثناء دير الزور) لم تلتحق فوراً في ركب الثورة على الرغم من أن أهالي تلك المناطق أهل كرامة وعزة ونخوة ولكن ربما الضيق الإقتصادي الذي سببه الجفاف قد أخرهم عن واجبهم تجاه أخوانهم من المدن السورية.
وفي النهاية لابد أن يتساءل المرء هل عدوى شراء الشهادات العلمية بعلبة دخان مارلبورو أو بزجاجة خمر من النوع الرديء والتي كانت مشهورة بها جامعات روسيا هل انتقلت هذه العدوى للجامعات الأمريكية حتى تمنح هذا البروفسور كيلي درجة الدكتوراه وهو لا يعرف أن يميز بين ثورة جياع قد يشعلها يوماً من الأيام مشردي بلده عن ثورة الكرامة التي انتفض بها الشعب السوري لنيل حريته وكرامته .
التعليقات (9)