الطائفية السياسية في سورية!

الطائفية السياسية في سورية!
حالة الانغلاق السياسي والتدهور العام في المشهد السوري اليوم، أسئلة تلقي ظلالاً كثيفة على صورة الحاضر الكلية، وتحتاج لديناميكية وشروط منتجة، متجاوزةً السطح السياسي، وحالة الانغلاق هذه، التي لا يتشارك بها النظام لوحده، وإنما كل الفاعلين العسكريين والسياسيين، ولكن يبقى النظام صاحب الحصة الأكبر في هذا المضمار، لتشبثه العنفي بالسلطة، وكونه المنتج الأساسي لكل موجات النكوص الوطني المتتالي.

النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي السوري، الذي لم يكن يعرف كجيرانه في لبنان والعراق"الطائفية السياسية"، تشكل هذه الظاهرة اليوم، إحدى سياقات ما يمكن تسميته والتعبير عنه شكلاً ومضموناً بمرحلة"ما بعد الثورة السورية"، وتتجسد الطائفية السياسية السورية ببروز شكلها المذهبي، وذلك في سياق رفض أي تغييرات تهدد المصالح الإستراتيجية للنظام، أو تهدد مصالح الطائفة التي يمثلها ويسعى للمحافظة على مكتسباتها المادية والمعنوية، وبقائها مستفردةً بالسلطة بلا أي تعددية حتى لو كانت شكلية غير منتجة لمفاعيل سياسية عميقة.

تهشيم وهشاشة البنية المدنية في المجتمع السوري، والتي أدت إلى انفجارات عنيفة، تشكل إحدى أهم الدلالات على تعميم الطائفية السياسية، وهذه الانفجارات لوحدها كفيلة بالقضاء على النظام المنتفض ضده، وهي التي بدورها سوف تدفع المجتمع للبحث عن حلول آمنة متوافرة بالمورث القبلي من قبيل الطائفة والعشيرة، المتوافرة بدورها على نسبية من الأمن في ظل عالم مرعب لا تحكمه مؤسسات ولا عقلية مدنية، وهذه الثورة الشعبية التي اقتلعت هذا النظام لجموده، اقتلعت معه كافة التيارات السياسية من قومية وماركسية وفي بعض الأحيان حتى الدينية منها، لنفس النهج من الجمود السياسي، نتيجةً لغياب الفاعلية السياسية، وعدم القدرة على التماشي مع التطورات المتسارعة والإيجابية للراهن السياسي.

وإن كان خصوم الثورة في سوريا، ينتقدون تجربتها وحلمها بالتغيير، ويعتبرونها أنها أفضت إلى عدم الاستقرار والمشاكسة غير السياسية في كثير من الأحيان، ولم تفلح في إنتاج خطاب سياسي يحدث قطيعة مع الموروث القديم، ما يجعل الحديث عن الحلم والتحولات الكبرى والطموح السياسي، مغيباً، لصالح الحديث عن أولويات الخبز والأمن والاستقرار، وكأن سورية

لم تتغير بعد الثورة، وكأننا ما زلنا نعيش على مشارف الخمسينات من القرن المنصرم. متناسين أن هذه التركة التي تضعنا على مشارف الخمسينيات من القرن المنصرم، هي تركة موروثة من سنوات الاستبداد المذهبي والشمولي، وإن كانت الثورة في سوريا مطالبة بإنتاج خطاب سياسي بديل عن خطاب جامد، فهذا الجمود الثورة ليست مسئولة عنه بحال من الأحوال.

والسؤال الأبرز سورياً اليوم، والذي لم يعد حكراً على النخب الثقافية والسياسية السورية: هل هناك قابلية للتجربة الديمقراطية في سوريا؟ والذي بدوره يثير قابلية الديمقراطية عربياً؟!!

لا يمكن إنكار حالة الوجدان السني اليوم لدى غالبية أبناء الطائفة السنية في سوريا، والذي بدوره كان بموقع رد الفعل على أداة الاستقطاب واللعبة السياسية التي استخدمها الحكم العلوي في سوريا، أما الطائفة السنية، فهي أكثر الطوائف السورية رفضاً للاستقطاب المذهبي، لأنها البنية الاجتماعية التي يقع على عاتقها عملية التحولات الكبرى، وإن كانت حالة الاشتباك السلبي والمدمرة بين السنة والعلويين والتي ظاهرها صراع ديني، وعمقها مصالح سياسية متضاربة، والذي جعل فيها العلويين من الدين ووظيفته الاجتماعية والسياسية، أداة وتسويغ لقتل أبناء الطائفة السنية والتنكيل بهم، كما حاصل اليوم بوضوح، ولكن تبقى الطائفة السنية قادرة على تجاوز المظلوميات المتتالية.

ولئن كانت الكثير من النخب الليبرالية واليسارية والماركسية والقومية العربية، تنتقد هذه الهبة الجماهيرية، حسب توصيفها، في سوريا وتصفها بالعنفية والعشوائية، فإنه لا يمكن إنكار أن "عنفها" جاء مواجهةً لعنف أكبر، ولا يمكن إنكار عشوائيتها التي جاءت رداً على رفض التدرج بالتغييرات والتي أفضت إلى تحولات هادئة، وما هذه الهبات العشوائية سوى تعبير عن رفض التاريخ والحضارة للركود الأبدي للسلطة المذهبية والشمولية في سوريا.

وإذا كان المستقبل السياسي في سوريا في ظل المذهبية السياسية، مندفع نحو مستقبل مجهول الملامح عصي على التحديد، فإن التعويل يبقى على التجارب الأوربية التي لنا فيها، نحن مناصري ثورات الربيع العربي، أمثلة خصبة ومشابهة خاصةً في إسبانيا التي عاشت حرب أهلية، وهولندا التي عانت أزمة مذهبية، وبالنهاية أفضت هذه الهبات العشوائية كما يسميها خصومها، إلى علمانية تقوم على أسس العدل والديمقراطية والمواطنة، وضمنت الفصل التام بين الدين والعملية الإجرائية، فصل يضمن للدين بعده الروحي وممارسته بعيداً عن السياسة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات