يعتبر ساحل بلاد الشام والجبال الملاصقة له، المسكن الرئيسي للعلويين منذ أنشأ (محمد بن نصير) فرقتهم بعد وفاة الإمام العسكري أخر أئمة آل البيت قبل أكثر من ألف عام.
شهدت تلك المنطقة عدة موجات من الاحتلال والفتح اختلف فيها تعامل الغزاة والفاتحين عبر الحروب الكبرى التي مرت بالمنطقة مع العلويين، فمن صلاح الدين الذي قاتلهم إلى الصليبين الذين تحالفوا معهم، مرورا بالتتار الذين تعاونوا معهم أيضا وصولاً إلى الدولة العثمانية التي ادبتهم غير مرة، والفرنسيين الذين اطلقوا عليهم اسمهم الحالي (العلوية) واعتبروهم حصان طروادة أو الجسر الذي سيعبرون عليه للسيطرة على هذه البقعة من العالم وتعتبر فترة حافظ الأسد ووريثه هي الفترة الذهبية في تاريخهم كله، فهم لم يحكموا في تاريخهم ما حكموه في عهدهما وأخيراً الفرس الشيعة الذين وجدوا فيهم ما وجده الفرنسيون .
تهديد وجودي!
خلال الألف سنة من تاريخهم لم يواجه (النصيرية أو العلويون) أي تهديد جدي لوجودهم في جبال الساحل السوري كما يواجهون الآن، وتعتبر الحرب التي يخوضها النظام حالياً تهديداً وجودياً بحق ليس للنظام وحده بل للطائفة في سوريا ككل.
فقد سيطر العلويون على الجيش ستينيات القرن الماضي وشغلوا كافة المناصب فيه، لكن خلال حروبه احتاج حافظ الاسد لكتلة بشرية لخوض هذه المعارك؛ فلم يوقف العمل بنظام التجنيد الاجباري الذي يشمل كافة الطوائف، ولم يحول الجيش إلى جيش خالص من العلويين لعدة أسباب منها حاجته لهم في أماكن أخرى للسيطرة على بقية مؤسسات الدولة، إضافة إلى حاجته إلى جنود يزج بهم في المعارك التي سيخوضها للسيطرة على الحكم أو المقايضة على المكاسب، فهو بحاجة لوقود من المجندين والضباط في الرتب الصغيرة للقتال في الخطوط الأولى وأكبر مثال هو حربا تشرين ولبنان والتي كان وقودها المجندون من السنة والتي لا يكاد يذكر قتلى للعلويين فيها.
ولم يهتم النظام بخسائره خلال الأشهر الأولى من الحرب الحالية لأنها فعلياً كانت من المجندين السنة، ولم يكن هناك أي خسائر حقيقية للطائفة خلال الأشهر الأولى للقتال لكن حركة الانشقاقات تسببت في تناقص عدد المجندين من غير العلويين ما تسبب بالتالي إلى رفع خسائر الطائفة تدريجياً.
ولو كان الجيش خالصاً من العلويين في هذه الحرب وتعرض لنفس الخسائر التي تعرض لها جيش النظام والتي وصلت قبل أكثر من عام باعتراف أحد منظري النظام إلى 100 ألف قتيل لكانت تلك كارثة حقيقية على الطائفة وضربة قاصمة لا يمكن تلافيها خلال عقود من الزمان فتعداد الطائفة لا يتجاوز المليونين في سوريا حسب أكثر التقديرات .
مشهد جديد في تاريخ الطائفة!
ما حدث في درعا في أذار 2011 لم يكن سوى البداية لمشهد جديد ونقطة تحول حاد في تاريخ الطائفة، فمجموعة من العوامل توحي أن العلويين وإن خرجوا من هذه الحرب منتصرين عسكرياً، فانهم سوف يكونون قد انهزموا من نواحي عديدة أهمها بشرياً فخسائرهم تتركز لحد الآن في الذكور من الفئة العمرية 18 إلى 50 عاماً و هي تعني مجموعة من المشاكل التي سيرثها أي شكل من أشكال الدولة أو النظام الذي سيحكم الفضاء الجغرافي الذي سيتبقى لهم، وقد تكون تلك مشكلة ثانوية مقارنة بالمشكلة التي استجرها إليهم آل الأسد بتحالفه مع الإيرانيين.
فالإيرانيون الشيعة كما أسلفنا يحملون نظرة دونية للعلويين، وقد بدأوا مشروعاً لتغيير ديموغرافية المنطقة تمهيداً للسيطرة عليها، حيث يعتبر العلويون أحد العناصر التي يجب تحييدها واقصاؤها في مراحل لاحقة، على الرغم من التحالف المؤقت حالياً، ولا يخفى على أحد أن هذا المشروع بدأ قبل الثورة بحملات التشييع التي استهدفت العلويين كما السنة .
فالطائفة خسرت لحد الآن كماً بشرياً يستحيل عليها استعادته خلال العقود الثلاثة القادمة، بناء على معدلات الزيادة السكانية الطبيعية، وقد تجد نفسها لاحقاً أمام كتلة بشرية شيعية إيرانية عراقية مستوردة تفقدها امتيازاتها السابقة، وتجعلها أقلية حتى في دولتها المزعومة... حيث أن العلويين (على عكس الشيعة) ليس لديهم حماس للدعوة لمذهبهم!
السيناريوهات المّرة!
أمام "الطائفة الكريمة" مجموعة من السيناريوهات قد يكون أفضلها هو...
- الاحتمال الأول:
انتصار الشعب في هذه الثورة والحرب ضد النظام، فهذه الحالة على الأقل سوف تسمح لهم بالانكفاء إلى مناطقهم الأصلية في جبال الساحل السوري، فهم وعلى الرغم من صعوبة تقبلهم مرة أخرى من باقي مكونات الشعب السوري إلا أنهم سوف لن يتعرضوا لاضطهاد حقيقي أو حملات تطهير عرقي، وقد يتمكن الجيل التالي من التبرؤ من أفعال الأسد وجيله.- الاحتمال الثاني: هو أن تستمر الحرب لفترة قد تمتد لعدة أعوام يستمر خلالها استنزاف الطائفة بشرية للحد الأقصى، وهذا بدأت ملامحه تظهر بدفع النظام لتطويع حتى الفتيات من الطائفة هذا الأمر قد يتحول لاحقاً إلى التجنيد الإجباري كحال إسرائيل أو غيرها وتنتهي الحرب بانتصار النظام وحلفائه والسيطرة على أجزاء واسعة من سوريا.
لكن سيصبح العلويون في تلك اللحظة في مواجهة حلفائهم من الإيرانيين الذين يسيطرون الآن على الحكم بعد أن جردوهم من كامل مصادر قوتهم واستنزفوهم بشرياً حتى الرمق الأخير واستجلبوا قوات من الميليشيات الشيعية كفيلة بتدمير أي مقاومة لمن سيتبقى منهم لاحقاً وسيتفرغون لتشييعهم وتفكيك ما تبقى من الطائفة بهدف السيطرة على المنطقة.
- الاحتمال الثالث:
هو الانكفاء والسيطرة على الساحل فقط وتكوين دولة علوية في الساحل، لكن سيكون حول هذه الدولة وعلاقتها بإيران الكثير من التساؤلات، فهي ستكون على الأرجح دولة تابعة لإيران وبالتأكيد ستعمل إيران على استجرار موارد تلك الدولة وتشييع سكانها تدريجياً لأنها لا تثق بالعلويين ولأنها ستكون مطرودة تماماً من البقية الباقية من سوريا، وسيتحول العلويون إلى أقلية مرة أخرى ولكن هذه المرة في وسط عدائي جداً لا يقبل بهم اطلاقاً ويسعى لتذويبهم ضمنه وحملات استقدام الإيرانيين للميلشيات الشيعية وتوطينها في دمشق وحمص وغيرها مثال واضح على مستقبل (الدولة العلوية) التي لن تكون علوية إلا لبرهة من الزمن وما حملات التشييع المحمومة في مناطق سيطرة النظام إلا إشارة واضحة إلى ذلك.خلاصة القول أن مشكلة العلويين لم تعد السنة والحرب التي خاضوها لقمع الثورة، بل مشكلتهم الحقيقية الآن هي إيران وحرب من نوع أخر سيكونون فيها منفردين ضد الفرس الشيعة حلفاء الأمس.
التعليقات (18)