كيف تجرّأ "وزير العمل" التابع للنظام على خرق دستور الأسد!

كيف تجرّأ "وزير العمل" التابع للنظام على خرق دستور الأسد!
صرّح (خلف العبد الله) وزير العمل التابع للنظام السوري، أن "الدولة السورية غير مسؤولة عن توظيف كل من يدخل إلى سوق العمل، وليست (أي الدولة) معنية بتأمين فرص العمل، بـل مهمة الدولة رسم السياسات، ورصد سوق العمل.

الشق الأول من تصريح وزير العمل المتضمن "عدم مسؤولية الدولة عن توظيف كل من يدخل إلى سوق العمل" كلام من حيث المبدأ صحيح لا غُبار عليه، وطبعاً القصد هنا التوظيف في مؤسسات الدولة، بل على العكس كانت المطالبة دائماً بتخفيض هذا العدد الكبير في دوائر ومؤسسات الدولة التي شكلت جهازاً بيروقراطياً تتحمل الدولة أعباء أجوره على أقل تقدير، فقد وصل عام 2010 عدد العاملين في الدولة إلى (1360021) موظف مشكلين نسبة 42.5/% من إجمالي العاملين في سورية، وهذه النسبة تعتبر كبيرة، وتدل على مدى تضخم الجهاز الإداري في دولة البعث، لا سيما وإذا علمنا بأن القطاع الإنتاجي في مؤسسات الدولة يعتبر صغير مقارنة بالقطاع الإداري.

أما الشق الثاني من تصريح وزير النظام السوري، والمتضمن بأن الدولة غير معنية بتأمين فرص العمل لمواطنيها، فهذا الكلام يعتبر كارثة دستورية تصدر من شخص من المفروض عليه بحكم وظيفته، أن يراعي أحكام الدستور الذي هو سبب وجوده في منصبه، وبغض النظر عن شرعية هذا الدستور من عدمها، كونه فُرض تحت حراب البنادق والمدافع الدبابات، إلّا أن هذا الوزير يحتل مكانه بموجب أحكام هذا الدستور الذي نصت الفقرة /1/ من المادة /40/ من دستور عام 2012 على ما يلي:

"العمل حق لكل مواطن وواجب عليه، وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين، ويتولى القانون تنظيم العمل وشروطه وحقوق العمال".

هذا النص الدستوري واضح بأن الدولة كفيلة بتأمين فرص العمل لمواطنيها، وهذا من أبسط واجبات الدولة تجاه مواطنيها.

وقد يتساءل السوريون: "متى اهتم النظام السوري بالدستور؟" فخرق الدستور لم يتوقف منذ استيلاء نظام الأسد على الحكم وحتى على الدساتير التي هم وضعوها، ولكن الخرق الدستوري هو من اختصاص رئاسة الجمهورية والأجهزة الأمنية، أما الوزراء وهم بحكم أنهم موظفون عند (آل الأسد) فهذا يعني عدم إدراك ومعرفة الوزير لنصوص الدستور الذي تعين بموجبه.

 الوظائف والتشغيل تحت رحمة أجهزة الأمن

هذا من ناحية الدستور، أما من ناحية وجوب تأمين العمل من قبل الدولة، فلم تكتفِ الدولة بعدم القيام بهذا الواجب الذي يفرضه الدستور فحسب، بل حولت العمل بحد ذاته سيفاً بأيدي الأجهزة الأمنية ليكون مسلطاً على من تبدو عليه مظاهر عدم الولاء لنظام الحكم، وفي هذا الصدد نعود لتصريح وزير العمل الذي قال إنه خلال الأزمة (كما سماها) "قام القطاع الخاص السوري بتسريح حوالي 140 ألف عامل باستخدام المادة 67 من القانون رقم 17 لعام 2010 الناظم للعمل في القطاع الخاص، دون أن يذكر الوزير الأسباب لذلك- ولو أن الأسباب باتت واضحة وهي أن طائرات النظام ومدافعه قد حولت معظم المنشآت التي كان يعمل بها هؤلاء العمال المُسرّحين إلى مجرد رُكام- ولكن تناسى الوزير قرارات الفصل لمئات العاملين في الدولة التي أصدرتها حكومات النظام المتعاقبة مستغلة المادة 137 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004. والتي نصت الفقرة(1) من المادة المذكورة على ما يلي:

"يجوز بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح لجنة مؤلفة من وزير العدل ووزير الشؤون الإجتماعية والعمل ورئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية صرف العامل من الخدمة، وتصفى حقوق العامل المصروف من الخدمة وفقاً للقوانين النافذة".

 خرق دستوري

ويلاحظ من المادة المذكورة أمران: الأول عدم نص المادة على إمكانية الاعتراض عن طريق القضاء بالنسبة للعامل المصروف من الخدمة، وهذا خرق دستوري جديد حيث أن الدستور قد نص على إحترام حق المقاضاة للمواطنين، والأمر الثاني هو إشراك رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية في لجنة فصل لبعض العاملين في الدولة، وهذا الأمر صحيح في حال كان الفصل لأسباب تتعلق بالنزاهة وسرقة المال العام، ولكن تم إستخدام هذه المادة لفصل عاملين في الدولة لأسباب لا تتعلق بالنزاهة، فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن قرار رئيس مجلس الوزراء المؤرخ في 14/6/2006 قضى بصرف سبعة عشر عامل في الدولة، وذلك إستناداً على تلك المادة، ولم يُشر قرار رئيس مجلس الوزراء عن أسباب فصل هؤلاء العاملين، ليتبين بأن كافة المفصولين بموجب هذا القرار قد وقعوا على بيان يطالب السلطات السورية بإطلاق سراح المعتقلين الذين تم إعتقالهم بسبب توقيعهم على إعلان دمشق، أي أن الأمر لا يتعلق بالنزاهة وسرقة المال العام فإذاً ما علاقة رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، ولكن هذا دليل أكيد بأن تلك اللجنة تم تشكيلها بشكل صوري فقط لتنفذ أوامر صادرة عن جهات أمنية.

حتى أن تلك المادة عندما تمت مناقشتها في مجلس الشعب أخذت الكثير من الجدل والاعتراض من بعض أعضاء مجلس الشعب، إلى أن حسم الجدل رئيس السلطة بشار الأسد عندما أعاد تلك المادة إلى مجلس الشعب بصيغتها المذكورة أعلاه، واعتبر حينئذٍ أعضاء مجلس الشعب هذا الأمر لفتة كريمة من رئيس الجمهورية ونال ما نال من تصفيق مجلس الشعب! مع العلم بأنه وقتها لم يكن بتأثير رجعي، أي أنها لم تعد للعمل آلاف العاملين بالدولة الذين فصلهم حافظ الأسد عن العمل بدواعي سياسية.

 اللعب بقوانين العمل بعد الثورة

أما عند إنطلاق الثورة السورية العظيمة فبدت الأمور تأخذ طابعاً أكثر وقاحة من جانب النظام السوري، ولم تعد الأمور تحتاج إلى الاختباء وراء المادة (137) المشار إليها، ففي تاريخ 02/07/2012 أصدر بشار الأسد القانون رقم (20) الذي نصت مادته الأولى التسريح من الخدمة لكل عامل أو موظف في الدولة مهما كان القانون الخاضع له، ويحرم من الأجر والراتب ومن كافة الحقوق التقاعدية من تثبت إدانته بحكم قضائي مكتسب درجة القطعية بالقيام بأي عمل إرهابي سواء كان فاعلاً أو محرضاً أو متدخلاً أو شريكاً أو إنضمامه إلى المجموعات الإرهابية أو تقديم أي عون مادي أو معنوي لهم بأي شكل من الأشكال.أما المادة الثانية من القانون فقد حرمت من المعاش التقاعدي لنفس السبب، والمادة الثالثة حرمت الخاضعين للقانون رقم (17) لعام 2010 (أي العاملين في القطاع الخاص) من حقوقهم التأمينية.

بالإضافة إلى أن الحقوق التأمينية والراتب التقاعدي هي ملك العامل ولا يجوز نزعها منه. بأي حال من الأحوال، فإنه من المعروف بأن محاكم الإرهاب (مثلها مثل بقية المحاكم في سوريا) تتبع مباشرة للأفرع الأمنية، وأن أي مواطن سوري يمكن أن يحاكم أمامها في حال الشبهة بأنه معارض لنظام الحُكم. ولذلك وبموجب هذا القانون التعسفي بدأ رئيس مجلس الوزراء بإصدار قرارات التسريح التعسفية لآلاف العاملين في الدولة بحجة الإرهاب. ومن الملاحظ في قرارات التسريح بأن أغلب العاملين المسرحين ينتمون لمناطق ثارت على النظام وخرجت عن سيطرته ولكن هذا لا يعني أن القاطنين في المناطق التي ما زال النظام مسيطراً عليها لم تطلهم قرارات التسريح التعسفي.

وفي معظم الحالات لم توافق الجهات الأمنية على إعادة العمال المسرحين تعسفياً إلى مراكز عملهم حتى ولو تم إطلاق سراحهم لعدم الإدانة، حتى مرسوم العفو الذي أصدره بشار الأسد لم يذكر السماح بإعادة العاملين المُسرحين تعسفياً بقرار أمني بتهمة تأييد الثورة لمراكز عملهم قبل الاعتقال.

وبذلك يضاف آلاف المواطنين السوريين لقائمة البطالة التي وصلت نسبتها في سوريا حسب تقرير لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية والإجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) لأكثر من 50 %.

ولابد في النهاية بأن أذكر السيد وزير العمل بأن قرارات التوظيف التي تصدر لمئات الشبيحة الذين يقتلون أهلنا أو أفراد أسرهم لن تبقَ سارية المفعول بعد إنتصار ثورتنا الحتمي وسيعاد النظر بها وذلك لإعادة أصحاب العمل الحقيقيين الذين سرقت وظائفهم وأعمالهم من نظام الطغيان، بحجة معاداتهم للنظام والثورة عليه.

*مهندس زراعي

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات