الكساسبة مقابل الأسد

الكساسبة مقابل الأسد
نجح (تنظيم الدولة الإسلامية)، أو ما يعرف بـ"داعش"، في تصدّر الواجهة الإعلامية لوكالات الأنباء العالمية، خلال الأسبوعين المنصرمين، وذلك من خلال بثّه للعديد من المقاطع المصوّرة، الصّادمة لأي متابع في شتى أنحاء العالم، سواء أكانت المقاطع التي استخدمها خلال عملية التفاوض على الرّهينتين اليابانيتين، اللتين قام بإعدامهما فيما بعد، أو بثّ عمليتي إعدام الرهينتين، غير أنّ الثابت في الموضوع أنّها خلال عملية التفاوض على الرّهينتين، لم تبث أي مقطع يوحي بأن الطيار الأردني معاذ الكساسبة، ما يزال على قيد الحياة.

اللافت في الموضوع أن آخر صورة ظهرت للكساسبة، قبل المقطع المصوّر المروّع الذي يظهر عملية حرقه، كانت في نهاية العام المنصرم، أي قبل ما يقارب الشهر من بثّ المقطع، حيث كان يرتدي فيها بدلة الإعدام البرتقالية، الأمر الذي أثار بعض التساؤلات حول توقيت بث المقطع، وما إذا كانت عملية الإعدام قد تمّت في ذات التوقيت، حيث قال الخبير القانوني لوكالة CNN للأنباء "توم فانيتس" حرفياً، وقبيل بث فيديو حرق معاذ الكساسبة حياً، بيوم واحد: "بالنسبة للطيار الأردني، فنحن لم نر أي صورة له منذ أسره ولم يظهر في الفيديوهات الأخيرة، وبالتالي فليس لدينا معلومات عنه أو عن صحته ولم نر دليلاً على أنه مازال على قيد الحياة". واعتبر أن تنظيم الدولة ، التجأ إلى إثارة قضية الكساسبة، بالتزامن مع قضية الرّهينتين اليابانيتين لاستقطاب وسائل الإعلام، واستغلالها للدّعاية للتنظيم..مجاناً.

إذن فما الذي يدفع التنظيم إلى بثّ فيديو الحرق، في ذات اليوم الذي كان فيه الملك عبد الله الثاني في زيارة رسمية لأمريكا؟ وبالتزامن مع الخطة التي قدّمها "جيمس بيكر"، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، القاضية بتفويض تركيا بالتدخّل البرّي في سوريا؟

يعتقد كثيرون أن عملية الحرق تمّت قبل فترة قد تصل إلى الشهر، ورأى البعض أنّها لإفقاد زيارة الملك الأردني لواشنطن أهمّيتها، غير أنّ هذا الرأي ردّ عليه نسبة كثيرة من الأردنيين، بالقول أنّ الملك عبد الله لم يكترث لمصير معاذ الكساسبة على الإطلاق، وإنما التفاوض كان من أجل إطلاق الرهينتين اليابانيتين، خاصة وأنّ رئيس الحكومة اليابانية كان قد زار عمّان قبل بث مقاطع إعدام مواطنيه، وتحدّث عن تكليف الحكومة الأردنية بهذا الملف، وما تبعه من تصريحات للحكومة الأردنية بهذا الخصوص، والتي أقحمت –خجلاً-اسم الطيار الذي كان محتجزاً قبل قرابة الشهرين، دون تحريك ساكن!

غير أنّ الأردن بات بحاجة لذريعة تنهي تعاطف الإسلاميين الأردنيين مع تنظيم الدولة الذي يحوطه من كلّ الاتجاهات، في لبنان، في سوريا ، وحديثاً في سيناء المصرية، وفي توقيت أثيرت فيه الكثير من الأسئلة عن دور أمريكا في السماح للتنظيم بالتمدّد، ودور الحليف الأمريكي ، تركيا، والتي اتّهمت مراراً بأنها هي من تعرقل جهود القضاء عليه، من خلال رفضها التدخّل، رغم أنّ المعارضة التركية منحت الرئيس التركي تفويضاً بهذا الخصوص، ولكنّه لم يتدخل، مشترطاً أن تكون ضربات التحالف موجّهة ضد نظام الأسد، أسوة بتنظيم الدولة، وبأنّه صرّح علانية بأنّه لن يسمح بقيام دولة كردية في سوريا، على غرار تلك الموجودة في العراق.

فيما يحتج بعض المحلّلين السياسيين على تصميم أوباما على عدم تسمية تنظيم الدولة بداعش، حتى أنّ المحلّلة السياسية سارة إليزابيث كاب، قالت: "المشكلة أن البيت الأبيض يحاول دائما تغيير الحقائق"، موضحة أنّه "لا يقتصر ذلك على عدم استخدام تعابير مثل التطرف الإسلامي، بل يصل إلى أمور تتعلق بالسياسة الخارجية، كالقول في البدء بأن داعش تنظيم من الهواة، ومن ثم القول بأن القاعدة تتراجع ثم الحديث عن عودتها في اليمن، والقول بأن هجوم بنغازي كان بسبب فيلم مسيء للإسلام." وهو اتّهام مباشر لأوباما بغضّ الطرف عن التنظيمات المتطرّفة دينياً، ولا يخفى على أحد الاستياء في صفوف الجمهوريين من سياسة أوباما في المنطقة من سحب القوات الأمريكية بالكامل من العراق في 2011، وإحجامه عن تمويل الجيش السوري الحر، كما وجه له الاتهام من قبل جون ماكين، أكثر من مرة.

البعض يرى أنّ الحكومة الأردنية، كانت على علمٍ مسبق بالحكم الذي جرى تنفيذه بحقّ الطيار الأردني، وبما أنّ المفاوضات لم تسفر عن تحرير أي من الرهائن، سواء أكان اليابانيين، أو الأردني، فلا أقلّ من اختيار تاريخ البث!

إنّ توقيت بثّ الفيديو، جاء ليخدم الخطة التي اقترحها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "جيمس بيكر"، والتي اقترح من خلالها، تفويض تركيا بالتدخّل في سوريا، للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، ونظام الأسد في آن معاً، وهو ما يمكن التدليل عليه بالتصريحات الأمريكية، التي تعبّر عن أسف الولايات المتحدّة لعدم استجابتها للمقترحات التركية فيما يتعلّق بسوريا، والتي لا يمكن تفسيرها، إلا على أنها المقترحات بعدم التفكير في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، إلا بعد القضاء على نظام الأسد..

هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى، فقد اصبح لدى الأردن مسوّغاً حقيقياً لإدخال قوّاته، التي بدأ الأمريكان بتدريبها، ابتداءً من عام 2011، إذ لا يخفى على أحد أن عدداً قد يصل إلى المئات من الخبراء الأمريكان، جاؤوا إلى الأردن عام 2011، لتدريب القوات البرية، فيما يجري الحديث عن مشاركة سلاح الجو الأردني بشكل مستقل، إلى جانب طيران التحالف في حربه ضدّ تنظيم الدّولة، ما يساهم في إخراج أوباما من المأزق الذي يواجهه أمام شعبه، خاصة مع الحديث عن نفاذ ميزانية الأمن الوطني بعد شهر واحد، ما يعني أن أوباما استنفذ ميزانية الأمن الوطني، دون أن يحقّق أي تقدّم ملموس في هذا الصّدد، وأنّه بات بحاجة إلى وسيلة تمكّنه من الخروج من الرئاسة عام 2016، خروجاً مشرّفاً، ينقذ الحزب الديمقراطي من هزيمة محقّقة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، في ظلّ تفاقم الانتقادات لهم من قبل الجمهوريين.

نتيجة لكلّ ما سبق، فضلاً عن إحجام روسيا عن دفع قرض جديد للحكومة السورية، واكتفائها بشطب جزء من الديون السورية، بالإضافة إلى امتناع إيران عن تقديم قروض جديدة دون ضمانات سيّادية مصادق عليها من مجلس الشعب السوري، يعني أنّ الأسد لم يعد يشكّل ضماناً لهذه الدول، وأنّ الإطاحة به باتت وشيكة.

طبعاً وسيكون التدخّل البرّي هو عنوان المرحلة القادمة، فإذا تمّ القبول بخطة بيكر القاضية بالتدخّل التركي، بالإضافة إلى الطيران الأردني الذي بدأ بالفعل تنفيذ طلعاته فوق مدينة الرقة، واستعداد قطر لتمويل عملية التدخّل البري، فضلاً عن قيام أمريكا بتدريب ما أسمته بقوات المعارضة المعتدلة، يعني أنّ تنظيم الدّولة الإسلامية بات محاصراً من كلّ حدب وصوب، ما ينذر بنهايته، وإنقاذ أوباما وإخراجه منتصراً أمام شعبه دون الحاجة لدفع المزيد من المال لتمويل الحملة العسكرية، خاصة وأنّ طيران التحالف لم يكن يرى في سوريا تلك الطريدة التي تسيل اللعاب، نظراً لشحّ مواردها النفطية، في مقابل العراق.

ولهذا، كان توقيت بث فيديو الحرق بعد أكثر من شهر من وقوعه، مناسباً جداً لترتيب كلّ الأوراق، كما هو الحال مع توقيت تنفيذ حكم الإعدام بحق ساجدة الريشاوي، المحكومة بالإعدام منذ عام 2005، فإعلان الحرب دائماً، يتمّ بقرع الطبول...

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات