بالنسبة لاستيراد مادة لحوم الفروج المجمدة كان هذا القرار خطاً أحمراً بالنسبة إلى اللجنة الرئيسية للدواجن التابعة لاتحاد الغرف الزراعية السورية، وللتنويه فإن اللجنة الآنفة الذكر، هي مجموعة من كبار مربي الدواجن تكاتفوا بين بعضهم وشكلوا هذه اللجنة تحت غطاء اتحاد الغرف الزراعية السورية كغطاء قانوني لهم مقابل راتب لرئيس الإتحاد فقط، وهؤلاء المربون اللذين باعوا ضمائرهم وفضلوا مصالحهم الشخصية على مصالح أهلهم الذين دكتهم مدافع النظام السوري (وعلى فكرة أغلبهم ينتمون لمناطق ثائرة)، آثروا هؤلاء أن يبقوا في كنف النظام، ولِمَ لا؟ ما دامت مصالحهم يراعيها النظام فعمليات تصدير البيض إلى العراق من مداجنهم لم تتوقف خلال (الأزمة) وكل بيضة تخرج إلى العراق لهم نسبتهم في حال كان التصدير من خارج مداجنهم.
ولكن معظم التصدير كان يتم من مداجنهم، علما أن البعض منهم في بداية الثورة وبداية القصف الهمجي للمناطق التي ينتمون إليها في ريف دمشق، عملوا في (الإغاثة) من باب النظام وتحت ظله، فهم ليسوا مستعدين أن يفسدوا علاقاتهم مع أزلام النظام قيد أنملة، وعندما فُتحت أبواب ما يسمى (المصالحة الوطنية) دخلو على خط هذه (المصالحات)، ليس من أجل المصالحة بحد ذاتها وكف البلاء عن أهلهم بل من أجل مصالحهم التي تضررت بفعل هذه الثورة كما يرونها هم، فهم بكل الأحوال لا يهمهم العناوين التي خرجت من الثورة مثل ثورة الكرامة وثورة الحري، فتلك الشعارات لا تعنيهم الذي يعنيهم مصالحهم التي كانت على أحسن ما يرام مع الدولة من خلال هذا الراتب الذي يمنح لرئيس اتحاد الغرف الزراعية الذي يعتبر المدافع الرئيسي عن مصالحهم لدى أدوات النظام.
ينتمي رئيس اتحاد الغرف الزراعية إلى منطقة ثائرة من ريف حماة الشمالي، ولديه شقيق ضابط في الفرقة الرابعة، وبحسب المعلومات المتداولة هما لا يستطيعان أن يدخلوا بلدتهما منذ اندلاع الثورة، إلا أنهما يريان غير ذلك، فهما يعوّلان على ضعف ذاكرة الشعب (كما قال رئيس الاتحاد لي شخصياً: بأن الشعب سينسى كما نسي أهل حماة مأساتهم)، فتراهم يدخنون النراجيل في قهوة فندق (أفاميا الشام) الذي أقيم على أنقاض حي من أحياء حماة في فترة مجزرة حماة في عام 1982.
بعد كل هذا الولاء، سمحت (الدولة) أخيراً للفروج المجمد الإيراني الدخول للأسواق السورية رغم مناشدة أزلامها وصراخهم في لجنة الدواجن وإتحاد الغرف الزراعية السورية والأنكى تصريح مدير عام مؤسسة الخزن والتسويق حسن مخلوف بأن الفروج المجمد الإيراني يضاهي بجودته الفروج السوري من حيث النوعية والمواصفات.
وهنا لا أناقش صحة أو خطأ إستيراد الفروج المجمد للأسواق السورية، فهذا معتمد على طبيعة الأسواق السورية وحاجتها بل أسلط الضوء على أن هذا النظام أمام مصالحه فإنه مستعد أن يضرب بعرض الحائط مصالح من يهتفون باسمه ويعملون بكل طاقاتهم لإنقاذه من الوضع الاقتصادي الذي وصل إليه بسبب الثورة. ومن جهة أخرى السؤال الذي يطرح نفسه لماذا إيران بالتحديد ولكن جواب هذا السؤال بات معروفاً للجميع.
أما القرار الآخر الذي يعتبر تجاوز للمحرمات هو قرار وزارة الاقتصاد والتجارة التابعة للنظام السوري ، وبناء على كتاب وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي التابعة أيضا للنظام السوري والمتضمن السماح لكافة المستوردين باستيراد مادة الحليب السائل أي الحليب الطازج وذلك لغاية 30/06/2015 شريطة التقييد بالتعليمات الفنية لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي.
هذا القرار لم يكن بالإمكان اتخاذه قبل الثورة بسبب موقف الإتحاد العام للفلاحين الذي يعتبر أعضاء مكتبه التنفيذي وأعضاء المكاتب الفرعية في المحافظات من أكبر مربي الأبقار في سوريا، حتى إن الإتحاد قبل الثورة كان يقف في وجه استيراد الحليب المجفف سواء للغرض الصناعي أم للإستهلاك المباشر للأطفال، وهناك أكثر من مرة حاول الصناعيون السوريون التقدم بطلبات السماح باستيراد الحليب المجفف لإستخدامه في صناعة البوظة وبعض الحلويات التي لا يصلح استخدام الحليب السائل فيه، ولكن موقف الإتحاد العام للفلاحين كان يقف بالمرصاد لهؤلاء الصناعيين، بحجة الدفاع عن مصالح الفلاحين الذين ينتجون في سوريا قبل الثورة أكثر من مليون طن حليب سائل في العام، وهذا الحديث صحيح نظرياً ولكن الأمر الذي كان يخفيه الإتحاد بأن تربية الأبقار في سوريا تربية عشوائية أي لا يوجد في سوريا مزارع أبقار كبيرة متخصصة بإنتاج الحليب (باستثناء مزارع أبقار الدولة التي تبيع إنتاجها للشركة السورية للألبان التابعة لوزارة الصناعة ).
وهذه العشوائية في التربية والإنتاج تسبب ارتفاع تكاليف جمع الحليب لصالح المصانع التي تحتاجه، وفي إحدى محاولات الصناعيين باستيراد الحليب المجفف والتي وقف بوجهها اتحاد الفلاحين تم الطلب رسمياً منه عن طريق كتاب من رئيس مجلس الوزراء محمد ناجي عطري بأن يقوم الاتحاد الذي يتمتع بميزانية ضخمة جداً بإنشاء معمل لتجفيف الحليب ولكن لم يلقَ هذا المقترح أي آذان صاغية لديه بسبب عدم إهتمامه بهذا الموضوع ولو أنه سيكون من المشاريع الرائدة لو تم.
وفي الختام، لا بد لي أن أبين مدى عدم اهتمام النظام بأزلامه في حادثة ذكرها لي أحد الناجين من مجزرة (جديدة الفضل) بريف دمشق التي إرتكبها النظام في 21/4/2013، أنه "بعد إرتكاب المجزرة بدأ جيش النظام بممارسة عادته بتعفيش البيوت، ووصلوا لبيت أحد أعضاء المكتب التنفيذي للإتحاد العام للفلاحين وكان بيتاً فخماً أشبه بقصر في هذه المنطقة البائسة وكان مصدر إغراء لعناصر جيش الأسد ولما علم الجنود من صاحب المنزل وهو رفيق من رفقاء النظام قرروا أن يسألوا قائدهم على اللاسلكي فجاءتهم الأوامر بأن لا يقتربوا من هذا المنزل، الأمر الذي أزعج الجنود بسبب فخامة البيت فقام أحد الجنود ورفع على المنزل علم الثورة وعاودوا الاتصال بقائدهم وأخبروه بأن المنزل العائد لعضو إتحاد الفلاحين عليه علم الثورة فجاءتهم الأوامر بأن يقتحموا المنزل أسوةً ببقية المنازل.
هكذا هو النظام السوري لا يقيم وزناً لأزلامه التي بُحت أصواتهم بالهتاف له ولقائده ولكن كل هذا النباح لم يفدهم عندما تعترض مصالحه بمصالحهم فهل يتعظ من بقي منهم ينبح لغاية الآن؟ وهل فعلاً سينسى شعبنا العظيم إساءاتهم؟
* مهندس زراعي
التعليقات (6)