النادي السينمائي في باريس: الإبداع العائلي ينفرد بنفسه!

النادي السينمائي في باريس: الإبداع العائلي ينفرد بنفسه!
يبدو أن مساحة تأثير الثورة السورية، كمفاهيم كبرى للتغيير الأخلاقي لن تمتد خارج الشعارات كثيراً، وخصوصاُ لدى المثقفين الذين كانوا حتى الأمس القريب في أحضان (بهجت سليمان) و(حسن خليل) ينتفعون ويسبحون بشعارات هؤلاء الثقافية وحبهم للدراما!

ولعل الصمت كسلاح وحيد اتجاه هذه "القبائل الثقافية" إن صحت التمسية، سيجعلنا نعيد إنتاج النظام ثقافياً لدى الجيل المقبل، مما يجعلنا نعيش أزمة متجددة، وربما كانت "القبيلة السينمائية السورية" في باريس، إحدى تجسيدات هذه الحالة، القبيلة التي ما زالت مفتتنة بالماضي مصرة على بذل كل شيء في سبيل استرجاع القبلية والمحافظة عليها كهوية ثقافية قبلية في وجه الهوية الثقافية المدنية التي تهدد وجودهم ومستحقاتهم المادية والمعنوية.

حوار ساخن

القضية تبدأ حينما يعرض فيلم"العودة إلى حمص"على قناة (العربية) ويلقى احتجاجاً من الناس الذي ظهورا بالفيلم وذويهم وغالبيتهم يقطن الآن في مناطق تحت سيطرة النظام، والبعض الآخر منهم في معتقلات النظام، الشيء الذي يخرق الاتفاق بين الشركة المنتجة للفيلم متمثلة بشخص المنتج عروة نيربية ابن عضو الائتلاف السوري موفق نيربية، وقريب المخرج هيثم حقي والمخرجة هالة محمد والمخرج أسامة محمد، والقاضي بعدم عرض الفيلم خارج صالات المهرجانات. ومن ذا الذي يجرؤ على مواجهة القبيلة السينمائية ويملك شيئاً من النخوة ويعترض على هكذا سلوك قد يجلب الويلات للكثير من الأسر لمجرد الشهرة والمال، بحسب توصيف إحدى المتضررات، ولكن الحمية والتعصب يبدأ حينما يكتب الصحافي والناقد راشد عيسى مقالاً في صحيفة (القدس العربي) منتقداً هذا السلوك الخارق لشروط الإنتاج وللقيمة والتفكير الأخلاقي، حينها تصبح المباركة في غمضة عين من أبناء بهجت سليمان وشبيحتهم، بتناول عيسى شخصياً بعيداً عن الشكل والمضمون النقدي للمقالة -حسب زعمي- ولكن يبقى الطمع في الأجر من شيوخ القبيلة، بعد مناصرتهم مظلومين أو ظالمين،لا فرق إطلاقاً بين الحالتين.

البقاء قي الهامش القسري

هذه القضية تطرح إشكالية، كيف نرتقي بوعينا وثقافتنا؟ وما زال الذين يعيشون بيننا بوصفهم نخبة مزعومة، يستنفرون الكل ويشتمون ولا يقبلون بأقل من الاستفراد بالغالي والنفيس بكل المراحل وتبقى الشعارات قابلة للتبديل، لا ضير. إشكالية أخرى لا تقل إثارةً بالطرح عن السابقة، ألا وهي كيف يقبل الكثير من الفنانين والصحفيين أن يبقوا في موقع الهامش، محصورين بأمكنة لا يمكن الخروج منها، ويبقى لهؤلاء مجد الاستفراد بكل الإمكانات والمقدرات لكي لا يأتي أحد من أصحاب الطموح ويرفض البقاء في الهامش القسري؟

لا يمكن الاكتفاء بالجهد المبذول من أجل الخلاص من النظام، وهو الجهد الخرافي الذي يجعلننا نبتعد أكثر وأكثر عن مساحة سيطرته، بل يجب أن يبذل جهد آخر في محاربة هذه القبيلة وكل القبائل التي تريد أن تعود بوعينا للوراء، وهذه العودة الجماعية للوراء، باتت شبه مضمونة بوجود الكثير من أصحاب الحضور المنبري أو الصحفي، المتسلحين بالصمت سلاحاً في وجه هذه القبيلة وكل القبائل.

سينما النادي العائلي

منذ الآن وبعد شهور على تأسيس النادي السينمائي السوري في باريس، نجد أن البواكير السينمائية التي عرضها حتى الآن هي للأبناء والخالات والأخوال، والذي بدورهم يقودون الحوار النقدي البناء بوصف القبيلة الراعي الرسمي للحدث. وبما يخص النقد الموجه لهذه التجربة، من الطبيعي أن يكون هناك عروض للأبناء والخالات والأخوال، ولكن ليس من الطبيعي أن تكون آليات الاختيار بهذه المدة الزمنية القصيرة وبهذا التتابع خاضعة لهذه العقلية، وليس من الطبيعي بمكان أن تكون بواكير القبيلة السينمائية ممثلة للمشهد الفني والحضاري، وهذا لا يطرح جانبا فنياً بمقدار ما يطرح عقلية ضيقة، حينما يعرض فيلم (التجلي الأخير لغيلان الدمشقي)، وإذا كان لا بد من عرضه أسوةً بباقي النتاج القبلي، لماذا لم يحضر نقاد لهم وزنهم لمناقشة هذا الفيلم خارج المجاملات الأسرية، وهي بالنسب أبسط مقومات التجارب المماثلة، والقضية التي طرحها فيلم (ماء الفضة) المعروض في النادي السينمائي، بدوره، أن المنتج عروة نيربية قريب المخرج أسامة محمد، والمونتير ميسون أسعد بنت أخت أسامة محمد، والكادر الوحيد خارج الأسرة كانت وئام بدرخان، صاحبة المادة الأساسية للفيلم، وهذا يعيد للذهن طريقة إنتاج فيلم (صندوق الدنيا) الفيلم العائلي بامتياز، حينها حتى الطبيبة بموقع التصوير كانت قريبته للمخرج أسامة محمد.

واللافت في هذه التجربة أن الجمهور الذي تجاوز الثلاثين شخصاً في صالة تتسع لخمسين، لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة في العروض التالية، وأهم هذه المأخذ حضور ابن هالة محمد كمدير لإحدى جلسات النقاش بوصفه مخرجا، وهو الاسم المغمور الذي لا يحوز في تاريخه شيئاً يمت للسينما بصلة من قريب أو بعيد، وخاصةً أن الجمهور لا يستسيغ نقاشات بلا حضور نقدي متمكن، وهذا ما يبدو واضحاً في عزوف الجمهور عن متابعة جلسات النقاش التي غالباً تقتصر على القبيلة... أليس هذا شكلاً من أشكال انتقاص حق السينما السورية؟ أن يكون نادٍ أبصر النور باسمها مجالاً لتمجيد أفلام حققها بضعة شخوص أقرباء لبعضهم البعض وحسب.

لسنا ضد تجربة نادي سينمائي سوري في باريس، ولكن نادي يخضع لاشتراطات منتجة من قبيل أن يكون هناك نقاد وسينمائيين حقيقيين يعتد بهم يديرون الجلسات، وأن تكون هناك لجنة تخضع الاختيارات لشرط التميز، وأن تعرض أفلام مثيرة لسجال حقيقي لا تزيفي.

التعليقات (1)

    متابعة

    ·منذ 9 سنوات 3 أشهر
    نادي سينمائي في باريس .. امر مهم جدا .. يستحق الدعم، وبخاصة انه تطوعي.. والنيل من المتطوعين بهذه الطريقة امر مؤذ لنا جميعا .. ماذا تفعل ان كانت الاسرة يعمل اغلبها في المجال الفني والسينمائي؟ هل نمنعهم؟! هل افلامهم لاتعني السوريين؟! المترجم هو مخرج شاب، وهذا جيد ولصالح المفردات والتعابير السينمائية.. هو لايحكم ولايقيم بل يترجم فقط.. وعد التهجم اللامنطقي ترك وغادر حزينا!! أعتقد انه من الانصاف اجراء حوار مع القائمين على النادي الذي وصل الى العرض العاشر له.. واغلب العروض من خارج العائلة.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات