في المادة ١:
"كل تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الجنس، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أوفي أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة".
كان إبليس أول من ابتدأ العنصرية حين رفض السجود لخالقه كي يتميز عن آدم حين قال "خلقتني من نار وخلقته من طين"، بحسب الرواية الدينية، وبالفعل يعتبر التمييز العنصري أحد أكثر الممارسات شيطانيةً وخطورة على المجتمعات البشرية لما تشكله من تهديد يؤدي إلى انتشار الكراهية والعنف وانقسام المكونات المجتمعية وتقوقعها أو تعدّيها على بعضها البعض وقد تصل حد الإبادة الجماعية في أمثلة رأيناها عبر التاريخ.
العنصرية علّة عقلية تصيب الانسان نتيجة قناعات واهمة بتفوقه الفكري أو البدني على أساس انتمائه العرقي أو لونه أو نسبه أو قوميته أو جنسه، ما يودي به إلى ممارسات لفظية أو فعلية أو أحكام وتنميط قد ينتج عنه كوارث، ولا سبيل إلى التخلص من هذا الدّاء إلّا الوعي والمعرفة والقناعة بأن البشر جميعهم جنس حي واحد.
من أكثر الأعمال العنصرية شهرة في التاريخ هي نظام إسبارطة الحاكم وتجارة الرقيق التي استهدفت الأفارقة، ومنها أيضاً نظام العزل العنصري في دولة جنوب إفريقيا والحركة الصهيونية ضد الفلسطينيين ومعاداة اليهود في ألمانيا النازية والتنكيل المستمرّ للحكومة الإيرانية بالسكان الأصليين للأحواز والعنصرية ضد الشرق أوسطيين والمسلمين في أمريكا والغرب بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول.
ومن أكثر المقولات العنصرية بشاعة في التاريخ "شعب الله المختار" التي يطلقها اليهود على أنفسهم، أو "لن أذهب إلى المدرسة مع أسود" والتي انتشرت في الولايات المتحدة الأمريكية وانتهت في النصف الثاني من ستينات القرن الماضي، ومقولة الإعلامية اللبنانية المغمورة رحاب ضاهر "على كل لبناني أن يقتل كل سوري يصادفه" !!
تتنوع الممارسات العنصرية فمنها الفردية والقانونية والمؤسساتية وفي أشكال مختلفة في التعبير أو الممارسة وأحياناً ما يكون منها غير ظاهر ويسمى العنصرية الخفية.
مارس النظام السوري عنصريته من خلال القوانين ومؤسسات الدولة وتصنيف المجتمع السوري ليصبح العلوي مواطن درجة أولى ومارس التمييز أيضاً بين عشائر العلويين أنفسهم وأصبحت الكلازيين الذين ينتمي إليهم بشار علويين نخب أول.
كما يمارس عامة الشعب السوري عنصرية لفظية يومية من دون إدراك أو بقصد في تعابير من قبيل "شوايا، شاوي" والتي تطلق على أي شخص يراد وصفه بعدم التحضر، رغم أن الشوايا حقيقة هم أحد مكونات الشعب السوري الذين تعرضوا لتمييز عنصري شديد مارسه نظام الأسد من خلال افقارهم وتجهيلهم وعدم تقديم الخدمات الضرورية لهم بما يماثل ما قدمه لأهل المدن أو الأرياف الأخرى، مع أن مناطقهم هي الأغنى في سوريا لما فيها من ثروات كالنفط ولخصوبة أرضها.
أو إطلاق مفردة "سيريلانكية، فيليبينية" في وصف للعاملات المنزليات رغم أنها قد تكون قد تكون من جنسية أخرى أو حتى عربية، وتستخدم أحياناً في عبارات للدعابة أو الاستهزاء، وحلوى "رأس العبد" التي اتخذت هذا الاسم بسبب لونها الأسود في ربط للعبودية بالأفارقة وغيرهم من ذوي البشرة الداكنة أو السوداء، أو حين وصف من يتحلى بالشجاعة أو سداد الرأي من النساء أنها "اخت رجال" في حصر لهذه المواصفات بالذكورة في تمييز ضد المرأة، و"حوراني" في إشارة إلى العمال الطرقيين، أو "حمصي" في إشارة إلى من يراد وصفه بعدم رجاحة العقل أو الرأي أو للاستهزاء والدعابة، أو كردي في إشارة إلى من يتشبث برأيه دون حق، كما تمارس بعض الجماعات العرقية عنصرية فجة مثل رفض قبول تزويج فرد منها لآخر بسبب انتمائه لعرقية مختلفة فقط.
تنشأ حالة جدلية حين التمييز بين حرية التعبير من جهة والتعبير أو الخطاب العنصري، فالقوانين الإنسانية الدولية والمحلية لا يمكنها وضع توصيف مكتمل وكافٍ لحدود حرية التعبير أو لما قد يعتبر انتهاك للقوانين الناظمة للحريات، ومن أجل تحديد إذا كان فعل أو خطاب ما يتجاوز القانون ولا يندرج ضمن حماية الحق في حرية التعبير يشترط عدة أمور منها دراسة كل حالة على حدة من قبل لجنة مختصة معروفة بنزاهتها وحيادها، كما ينبغي تناسب العقوبة مع حجم المخالفة.
إن عدم محاولة النظام تغيير الثقافة العنصرية هو بحد ذاته تواطc وتكريس لها، بالإضافة إلى استخدامه وتأجيجه العنصرية كإحدى أدواته المفضلة لتفرقة الشعب السوري ونشر الكراهية بين مختلف مكوناته، في سبيل تعزيز قوته من خلال تفرقة هذه المكونات.
اضطهد نظام الأسد البعثي السوريين لأكثر من 50 عاماً من خلال بعض مواد القانون السوري المطاطة مثل "وهن نفسية الأمة" و" النيل من هيبة الدولة أو مكانتها الاقتصادية" و"إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية" والتي من خلالها قمع الحريات وطارد المعارضين واصطاد الصحفيين ونكّل بجميع المواطنين السوريين على اختلاف انتماءاتهم العرقية أو المذهبية، فكان الكردي إن انتقد فساد أحد المسؤولين اتهم بالعنصرية وإن تحدث بلغته الأم اتهم بـ "الانفصالية" وإضعاف الشعور القومي وإن انتقد أحد المعارضين أو حتى المواطنين الأداء السياسي اتهم بوهن نفسية الأمة وقِس على ذلك، رغم أن الكرد تعرضوا لأقسى أنواع التمييز العنصري من قبل نظام الأسد من خلال حرمانهم من الجنسية السورية وهم يعيشون على أرضهم ومن الشهادات الجامعية رغم دراستهم فيها ومشاركتهم في حركتها العلمية والثقافية.
التعليقات (2)