لواء لطالما اختبأ خلف منصاته القتلة وأثقلوا كاهل أم الثورة حوران، عندما دخل من سبقهم إلى بهرجة المؤتمرات متاهة جنيف، ترنحت عاصمة الثورة حمص فخانوها وامتهنوا اللطم، ثم تواروا خلف تحليلاتهم السياسية، تحايلوا على الوقت مترقبين سقوط حلب، فإذ بمعسكري وادي الضيف والحامدية بإدلب تطهرهما أقدام الثوار، بيعت جبهة اللاذقية بأبخس الأثمان واتهموا الثوار بالفعل الطائفي لتشويهها، فأتتهم أصوات النصر من القنيطرة جنوباً.
هي الثورة تتجدد مع فعلها المدني والعسكري، فتترنح المعارضة على وقع تقدمها كما الأسد، ارتضوا وارتضينا أو تصالحنا جميعاً مع لفظ كلمة معارضة، ولم ندرك أنها ثغرة يجب تجاوزها، فكلمة معارضة ستقود بالنتيجة إلى وجود خصم قانوني اسمه نظام، وهذا يعني أنه في مرحلة ما سيقود الجميع إلى تقاسم النفوذ، كان هذا أيضاً جريمة بحق الثورة، فالثورة فعل جذري لكل ما هو قائم، وهي بسوريا حالة شعبية عارمة لا فضل فيها لأي معارض مهما ادعى، بل لأنها ثورة شعبية استعصت على الترويض والقولبة السياسة، فتكاتف القوميون واليساريون والمؤدلجون دينياً ليحولوها لفعل سياسي، لكنها بقيت فعل أخلاقي وعرتهم جميعاً.
هكذا فعلت معركة تحرير اللواء 82 بالشيخ مسكين أخيراً في طاولة الحسابات، ستأتي للثوار عشرات الهواتف بالدعوة للتروي والمساومة على سلامة ما بقي من عمران في مدن وبلدات درعا لم تطلها براميل الأسد المنتقمة منذ أشهر، وربما تأتي عروض كما أتت في غوطة دمشق كي تثبت جبهات القتال لفعل مناور وتقاسم نفوذ بالتراضي، ثمنه التحكم بمنافذ الغذاء والدواء ولا مانع من بضع بيانات تغطي ما يدور في كواليس اتفاقات يديرها مال رامي مخلوف وإيران، لبقاء طريق المطار حراً طليقاً كما مفارق التشبيح بالسيدة زينب جنوبي العاصمة، حيث لعبة التفاهمات التي يظنها البعض انطلت على السوريين وثورتهم، لكن من يراقب تطور حسابات الثوار في تحرير ذلك اللواء في درعا سيصل إلى قناعة أن تلك الهواتف لن توقف تقدم من هدمت براميل ومدفعية الأسد بيوتهم وشردت أهلهم إلى المخيمات.
فخط إزرع السويداء وما جلب من ذخيرة قتل وإمداد لعصابات الأسد هناك في اللواء 82 وكتيبة النيران، مع مرور آمن لمليشيا حزب الله الإرهابية، أصبح الآن في مرمى الثوار، وطريق دمشق درعا هو الآخر يئن تحت الضربات، والدرس الذي حفظه الثوار مما جرى بالسنوات الثلاث السابقة في ريف إدلب، عندما باعوا تفاهمات مجانية وحافظوا على توازنات اللعبة، لربما كان درساً أول نتائجه انتصارات وادي الضيف والحامدية، وهذا تماما ما يجب أن يتقنه من بالميدان الآن،حين يسير بعيداً عن بهرجة المنابر والفنادق وجامعة العرب التي تحاصر الدم السوري بمحاولة تشويهه على معابر القاهرة موسكو بمباركة إيرانية.
بتوازي التحرير في الشيخ مسكين مع صواريخ استهدفت مواقع التشبيح في العاصمة دمشق، سنتوقع سيلاً من الانتقادات لها، من باب القول إن المدنيين في دمشق لا ذنب لهم إن تم تخريبالعاصمة وتخريب الأمان بمن تحويه من لاجئين، في الحقيقة كان القصور في تطور الثورة هو ترك العاصمة آمنة لهذا النظام الفاجر، فالعاصمة التي دمر ريفها وأنهك هي باب دعاية للنظام أنه يسيطر ويتحكم بقيادة البلاد، ويستطيع الزائر التجول آمناً فيها إن كان مبعوثاً أممياً أو صحفياً أجنبياً مأجوراً، وهي التي ينتج فيها النظام دراماه ليسوقها على أنها فعل استقرار، ويفتتح في فنادقها معارض للوجبات والحلويات، وتتصاعد من مطاعمها روائح المشاوي في حين غوطتها تموت جوعاً، تلك العاصمة كان يجب أن تصبح ومنذ زمن بعيد بلا مطار ولا وزارة ولا سوق ولا تلفاز يبث السموم، ومن يعتقد أن بقاء العاصمة على الحياد سيقود إلى نصر فهو يشبه تماما ذلك الطبيب الذي يعالج احتشاء عضلة قلب الإنسان بجراجة في أحد الأطراف.
نعم إن التقدم في الشيخ مسكين هو اقتراب من تلك العاصمة وهو بالنتيجة اقتراب من موعد النصر الأخير، فبين بيان القاهرة الحالي ودعوات لشم النسيم العليل هناك في نيسان برفقة المناع والجعفري، سيكون في جعبة الثوار بيانات جديدة تدعو لشم النخوة على أبواب دمشق.
هكذا هي ثورة يتيمة واليتم ليس عاراً، ولأنها يتيمة أيقنت أيضاً أنها يجب أن تكون فريدة في صفحات التاريخ، وأيقنت أنه عليها أن تتأهب لكل الصعاب، حاصر نظام المافيا المدن والقرى والحارات ليترك كلّ منها أيضاً يعاني اليتم في مواجهة غير عادلة، ولكنها لم تلن ولم تهتز ثوابتها، وبقيت ثورة الكرامة بعنوانها العريض تقلقهم جميعاً نظاماً وجوقة معارضة وخلفهم دول تشبههم.
التعليقات (3)