فضائح (الخبز) في عهد الأسدين: أساليب شيطانية لتركيع السوريين

فضائح (الخبز) في عهد الأسدين: أساليب شيطانية لتركيع السوريين
هل أجبرت ثورتنا السورية النظام على حرق الخطوط الحمراء التي رسمها مؤسس النظام حافظ الأسد، منذ أول يوم لاستيلائه بانقلاب عسكري على السلطة في سوريا، حيث رفع شعار لقمة عيش المواطن خط أحمر، واعتبر أن لقمة عيش المواطن تنحصر بمادة الخُبز فقط؟ وبناء على هذا الشعار تم تثبيت سعر الخبز تحت يافطة الدعم.

صحيح أن رأس النظام تحايل أكثر من مرة على هذا الدعم، وذلك بالتلاعب بمادة الخبز، فتارة يأمر بخلط القمح بالشعير، وتارة أخرى يأمر بتخفيض وزن الربطة دون المساس بعدد الأرغفة، وتارة أخرى يقلل حجم الرغيف، ومرة يتجرأ أكثر ويقلل عدد الأرغفة في ربطة الخبز، ولعل من يتذكر تلك الفترة يتذكر حديث الشارع السوري عن الخبز قوله "لم يعد فيه بركة"، كل ذلك بهدف عدم المساس بسعر الخبز المدعوم، لأنه يعرف أن ذلك ربما سيقوض نظام حكمه الذي جاء باسم العمال والفلاحين وهم فئات الشعب الفقيرة التي يحتاجها عندما يُسير مسيرات التأييد لا لتهتف بحياة الوطن، بل لتهتف بحياته كونه يعتبر نفسه هو الوطن بماضية وحاضره ومستقبله.

أما وبعد وفاة الطاغية الكبير وتوريث الطاغية الصغير بشار الأسد مقاليد السلطة بمسرحية تعديل الدستور بات يعرفها كل الشعب السوري، اعتقد هذا النظام الجديد أنه تمكن من مفاصل الحياة في سوريا، ولم يعد يهتم بإرضاء الحشود لمسيرات التأييد لأن الشعب قد دُجن وعشعش الخوف في صدوره، لدرجة أنه لن يعترض على أي قرار يُتخذ يمس لقمة عيشه، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ظهور طبقة جديدة في المجتمع السوري هي تجار ومستفيدين من النظام، واللذين التفوا حوله، ففهم النظام أنه محمي من قبلهم. فبدأ هذا النظام الوريث بإتباع سياسات اقتصادية متخبطة تؤدي لتركيز الثروات في أيدي تلك الطبقة، التي لا يتجاوز نسبتها في أحسن الأحوال عن 1-2 % من تعداد الشعب السوري. وابتدأ هذا السيناريو منذ عقد المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الحاكم في سوريا، في حزيران من عام 2005، والذي تبنى عدة توصيات أهمها الانتقال إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي لم يفهم المواطن من هذا المصطلح شيء، وهل يُقصد بإضافة كلمة اجتماعي أنه سيراعي مصالح الفئات محدودة الدخل، أم كلمة السوق ومراعاة طبقة التجار وأصحاب السوق ستطغى على الهدف الاجتماعي من قرارات مؤتمر حزب البعث.

ولكن لم ينتظر الشعب كثيراً ليعرف جواب تساؤله، لاسيما عندما بدأ يشعر بأن الراتب الذي يتقاضاه لم يعد يستطيع أن يُلبي حاجاته الأساسية والضرورية، من غذاء وكساء، وبدأ يشاهد أنواع جديدة من السلع الكمالية التي غزت الأسواق بعد فتح باب الاستيراد على مصراعيه، ليس خدمةً له بل خدمةً للمستوردين، وبدأت المراكز التجارية (المولات) على الأسلوب الغربي تنتشر في كافة المحافظات السورية مع ظهور مظاهر البذخ فيها.

وأصبح مسؤولو النظام يتداولون علناً موضوع رفع الدعم عن السلع الأساسية مبتدئين بالمحروقات التي تزعم حكومات البعث أنها مدعومة، وهي بحقيقة الأمر غير مدعومة (ومن الممكن شرح ذلك في فرصة أخرى) ومن ثم تم رفع الدعم عن المواد التموينية التي كانت توزع عن طريق قسائم تموينية مثل الشاي والزيت والرز والسكر فبدأت الحكومة بإلغاء دعم الشاي وألحقتها بالزيت النباتي وبدأ الحديث يتكرر عن رفع الدعم عن الرز والسكر ولكن بخجل وعن طريق عدم تأمينه في المؤسسات.

وبدأ الحديث يتكرر عن العبء المالي الذي يقع على عاتق الدولة بسبب دعم الخبز والقمح، ففي إحدى الجلسات الخاصة لنائب رئيس مجلس الوزراء السابق عبد الله الدردي قال حرفيا:"متى سنستطيع إنزال عبء دعم القمح والخبز عن كاهل الحكومة" هذا الكلام كان فيما مضى خطاً أحمر لا يجوز لأي مسؤول حكومي التفوه به.

ولكن بقي هذا الأمر مجرد كلام فلم يجرؤ النظام على تجاوز الخطوط الحمر التي رسمها حافظ الأسد بالنسبة لموضوع رفع سعر الخبز وبقي الخبز ظاهرياً محافظاً على دعمه، وأقول هنا ظاهرياً لأن النظام قد احتال على موضوع رفع الدعم عن الخبز بأسلوب شيطاني، معتمداً على محورين أساسيين: الأول تخفيض كمية ونوعية الخبز المدعوم من قبل الدولة وتخفيف منافذ بيعه، وبذلك تظهر أزمة ازدحام على الأفران التي تبيع هذا النوع من الخبز، والمحور الثاني فتمثل بتشجيع القطاع الخاص المرتبط بالنظام أصلاً على إقامة أفران تم تسميتها بالأفران السياحية وهي تُنتج خبز عالي الجودة تمت تسميته الخبز السياحي، فانتشرت تلك الأفران في مختلف المحافظات مثل أفران شمسين وتفاحة وقمرين في دمشق و طيبة وبركة في حلب، ولجأت تلك الأفران على توزيع مُنتجاتها على البقاليات والسوبر ماركات، وبهذه الطريقة عندما يرى المواطن الذي يريد شراء خبزاً من الأفران الحكومية يرى ازدحاماً شديداً على منافذ بيع تلك الأفران فعندها يكون عند هذا المواطن حلين ليتجنب الوقوف لساعات طويلة إما أن يشتري خبز الدولة من الأطفال المشردين الذين يبيعون الخبز الحكومي بسعر أعلى من السعر المحدد، أو أن سيذهب لأقرب بقالية يشتري حاجته من الخبز السياحي بسعر مضاعف، وبهذه الطريقة يستفيد النظام بنقطتين الأولى هي تأهيل المواطن السوري لساعة رفع السعر الرسمي لأنه بكل الأحوال يشتريه بسعر مرتفع، والثانية تخف كمية الخبز التي تباع من أفران الدولة الأمر الذي يؤدي لتخفيف المبلغ المخصص لدعم الخبز وبذلك تستفيد خزينة النظام من تلك العوائد دون أن يضطر لإعلان رفع الدعم بطريقة قد تستفز المواطنين.

ولكن الضغط الذي سببته الثورة السورية على موارد النظام المالية بسبب استنزاف ألته العسكرية في مواجهتها، دفعت النظام اليوم لتجاوز الخطوط الحمراء، فلجأ في شهر تموز من عام 2014 برفع سعر كيلو الخبز من /9/ ليرات للكيلو غرام الواحد إلى /15/ ليرة سورية، أي بنسبة تزيد عن 65%، وتحت مبرر عقلنة الدعم أصدر اليوم وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك يوم الأحد الموافق لـ 18/1/2015 قرارين الأول يقضي بتخفيض وزن ربطة الخبز من /1750/ غرام إلى /1450/ غرام، والثاني زيادة سعر الربطة من /25/ ليرة سورية إلى /35/ ليرة سورية وبذلك تكون الزيادة الجديدة تفوق 60%، وهذا يعني أنه خلال ستة أشهر تم رفع سعر الخبز أكثر من 120%.

وبذلك يكون استمرار الثورة السورية قد أجبر النظام على اللعب بورقة قد تكون آخر أوراقه، وهي ورقة معيشة المواطنين المؤيدين قبل المعارضين، وإن عقلنة الدعم لا يكفي لنجاة سوريا من الانزلاق نحو الهاوية الاقتصادية بل أعتقد انه يجب على وزير التجارة الداخلية في حكومة النظام أن يعقلن رئيسه ويلجمه عن تدمير اقتصاد سوريا فهذا أجدى نفعاُ. فقد أثبت الشعب السوري عندما هتف "يا بثينة ويا شعبان الشعب السوري مو جوعان" وأن المرسوم الذي أصدره رأس النظام بعد رفع سعر الخبز والقاضي منح (4000) ليرة سورية لمختلف شرائح الموظفين، كتعويض عن رفع سعر الخبز، لن يثني هذا الشعب العظيم عن ثورته التي بدأها ولن يُنهيها إلا بسقوط النظام.

*مهندس زراعي

التعليقات (3)

    جمال عيسى

    ·منذ 9 سنوات 3 أشهر
    شكرا لك على هذا المقال الهام، وارجو أن نسمع كل ما في جعبتك لاحقاً عن سوءات هذا النظام المجرم في مقالاتك اللاحقة.

    التركيع الفكري كان في المساجد

    ·منذ 9 سنوات 3 أشهر
    كل الأئمة و كل المؤذنين كانوا يعتمدون على المعاش الشهري من وزارة الأوقاف وفي كثير من الأحيان كان النظام يتغاضى لهم و أحياناً يُشاركهم في تقاضي الخُمس ـ هذا إذا فعلا خُمس التبرعات أي تبرعات يوم الجمعة من كل مساجد سوريا لأسبوع واحد كانت تكفي لعمل المعجزات فالجوامع في عهد الأسدين كانت المكان الوحيد الذي يحق الإجتماع فيه وأثناء الصلاة فقط كل خطيب كان يصله رؤوس أقلام عن خطبة الجمعة المقبلة نظام الأسد كأي نظام ديكتاتوري عربي كان يتعكّز على رجال الدين الإسلامي و المسيحي ولولاهما لما قامت له قائمة

    م.سامر كعكرلي

    ·منذ 9 سنوات 3 أشهر
    شكرا سيد جمال وأرجو أن أكون عند حسن الظن
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات