في "دردشة" معه، يكشف القيادي البعثي السابق د. محمد أحمد الزعبي، ما هو أكثر من ذلك، إذ يعتقد أن ضباط البعث العلويين النافذين، مارسوا هذه الدعاية، لتبرير مشروعهم السلطوي، خصوصاً بعد حركة 23 شباط 1966.
الضباط العلويون خدعوا الأرسوزي!
وبحسب ما يعتقد الزعبي. كان أحد المُستهدفين بتلك الدعاية، المفكر زكي الأرسوزي، أحد أقطاب الفكر القومي، والمعروف أنه من الطائفة العلوية.
علاقة ودية. جمعت بين الأرسوزي والزعبي. ابتدأت، حين بادر الثاني بصفته وزيراً للاعلام آنذاك، إلى إهداء الأرسوزي (جهاز تلفاز)، لم يكن رجل بحجمه الفكري والأدبي. يملكه في منزله.
من ذكريات تلك العلاقة، أن المفكر الراحل، وإثر هزيمة 67، عبر عن رأيه حرفياً (بأن على العلويين ترك الحكم بعد هزيمتهم في الحرب مع "إسرائيل")، ولما سأله الزعبي عن حقيقة قناعته بأن العلويين يحكمون سوريا. لم يتردد المفكر بلفظ (نعم). ليتبعها بالقول
(انهم فشلوا في تحرير فلسطين، وبالتالي يتوجب عليهم ترك السلطة لغيرهم).
لم يكن المفكر الأرسوزي وحده - على ما يبدو- من ضحايا الدعاية. إذ يعترف د. الزعبي حرفياً (كنا مخدوعين .. كنت من البعثيين المُخلصين المُصدقين لحكاية الحزب .. لم يكن ما بين عامي 1963_ 1965، أدنى شكوك بوجود نوايا طائفية، لدى المُمسكين بزمام اللجنة العسكرية).
وقائع بنكهة طائفية!
شخص، تبوأ عدة مناصب حزبية رفيعة، منها "أمين عام مساعد لشؤون البعث". وعضو في القيادة القطرية. و وزير، مثل د.الزعبي. ربما كان يحتاج إلى السفر بذاكرته سنوات طويلة. ليعيد قراءة بعض الوقائع، وتلمُس مدلولاتها.
حدث أواخر عام 1964، وفقاً للزعبي، أن لجنة حزبية، جمعته في عضويتها بحافظ الأسد، للتحقيق مع اللواء محمد عمران، الذي كان متهماً، بإجراء اتصالات مع جماعة الحوراني، وبالتلون والتظاهر بتأييد عفلق، إضافة إلى السعي لخلق تيار خاص به داخل الجيش.
استمر التحقيق لساعات طويلة، قبل اتخاذ القرار، بإبعاد عمران. وتعيينه سفيراً فوق العادة في اسبانيا بشكل فوري. دون الرجوع إلى القيادات البعثية المسؤولة. وبالفعل، تم الأمر ، ونُقل عضو القيادتين القومية والقطرية وقتئذ. من دمشق إلى مدريد.
يومها، يستذكر الزعبي، بأن حافظ الأسد، عاتبه على تشدده مع عمران خلال التحقيق. ولم ينتبه في حينه، أن العتاب، وموقف حافظ المُهادن للمتهم أثناء الاستجواب. مردهما خلفية طائفية.
بدوره، يتمتع اللواء محمد عمران بخلفية مماثلة، كما يعتقد الزعبي. ويستند باستنتاجه إلى العقلية وراء بعض تصرفاته. منها طريقته في معالجة تداعيات، ما يُعرف "بأحداث جامع السلطان"، واعتصام الشيخ مروان حديد، وآخرين داخله عام 1965.
أدت الأزمة، إلى انفراط البعث في حماة، وتوقف فرعه عن العمل، والنشاط نهائياً. كلُف يومها اللواء عمران بمعالجة أوضاع الحزب في المحافظة. لكنه تصرف بغرابة، حيث قسم الفرع إلى فرعين، أحدهما للمدينة "سني"، يتبع القيادة القومية. والأخر للريف "علوي"، يتبع مباشرة للقيادة القطرية. الأمر الذي أحرجها، ودفعها لرفض الإجراءات. وإرسال عضو قيادتها د. الزعبي ذاته، ليتولى إعادة توحيد فرع حزب البعث. نزولاً عند رغبة كوادره، الذين اختاروا مصطفى رستم أميناً للفرع. والذي أصبح لاحقاً عضواً في القيادة القطرية.
الريبة تعصف بالبعثيين!
لم يُستفز الدكتور الزعبي، حين واجهته بأن رفاق له وأصدقاء، يتهمونه بالتحامل وعدم الموضوعية، خصوصاً بتناوله للجانب الطائفي في جناح جديد قبل الأسد.
يبدي الرجل نوعاً من التأئر، ثم يجيب بابتسامة ثقة، للأسف "الماء تُكذب الغطاس"، ومعظم البعثيين القدامى يعرفون، بأن مبررات عدة، سيقت للقيام بحركة 23 شباط 66. أهمها مُعالجة أسباب الصراع الطائفي. الذي أخذ ينتشر في القوات المسلحة، والعمل على تصحيح بنية الجيش، وإعادة القيم الحزبية إلى صفوفه.
يعتقد د. الزعبي، أن الريبة والشكوك، كانت السمة الأبرز بين البعثيين، منذ استيلاء البعث على السلطة في 8 آذار عام 1963، وظهرت واضحة، بين ما سمي لاحقاً بالقوميين بزعامة عفلق، أو اليمين. وبين ما عرف بالقطريين أو اليسار، يرأسهم جديد.
الضباط العلويون يتبادلون الشتائم!
المعروف، أن الرئيس الأسبق الراحل اللواء أمين الحافظ. كان يتهم اللواء صلاح جديد، بإنشاء تكتل طائفي ضمن الجيش، وخلال اجتماع للتنظيم الحزبي العسكري في مطار المزة عام 1965. قال أمين الحافظ صراحة (لن نسمح لأقلية بالسيطرة على البلد، وسنغير ذلك بالقوة). ما اضطر الأمين العام للبعث حينئذ، منيف الرزاز، إلى معارضة الحافظ. فيما رد جديد، مُتهماً الحافظ بالسعي إلى الفردية بالحكم.
يروي الدكتور محمد أحمد الزعبي "خلال "الدردشة"معه. حادثة مُشابهة، ذكرها أحد أعضاء اللجنة العسكرية، موسى الزعبي. وتؤكد أن الصراع على السلطة، انحصر في عصبة الضباط العلويين داخل اللجنة، بعيد حركة 23 شباط بفترة قصيرة، حيث أسر الزعبي موسى للزعبي محمد، بأن "الشباب" في إشارة للضباط العلويين "علقانيين" ببعضهم سراً دون علم مدنيي البعث، ووصلت بينهم إلى مرحلة تبادل الشتائم غير المقبولة أخلاقياً.
لم يكن الرئيس الأسبق أمين الحافظ، أول من تحدث علناً في الموضوع الطائفي، حيث سبقه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، باتهامه ضباط اللجنة العسكرية، الذين استولوا على السلطة عام 1963 بالطائفية.
تقرؤون غداً في سلسلة (قيادي بعثي يكشف)
- حافظ الأسد خدع الدروز... ووّرط سليم حاطوم بالتمرد... وعجّـل بإعدامه!
- الرئيس نور الدين الأتاسي كان في نيويورك ولم يوقع على إعدام حاطوم!
التعليقات (5)