وكانت لحظة وقوع الحدث قد إزدهرت في سماء بعض العواصم المأزومة" موسكو وطهران" فكرة أن يعيد الغرب ترتيب أولوياته السياسية والإستراتيجية ويتقاطع معهما عند نقطة أنّ الإرهاب هو أس المصائب، وأن الأنظمة، مهما كان شرها، تبقى أفضل بكثير من الفوضى التي لا رأس لها، وفي إطار الأحلام المستعجلة التي نسجها هؤلاء عن اليوم التالي لواقعة شارلي ايبدو، اعتقدوا ان ازماتهم ستلملم أذيالها وتندحر، وانهم سيتحولون الى مركز إستشاري للعالم، " ألم نقل لكم"؟ هكذا سارع بشار الاسد، من مخبأه، موبخا الغرب!، في حين خرج وكيل إيران في لبنان حسن نصر الله يهذي بإحتلال الجليل في محاولة لإخفاء رعبه المتفاقم من نار القلمون!.
ليست الأمور بخير على جبهات الاسد ومشغليه، ومن الواضح أن فرنسا تقود العالم لإعادة رسم أولويات الأزمة السورية، وعلى وقع هذا التوجه تشهد دول المنطقة وعواصم غربية عدة تحركات ولقاءات سياسية وأمنية وديبلوماسية كثيفة لا سابق لها، ينصب محور تلك التحركات على طريقة إدارة الأزمات المندلعة في منطقة الشرق الاوسط من العراق وسورية وصولا الى ليبيا، وحسب تسريبات عديدة بدأت ترشح أن الموقف من نظام الاسد يقع في صلب تلك التحرّكات.
إنّه وقت الحصاد، ولحظة إعادة رسم الخيوط السياسية، في جغرافيا الاحداث وعلى مستوى الفاعلين أنفسهم، ستتكفل التداعيات برسم خريطة التطورات القادمة، ذلك أن حادثة شارلي نبهت " حلف الأطلسي" والغرب من خلفه أنهم باتوا يقعون في دائرة إستسهال إستهدافهم والتأمر عليهم نتيجة تركهم لساحة الشرق لعبث قوى، غير مسؤولة، في تفاعلاتها وإطلاق ديناميات الحروب فيها وتشكيل جيو إستراتيجيتها على مقاس طموحاتهم وأحلامهم النزقة.
إرفعوا أيديكم عن الشرق الأوسط، ذلك هو الشعار الذي من المتوقع أن يحكم علاقات العالم في الفترة القريبة جدا، فلم يعد ممكنا إستمرار إدارة أزماته بالطريقة السابقة، وإلا فإن أوروبا ستكون على خط أحداث كبيرة ومؤلمة كنتيجة طبيعية للفوضى الحاصلة على تخومها الجنوبية، ولعل من مقدمات هذا الشعار تسريبات لعروض تم طرحها على ايران وروسيا على أن يكون لهما حصة في كعكة النظام القادم لحكم سورية وليست كل الكعكة ولا حتى أغلبها.
هل هذا ما يفسر جزءا من مشهد الغضب الروسي والمكر الإيراني والتشاطر الحزب اللاهي؟، انه وقت الصبر " شمس سورية تسطع من صبر الثوار" انه زمن وضع الخواتيم، الحذر كل الحذر ان تغدركم الصورة، انهم راحلون غارقون عصابة الأسد وروسيا وايران، لأول مرة مصير هؤلاء بأيدي ثوار سورية، لن يأخذوا الا ما ستتنازلون عنه، الحذر كل الحذر ألا تدركوا قيمة تضحياتكم في هذه اللحظة، ايران تنزف قادتها على جبهات القتال وتنزف ثرواتها في الميادين المحطمة ، كل المؤشرات تدلل على أنها باتت تقف على عتبة ثورة الخبز ، الأخطاء الاستراتيجية تراكمت حتى كسرت ظهر الجمهورية الإسلامية، تراكمات الخسائر في طريقها للإنفجار، الأحياء الفقيرة وحواضر الطبقة الوسطى باتت تتحضر للانفجار، المفاوضات مع الغرب مزقت الرداء الايديولوجي المهترئ لنظام الملالي، نظام لا مبادئ لديه مستعد بيع كل شيئ في سوق العلاقات الدولية من أجل الحفاظ على رأسه، لم يعد صالحاً للعمل ولا يمكن معه عبور المستقبل.
في روسيا ظهر عجز النظام وفشله الاقتصادي، مشروع بوتين يترنح وبات مادة للتندّر، لم يكن هذا القائد سوى جندياً على لوحة شطرنج القوى المالية العالمية، ومجرد لاعب إحتياطي يجري إزاحته في اللحظة التي تحتاج فيها تلك القوى للفوائض التي جمعها من بيع الغاز والنفط والسلاح، لم يكن في الإقتصاد والسياسة أكثر مما كانه في الدبلوماسية، جرى توريطه بمبادرة دبلوماسية تشبه الفضيحة أبطالها مجد نيازي ورندة قسيس!.
أما الحزب اللاهي فالواضح ومن كلام زعيمه أنّه دخل مرحلة الهذيان التي تسبق مرحلة التلاشي بخطوة، ولكي يخرج من حالة التناقض ما بين محاولة إستثمار إدانة حادثة شارلي ايبدو وما بين أنه يسخر نفسه لحماية زينب حفيدة محمد، فإنه يهد بالإنتحار عبر قذف نفسه من شرفة الجليل!.
انتهت اللعبة، أو إنتهى زمن لعب الصغار فيها، بعد أن أنهتكهم تعقيداتها، المطلوب اليوم تسليم المفاتيح والركون جانبا ليحصي كل طرف خسائره، لكن التاريخ الذي ستشرق شمسه من سورية سيذكر أن السوريين رغم كل جراحهم ورغم قسوة الموت الذي واجهوه صمدوا في وجه كل العواصف العاتية ومضوا في ربيعهم حتى نهايته.
التعليقات (4)