في الجزئين السابقين من سلسلة (جرائم التغيير الديموغرافي) تحدثنا عن سيطرة إيران على المشهد العراقي وقيامها بتشكيل عشرات الميليشيات الطائفية التي تحولت لأداة إيران في القيام باللعب بالتوزيع الديموغرافي للعراقيين والقيام بعمليات التطهير المذهبي.
هنا نستعرض أفعال هذه الميليشيات في سوريا في بلدة السيدة زينب ومحيطها.
قال حسن نصر الله في شهر أيار 2013 ، زعيم ميليشيا حزب الله، أن الميليشيا تتواجد في سوريا لحماية الأماكن المقدسة، في خطاب ركز على استفزاز المشاعر المذهبية عند أبناء المذهبين السني والشيعي، وتحولت مقولة "حماية المراقد" إلى عنوان لكل أنواع الميليشيات الطائفية، التي أنشأتها إيران وأرسلتها إلى سوريا، وبدأت أسماء هذه الميليشيات تبرز وتظهر مع راياتها وقياداتها على الاعلام.
كانت منطقة السيدة زينب وما يحيط بها الهدف الأساسي لهذه الميليشيات، حيث تحولت البلدة إلى مركز لتجمع هذه الميليشيات ونقطة انطلاق لاعتداءاتها على السوريين، وبدأ مسلسل التهجير المذهبي، وتوطين عائلات المرتزقة من عناصر الميليشيات، الهادئ للسيدة زينب، وما يحيط بها من بلدات مثل حجيرة، الذيابية، الحسينية، البويضة وسبينة.
احتلال محيط السيدة زينب
عمد النظام والميليشيات الطائفية غلى تكثيف القصف والقنص على البلدات المحيطة بالسيدة زينب، بالإضافة للحصار الخانق ومنع دخول الغذاء والدواء للسكان. ولعل بلدتي الحجيرة والذيابية نالهما القسط الأكبر من عمليات القصف ومحاولات الاقتحام وأبرز الميليشيات التي شاركت في هذه العمليات هي "أبوالفضل العباس"، " القيادة العامة"، "حزب الله" ، "لواء بدر"، "لواء أسد الله الغالب"، وتمكنت هذه الميليشيات من احتلال هذه البلدات وصولاً إلى ببيلا مع نهاية 2013.
قامت الميليشيات فور تمكنها من اقتحام محيط السيدة زينب، بتنفيذ مجازر بشعة بحق الاهالي، وتعمدت هذه الميليشيات تسريب أخبار هذه المجازر، لاسيما عمليات الاغتصاب وبعض الصور والفيديوهات، بحيث حصلت حركة نزوح كبيرة لمن كان قد بقي من الأهالي.
مجازر
في بلدة حجيرة قامت الميليشيات، أبو الفضل العباس وحزب الله بشكل أساسي، باختطاف أكثر من 300 شخص، سلمت بعضهم للنظام وقامت باعدام البقية ميدانياً.
وفي الذيابية، والتي تحولت لملحمة، فقد قامت الميليشيات الطائفية بحملة هوجاء عقب احتلال البلدة، وقامت باعتقال النساء والأطفال وكبار السن، حيث تم ذبحهم بدم بارد على يد الميليشيات، لا سيما حزب الله وأبو الفضل، وكان عضو المكتب الإعلامي في المجلس العسكري بريف دمشق "أبو قتادة" صرّح لأورينت نت وقتها بأن "قوات الجيش والأمن كانت مصاحبة لميلشيات طائفية من منطقة السيدة زينب كانت وراء المجزرة" وبأن "العديد من النساء والأطفال والشباب اقتيدوا نحو الحواجز بعد اعتقالهم داخل منازلهم وعذبوا بشكل وحشي قبل أن ترمى جثثهم في البساتين القريبة من تلك الحواجز".
يخبرنا السيد "بهاء الدين" عن عملية اقتحام الذيابية "بعد أن احتلوا المدينة بدؤوا بتفتيش البيوت، كانو يخلعون الأبواب ويدخلون البيوت كالثيران الهائجة قتلوا كل من وجدوه حياً نساء أطفال مسنين ... وذبحوا بعضهم بالسكاكين" ستقوم الميليشيات الطائفية امعاناً في الترهيب بترك الجثث ملقاة في الشوارع، وكانت شبكة "سانا الثورة" الإخبارية، نقلت عن أحد الناجين الذين فروا من البلدة قوله "كنا ندوس على جثث جيراننا وأقربائنا وأولادنا ونحن نحاول الهروب".
لم يستطع الناشطون حتى الآن توثيق شهداء الحجيرة والذيابية بسبب قيام ميليشيات إيران بأخذ البطاقات الشخصية من الشهداء والتنكيل بالجثامين، ويعاني المهجرون من هذه البلدات الأمرين بين قسوة التهجير والتشرد، وبين انعدام أي معلومات عن آلاف المفقودين وحالتهم، هل هم معتقلين أم شهداء.
تهجير
قامت الميليشيات بعد سيطرتها على البلدات المحيطة بالسيدة زينب بطرد من تبقى حياً في هذه البلدات، كما منعت عودة الأهالي الذين حاولوا العودة إلى بيوتهم، وبذلك أصبحت السسيدة زينب، وبلدات مثل الحجيرة والذيابية والحسينية خالية تقريباً من أهاليها، وتحولت إلى مركز لتجمع المرتزقة من عناصر الميليشيات الطائفية وعائلاتهم.
يقول "أبو نصار الشامي" الناشط في جنوب دمشق "السيدة زينب خالية من أهلها وكذلك الحجيرة والذيابية، لقد حاول الأهالي عدة مرات العودة لكن الميليشيات الشيعية منعهتم " وقد حاول الأهالي حتى وضع وساطات من قبل النظام، لكن الميليشيات رفضت السماح لهم بالعودة "حالياً المنطقة للشيعة فقط عائلات لعناصر الميليشيات بالإضافة للكثير من الإيرانيين والعراقيين استوطنوا بالمنطقة".
الراية الصفراء
في وصفها لحال السيدة زينب ومقامها كتبت (غدي فرنسيس) المعروفة بموقفها العنصري من الشعب السوري وتأييدها لحزب الله، في مقال طائفي يحمل عنوان "نحن الشيعة" وصفاً لأحد مكاتب حزب الله في السيدة زينب " صورة السيد موسى الصدر وصورة للسيد علي الخامنئي وصورة للسيد حسن نصرالله، أنظر إلى باب المكتب، إنها الراية الصفراء. وليس هذا بسرٍ أمني أو إعلامي. لا بد أنني في مكتب حزب الله" وتتابع في مكان آخر متفاخرة بتجمع المرتزقة الذي يحتل السيدة زينب ومحيطها "أنظر حولي، هنا اللبناني والإيراني والسوري والعراقي والباكستاني واحد في التصنيف المذهبي. لكن لكلّ نوع عمل ومهام".
استيطان وتغيير الملامح
تقوم إيران بتغيير ملامح السيدة زينب ومحيطها دينياً واجتماعياً لتكريس عملية التغيير الديموغرافي، لتأكيد سيطرتها على المنطقة، فبدأت الجمعيات الدينية بالانتشار، وامتلأت الجدران والشوارع بصور ملالي طهران والعبارات الطائفية التي تدعو للقتل والثأر.
ومن أخطر الجمعيات التي تنشط في السيدة زينب، هي جمعية "كشافة الإمام المهدي" التي تستهدف الأطفال، حيث تقوم باجبارهم على الانخراط بنشاطات دينية طائفية وطقوس غريبة من البكاء والندب وصيحات الانتقام والقتل، كما يتعود الأطفال على مشاهد الدماء وقصص قطع الرؤوس والانخراط في طقوس عاشوراء الدموية.
كما أن هذه الجمعيات تشارك دوما في تقديم عروض شبه عسكرية في دلالة مباشرة على المستقبل الذي ينتظر هؤلاء الأطفال، فهم يعدون ليكونو وقودا وذراعا خارجيا لإيران، التي تهيمن على عموم هذه الأنواع من الأنشطة، فصور الخميني والرموز الإيرانية لا تفارق أي نشاط لهذه الجمعيات
مع الاحتلال الأمريكي للعراق وعودة النشاط للتجمعات والولاءات الدينية دخلت إيران بقوة، وباعادة السيناريو اللبناني، بدأت جمعيات الكشافة تغزو المجتمع العراقي، وبالتالي صنع اجيال من المتزمتين مذهبيا والتابعين لإيران ووليها الفقيه، وهي الآن تتابع في سوريا ما بدأته بالعراق ولبنان، و"جمعية كشافة المهدي" هي من أهم هذه الجمعيات حيث تستقطب الأطفال وتعدهم ليكونوا وقوداً في مشروعها الدموي.
تقع بلدة السيدة (الست) زينب جنوب العاصمة دمشق، وهي مقصد للزوار من أبناء المذهب الشيعي بسبب وجود مقام للسيدة زينب بنت الحسين حفيدة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد عرفت حركة الزوار نشاطاً كبيراً بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، حيث عرفت البلدة نشاطاً سياحياً كبيراً حيث كان يقدر عدد الزوار بـ 2 مليون سنوياً. وكانت البلدة وما يحيط بها من مناطق ذات كثافة سكانية عالية حيث يتواجد بها بالإضافة لسكانها الاصليين الكثير من أبناء الجولان المحتل والفلسطينيين بالإضافة لبعض ابناء المحافظات السورية الأخرى الذين استقروا بها لقربها من العاصمة.
التعليقات (4)