سيدة من داريا تروي لأورينت نت مأساة رشا وزوجهاوأبنائها

سيدة من داريا تروي لأورينت نت مأساة رشا وزوجهاوأبنائها
سجلّت الحرب الجارية في سوريا سجلاً حافلاً بالمآسي الإنسانية وقصص المعاناة التي سيخلدها التاريخ يوماً ما لأطفال ماعرفوا من سنوات عمرهم إلا شكل الموت وصوت القذائف ورائحة الدم، ولآباء سخروا كل مالديهم ليحموا عرض الوطن المهتوك، ولسيدات كانت جدران المعتقل بيوتهن، أقمن فيها، وعشن ونمن وأكلن داخلها، حتى ولدن داخلها! كل ذلك جزاء ما اقترفت ضمائرهم من الحرية ونصرة المظلوم.

"رشا" سيدة في الثلاثينيات من عمرها، ضاقت الأرض بها وبزوجها، وتكررت محاولات الإيقاع بزوجها في أيدي مخابرات النظام السوري، نظراً لأن الرجل كان من الثائرين في مدينته داريا، الذين حاولوا بشتى ما استطاعوا أن يغيثوا مدينتهم المنكوبة، حتى باتت الأرض نفسها جحيماً عليهم.

عانى زوج رشا أشد معاناة للهروب بنفسه وعائلئته بعد قدوم دوريات مداهمة بشكل متكرر إلى بيته، ومع أنهم بقوا في المدينة فترة طويلة حتى بعد خلوها من الأهالي إلا أنهم لم يستطيعوا البقاء أكثر من ذلك، نتيجة تحول المدينة لحالة صراع وحرب حقيقية لامجال لوجود أي مدني فيها، فخرجت رشا مع أبنائها الثلاثة من المدينة وبقي زوجها فيها، وبات شبح الاكتئاب والقلق يخيم عليها وانقطعت أخبار زوجها عنها، مما أثار الرعب في نفسها أكثر من ذي قبل.

بعد أيام تكلم معها زوجها "أسامة" مخبراً إياها بأنه بات في لبنان وسيهيأ نفسه للعيش هناك وسيكمل رسالة الماجستير خاصته!

لم تخفٍ رشا فرحها المشوب بالحزن لنجاة زوجها، وباتت مشاعرها تتنازع بين الفرح والسعادة، بين الألم والحنين، بين الفقد والأمان، تارة لفرحها بنجاة زوجها من أيدي قوات النظام وتارة أخرى لابتعاده عنها دون أن يخبرها، الأمر الذي أصابها بحزن كبير تسبب باكتئاب لها، تبدت آثاره على جسدهاـ إذ باتت رشا تحس بألم شديد في رقبتها حتى بات يتشكل على هيئة كتلة، وبعد الفحوصات والتحاليل تبين للعائلة أن رشا تعاني من السل!

خاف والدا رشا عليها، خوفهم على طفل صغير، وباتوا يرعونها بقلوبهم قبل عيونهم، وأمعنوا جهدهم لتذهب لزوجها مع أطفالها علَّ حالتها تتحسن قليلاً، وفعلاً ذهبت رشا مع أطفالها إلى لبنان لأسبوعين إلا أن أوضاع زوجها كانت هناك سيئة نظراً لغلاء المعيشة ولم يستطيعوا العيش كعائلة، فطلب منها زوجها العودة إلى سوريا وإخراج جوازات لها ولأطفالها ليختاروا بلداً آخر يعيشون فيه، وعندما عادت رشا إلى سوريا اكتشفت بأنها حامل!

ومع كل الأحداث التي مرت بحياة رشا إلا أن الاكتئاب لازال مسيطراً عليها، كانت تخاف من مسقبل غامض ومن مصير مجهول، كانت قد فقدت كل شيء ولم يعد لديها سوى أرواح صغيرة أمامها تفكر بها وبمستقبل ينتظرها لم تعرف عنه شيئاً!

في يوم 22/5/2014 ذهبت رشا إلى مركز الجوازات في دمشق مع أخوات زوجها وأطفالها، ليصل الخبر بعد ساعات إلى أهلها أن رشا وأطفالها وأخوات زوجها قد اعتقلوا من مركز الجوازات!

حل المساء وخيم الظلام على أرواح الصغار، أويس البالغ من العمر 4سنوات، ومنى البالغة من العمر سنتان ونصف وبتول البالغة من العمر سنة ونصف، إضافة لطفلين توأمين في بطن رشا قد يظنان أن حدود الحياة في جدران مظلمة رطبة وسقفها أسود، قد تصرخ الأم صرختها الأولى عند ولادتهما وتكون صرخ حسرة لاصرخة فرح بمجيئهما!

وصل خبر الاعتقال إلى زوج رشا فضاقت عليه الأرض بمارحبت، ولم يجد مكاناً يأوي حزنه وألمه على ما حلَّ بعائلته سوى أن يسلك "طريق الموت" أن يهاجر ويبتعد، علّه يحصد قليلاً من الأمل، أملٍ في الانتظار.

ذهب الرجل إلى تركيا ومنها خطط للسفر إلى ألمانيا، ليغرق القارب الذي يقلّه ويغرق معه الزوج، وتستقر حكاية مأساته في قاع بحر مظلم، لطالما ابتلع قصصاً أخرى لفارين من الحرب والمأساة، بات البحر شريكاً في الجريمة.

دخلت رشا إلى المعتقل بأربعة أرواح، وهاهي الآن وبعد مرور أشهر صار معها روحان جديدان لطفلين أنجبتهما في عتمة المعتقل، لم تعرف رشا حتى الآن ما حلَّ بزوجها ولربما كان خيراً لها ألا تعرف، كيف لقلب سيدة في رونق عمرها أن يكدّس كل تلك المآسي داخله؟!

حساب وهمي على صفحات الفيسبوك يطمئنهم بشكل متقطع عن أخبار رشا، تارة يخبرهم بأنها ولدت بتوأم، وتارة يخبرهم عن وضعها السيء، وتارة يخبرهم عن مكان احتجازها، وآخر ما أخبرهم به اقتيادهم أطفالها إلى مركز لإيواء الأيتام مع غياب أي خبر عن رشا، صاحبة المعاناة الأكبر.

وتؤمن أختها أن ليس لدى رشا أي نشاط سياسي أو إغاثي لتعتقل بهذا الشكل، لم يشفع لها أي شيء لتخرج من المعتقل.

ورغم تعدد صفقات إطلاق سراح المعتقلين مع النظام ووضع اسم رشا وأطفالها الخمسة فيها، إلا أن النظام حتى الآن لم يستجب لإطلاق سراحها.

في تلك الزنزانات المغلقة، وخلف الجدران التي حفرت آلاف القصص، هناك مآسٍ لم تصلنا لأناس كتب عليهم الفساد والظلم أن يعشيوا واقعاً أسود.

وخلف قصة رشا تختبئ آلاف الحكايا وآلاف الدموع، ليبقى الصمت وحده يعبر عما تعانيه هذه البلاد من أوجاع.

*(القصة تمت بمقابلة مع شقيقة السيدة رشا)

التعليقات (2)

    معاوية الأموي

    ·منذ 9 سنوات 3 أشهر
    أنا قلت من قبل وأعود للقول إن كتاب السيناريو والقصص سوف لن يجدوا متسعا من الوقت وهم يروون مآسي الشعب السوري وقصص وويلات سنبقى نتحدث بها ربما إلى قيام الساعة.. وحسبنا الله ونعم الوكيل

    احمد بن طافر

    ·منذ 9 سنوات 3 أشهر
    صبرا ل ياسر النصرحليفكم....
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات