انشقاق مبكّر
في منتصف أيلول عام 2011 شهدت الثورة السورية تحولاً مفصلياً، بعد انشقاق أول ضابط درزي عن جيش نظام الأسد، في الوقت الذي كان فيه عدد المنشقين السوريين لا يتجاوز أصابع اليدين، عندما شكّل المقدم حسين هرموش حركة الضباط الأحرار، كأول فصيل ثوري عسكري مناهض للنظام، وقد أعلن الملازم أول المهندس خلدون زين الدين عن انشقاقه في بيان مصوّر، من محافظة درعا جنوب سورية، حيث شكّل انشقاقه صفعةً قويةً لنظام الأسد الذي يدّعي تمثيل وحماية الأقليات في وجه ما كان يطلق عليه "العصابات الإرهابية المتطرفة".
جبهة السويداء
أعلن زين الدين بعد انشقاقه بوقت قصير عن تشكيل كتيبة "سطان باشا الأطرش"،وبدأ العمليات العسكرية ضد مواقع تتبع للنظام، وقد بقي حوالي السنة ونصف في درعا، خاض خلالها الكثير من المعارك وأصيب أكثر من مرة كاد يفارق الحياة في إحداها، حتى قرر فتح جبهة السويداء واستعد لذلك وتجمّع مع عشرات المقاتلين، 5 منهم فقط من السويداء والباقي من ثوار درعا وكتائبها، تحت مسمّى "تجمع أحرار السهل والجبل" وذلك مع بداية الشهر الأول من عام 2013.
استشهاده
بعد أن اتخذوا مقراً لهم في منطقة ظهر الجبل في السويداء، اضطر الثوار وقتها نتيجة ظروف الطقس وتساقط الثلوج لتأجيل تنفيذ العملية التي كان مخطط لها، ولسوء حظهم تم كشف مكانهم، فباغتتهم أجهزة الأمن وحدثت المعركة الأولى بتاريخ 10 كانون الثاني، استشهد خلالها المساعد أول سامر البنّي وهو من أبناء السويداء، المنشقين عن النظام، فصمد الثوار لساعات ثم اضطروا للانسحاب، وفي تاريخ 12 من الشهر نفسه اندلعت معركة أخرى أصيب على إثرها قائد تجمع أحرار السهل والجبل الملازم أول خلدون زين الدين بطلق قناص في الرأس أرداه فوراً، وقام شقيقه ورفاقه بدفنه في موقع قريب، وخلال تلك المعارك استشهد ما يقارب 18 مقاتلاً من أبناء درعا حيث نكّلت بهم اللجان الشعبية في السويداء أثناء انسحابهم.
غياب الدعم
وحسب شهادة من شاركوا في تلك المعارك، فإن الثوار لم يتلقوا أي دعم أو مؤازرة من داخل السويداء، باستثناء "فزعة" بعض الشبان الذين عرضوا أنفسهم للخطر لمساعدة الثوار وتأمينهم، بعد أن كانوا قد تلقوا وعوداً كثيرة من معارضين داخل السويداء زعموا أن أعداد كبيرة مستعدة لمؤازرة الثوار خلال المعارك، تبيّن أنها أوهام، فلم يظهر أحد من هؤلاء، في الوقت الذي تحركت فيه أرتال عسكرية من (لواء العمري) ومقاتلين من بدو السويداء، قاموا بمساندة الثوار وإسعاف الجرحى.
عانى زين الدين من نقص في العدد والعتاد، فلم يكن يتواجد معه من الدروز سوى 20 مقاتلاً، معظمهم دون سلاح، على عكس ما كان يروّج البعض، وخاصّة المجلس العسكري لمحافظة السويداء الذين كان يدّعي وجود مئات المقاتلين، في حين تبيّن لاحقاً أنه كيان خلّبي لا وجود له على الأرض.
تقدير أهالي درعا
احتضنت درعا الملازم أول خلدون زين الدين قرابة العامين، وكانت بيوت الأهالي مفتوحة جميعها له، وقد عقد قرانه في قرية "الكرك" على فتاة من السويداء اسمها أميرة أبو حصاص كانت متطوعة في الجيش برتبة ملازم أول قبل أن تنشق.
خضع الملازم أول خلدون زين الدين لعملية جراحية معقدة بعد إصابة بليغة تعرض لها في إحدى المعارك، استمرت العملية لساعات وأجريت في مشفى الحراك الميداني، حيث قام وقتها الثوار بتشكيل طوق عسكري وإقامة حواجز لتأمين المشفى حتى نهاية العملية التي تكلّلت بالنجاح.
حظي خلدون زين الدين بتقدير كبير بين أهالي درعا لانضباطه وسمعته الحسنة، وكان يشكل وجوده توازناً بين السهل والجبل، فكان يتم احتواء أي فتنة، في حين تصاعدت حدة الإشكاليات بعد استشهاده، لا سيّما بعد المعركة الأخيرة، عندما استشهد 18 شاباً من درعا في منطقة ظهر الجبل، حيث نكّلت بهم اللجان الشعبية خلال انسحابهم.
كان يشكّل خلدون المرجعية الثورية والبوصلة للثوار، كما يصفه الكثيرون منهم، وقد ظهرت بعد غيابه خلافات وإشكاليات داخل المجلس العسكري، الذي لم يكن هناك أي تنسيق بينه وبين تجمّع أحرار السهل والجبل.
انشقاقات مستمرة
لا تزال انشقاقات أبناء الطائفة الدرزية عن جيش النظام مستمرة، إلا أن معظمها لا يتم الإعلان عنه لأسباب تتعلق بالخوف على أهالي المنشقين، وأخرى تتمثّل بوجود انطباع أن الأمر لم يعد مهماً، لا سيّما أن أكثرية المنشقين يغادرون سورية دون أن ينخرطوا في القتال، ومن جانب آخر استشهد العديد من أبناء السويداء في مناطق متفرقة من سورية في معارك ضد النظام، مثل الرقيب أول المنشق مجد زين الذي استشهد على أرض الرستن بتاريخ 17 تموز من عام 2012، والعسكري المنشق سمير أبو فخر والشاب باسل الشمندي الذين استشهدا في غوطة دمشق.
توقف الحراك العسكري
لا يوجد حالياً أي حراك عسكري منظّم في المنطقة الجنوبية لأبناء السويداء، بعد خروج ما تبقى من مقاتلين على إثر صدامات مع تنظيمات متشددة وتحديداً (جبهة النصرة)، ورغم تأكيدهم على إمكانية بقائهم تحت حماية الأهالي إلا أن المقاتلين الدروز فضلوا الخروج إلى الأردن على البقاء دون أن يكون لهم دور في العمليات العسكرية.
تفيد المعلومات التي حصل عليها (أورينت نت) أن أجهزة الأمن تمكنت من كشف المكان الذي دفن فيه الملازم أول خلدون سامي زين الدين، بعد أن غطاه شقيقه الملازم أول المنشق فضل زين الدين بالثلج الذي تجاوز سماكته وقتها المتر ما جعل حفر التراب صعباً، على أمل أن يأتي ناشطون وينقلون الجثة لدفنها في مكان آمن، وحتى اللحظة لا يزال مصير الجثة مجهول.
التعليقات (3)