كان جيداً أن يسلط الإعلام الضوء على ما يتسرب للخيام وما حولها من مياه وريح وطين، بل هي لفتة إنسانية أن يصور بعض الأطفال أو بعض الرجال والنساء يغوصون بالوحل ويرتجفون برداً، ولكن هنا ليس مربط الفرس بالنسبة للسوريين.
في وطني أيها السادة وفي منظور النكبات، فإن الطبيعة كانت رحومة في عاصفتها، هي لم تفن عائلات كاملة عن هذا الوجود ولم تقتلع العيون والكلى وبقية الأعضاء الآدمية وتتاجر بها، هي لم تسوِّ مدناً وقرى بالأرض، حاصرت مخيمات النزوح نعم، لكنها أفرجت عنها للشمس وللخير، وغداً حين تنثر البذور لتنبت وتغذي جائعاً، سنتذكر بياض الثلج وننسى عصف الريح، وعندما تخضر الأرض ستمحي من الذاكرة سواد الغيوم.
في وطني أيها السادة وفي ذاكرة النكبات، قد شوي اللحم الآدمي وهدمت منازل لتغيب السكينة عن أهلها، والتهم الكيمياوي أرواح النيام، فنامت على ألواح الجليد أخلاق أمم ظنناها يوما قدوة في التطور والحقوق، وعلى هذا نحن لم نندب ضحايانا في سوريا بل ندبنا مسميات لم نتوقع أن يتخلى عنها من احتل دماغنا بدروس الحضارة ومفاهيم الحقوق المدنية.
ما يقارب السنوات الأربع من عمر ثورتهم، هتف السوريون لإنسانية هذا العالم كي تتضامن ببضعة قرارات تدون للتاريخ على الأقل، فعاد الصوت مكسوراً من قادة أمم جعلها مجلس الأمن المختل قانونياً في محنة أخلاقية أشد من كل عواصف الطبيعة.
في بلاد الشام حين لم يبق باب أو نافذة إلا وتسرب منها عار السياسة والدول، تقلقنا عاطفة اللاشيء نحو من يجابه الريح والثلج، وحين يتبختر القتلة في وضح النهار على جثث الضحايا، فيقابله العالم المتحضر ومجلس أمنهم بمبعوثي سلام لا يشبهون سوى عار الفيتو الذي دمغ بدماء الطفولة، وفي بلاد الشام الطيبة نقلق بقلق لا يشبه مشاعر السيد بان كي مون، بل بقلق يشبه معالم الروح الطبيعية التي وجدت على أرض رسائل الله السماوية.
سيفرح اللاجئ بخيمة جديدة وبطانية أخرى وكسرة خبز، لكنه كان سيفرح أكثر وسيخلّد للتاريخ أنكم حافظتم على كرامته في بيته وصنتم آدميته على أرضه، ووقفتم بجانب حقه في الحرية حين كان على مساحة الأمان، كان سيقول يا الله ما أروع شركاءنا بالإنسانية وكم يحوون من كبرياء ونقاء في الروح.
هي عاصفة نعم، ولكم الشكر على كل لحظة بث رافقت مأساة أولئك الذين مأواهم خيمة وطين، واستمتعتم بتصوير مغامراتهم مع الريح، لكن ومع الريح أيضاً سنوزع ملامحكم حين استبدلتم أصل مآسينا على شاشاتكم بلعبة النسيان، وجعلتموها محصورة بأزمة تهجير وضيق ذرع في الجوار، لم يعد الكلام مجدياً سوى لذاكرة التاريخ القادم، لأن من يلعب في كبد الحقيقة لتصبح مشوهة المعالم، مستمتعاً برئيس يلهو بآلاف الدبابات والمرتزقة وبهدير الطائرات بين منازل السوريين، لا يلزمه تحليل سياسي ولا حتى تحليل دم، بل تحليل في ملكات مهارة الفهم والإدراك، فتصبح العاصفة المناخية حين تبعد طائرات الأسد مع براميلها عن سماء سوريا، وينعدم الموت الحامي لأربع وعشرين ساعة، هي بحد ذاتها تحليل سياسي عميق لما حملته عاصفة أخلاقية لقادة أمم من تلوث سلوك خلال تجهيز المناخ السياسي للقتل.
العاصفة (هدى) حملت في جعبتها ألف سؤال جديد عن مستقبل الإنسانية القاتم حين يهجرها رجال الدولة المرموقون ورجال الفكر المميزون ورجال دين متصالحون مع هدى ربهم، ليطفوا على السطح رجال قتل بصفات وتسميات ملتبسة تعيدنا إلى همجية من أطلق الحروب العالمية ودمر مدن الحضارة في جارتنا أوربا، وإلى زمن المغول حين استباحوا حضارة الشرق هنا وأرادوها حرب أنياب في جثث تماماً كما حرب الأسد ومن خلفه.
التعليقات (0)