ثورات عالية الخطورة: الثورة السوريّة نموذجاً!

ثورات عالية الخطورة: الثورة السوريّة نموذجاً!
سأحاول في بداية هذا المقال, تلخيص عوامل الخطورة التي قد تعيق و تنقص من احتمالية نجاح الثورات بشكل عام.

أولاً: طول فترة الاستبداد.

. فكلما طال أمد الاستبداد سيصبح التخلص منه أصعب. فالنُظم الاستبدادية عبر وعلى مدى عقود تقوم بتصحير الحياة السياسية, والغاء فعالية الاحزاب والنقابات وأي مؤسسات أو هياكل تنظيمية يجتمع من خلالها الناس. وتقوم هذه النُظم كذلك بتقييد الحريات العامة وتسطيح الحياة الثقافية وتقليص الفضاء العام المشترك بين المواطنين.. مما يؤدي لنشوء أجيال لا خبرة لها بالسياسة, وقاصرة فكريا عن ادراك مصالح التغيير والانتقال الديمقراطي.

ثانياً: زيادة درجة القمع في النظم الاستبدادية

: كلما كانت السلطة الاستبدادية أشد سطوة وتتحكم أكثر في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع, كلما كانت احتمالية نجاح الثورة ضدها أقل, فعدم وجود شخصيات سياسية واجتماعية مشهورة ومعروفة ومُقدَّرة ذات هيبة على نطاق واسع في المجتمع – على غرار نلسون مانديلا او غاندي - سوف يعيق استمرار ونجاح الثورة ..لما للقائد / القادة دور هام في تكتيل الحشود المنتفضة وتعريفها, وهذا العامل يتضافر مع العامل الأول (طول فترة الاستبداد) في التأثير.

ثالثا: وجود انقسامات عامودية في بنية المجتمع المَحكوم

, سواء كانت عرقية أو دينية طائفية أو قبلية, فالأنظمة الاستبدادية عادة ما تكون مُتلوِّنة ومعتمدة على تقريب فئات معينة لتمكين نفسها.. وعندما تقوم ثورة ضد النظام الاستبدادي فإنها سرعان ما قد تتحول إلى حرب أهلية بسبب اصطفاف هذه الفئات الى جانب النِّظام الاستبدادي لوجود النزعة العصبيِّة والخوف من فقد الامتيازات أو الانتقام.. وإنّ وجود هذا النمط من الانقسامات العمودية في أي مجتمع يعيق تَشكُّل الوطنية, ومفهوم المواطنة المتساوية.. مما يجعلها وطنيِّة هشّة, ومجتمعات قابلة للانفجار مع اندلاع شّرارة الثورة.

رابعا

: وجود سلطة براغماتية نذلة مُستَعِدَّة لتقديم تنازلات للخارج والاقليم , بما يشمل و مقابل بقائها في سُدَّة الحُكم فقط.

خامسا

: هيمنة الدين السياسي , فوجود تيارات أو احزاب دينية مُهيمنة, أو لها شعبية كامنة عامل خطورة, إذ سرعان ما تتحول الثورة ضد المُستبد والاستبداد الى حرب دينية عبثية ..وننتقل من صراع سياسي قابل للحل الى صراع عقائدي ديني لا أمل فيه ( الصراع السني الشيعي حوالي 1400 سنة) وإنّ هذا في حالة الاسلام السَّني سيسهِّل من مهمة النّظم الحاكمة في تحويل الثورة الى حرب على الارهاب ..و سيحظى بدعم دولي في ذلك ..وحتّى في حال نجحت الثورة نحن امام استبداد ديني جديد, يقول الكواكبي في طبائع الاستبداد (بين الاستبدادَيْن: السّياسيّ والدّينيّ مقارنة لا تنفكُّ, متى وُجِد أحدهما في أمّة جرَّ الآخر إليه، أو متى زال، زال رفيقه).

سادسا: الموقع الجيو- سياسي

: كلما كانت الدولة (المَعْنيّة بالثورة) ذات موقع جيو-سياسي مهم و حساس, كلما ازدادت التدخلات الخارجية في مسار الثورة وتسخيرها لخدمة أجندات ومشاريع بعيدة عن مصالح القوى الشعبية التي قامت بالثورة ..ويبدو هذا العامل واضحا ومؤثرا في الثورة السورية والثورة البحرينية مقابل ضعفه النسبي في الثورة التونسية مثلا.

بمراجعة عوامل الخطورة السابقة نجد معظمها موجود في الحالة السورية: فقد استمر حكم الاسد الابن والاسد الأب ما يزيد عن أربع عقود, وقد مارس النظام الاسدي مستويات غير مسبوقة من القمع وارهاب الدولة في التاريخ السوري , والمجتمع السوري يعاني من شرخ عامودي على مستوى الهويّة أبرز ملامحه: علوي – سنّي- كردي, والسلطة الأسدية برغماتية بامتياز, فهي تملك حساسية فائقة, وبارعة في تَجَنُّب التهديدات الوجودية والمصيرية, حماية حدود آمنة مع إسرائيل طيلة نصف قرن , المشاركة في حرب الخليج , إلى التعاون في ملف محاربة الارهاب مع أمريكا, إلى تسليم عبدالله أوجلان , الى الانسحاب من لبنان عقب اغتيال الحريري, الى تسليم الكيماوي بعد مجزرة الغوطة ..الخ. والمجتمع السوري بشقّه السنّي – كغيره من المجتمعات العربية- مخترق الى حد كبير بثقافة الاسلام السياسي (فكرة الدولة الاسلامية- أحكام الشريعة الاسلامية ..) بتياراته المُختلفة من اخواني الى سلفي تكفيري معادي للسلطة الى سلفي وصوفي موالي للسلطة, وقد ساهمت السلطة الاسدية بدورها في تعزيز الاسلام السياسي السنّي بسبب القمع المفرط لأي نشاط سياسي و ممارساتها الطائفية.. و تشجيع التبشير الشيعي قبل الثورة , و لا ننسى أنّ الدين هو حَدّْ الفقر السياسي , وهو الملجأ الأخير للإنسان المقموع بشكل عام, و كذلك إنّ امتلاك سوريا لموقع جيو– سياسي هام على حدود اسرائيل, في منطقة صراع اقليمي ايراني تركي ..سعودي.. الخ كل هذا جعل من الثورة السورية ومنذ البداية حامل لطموحات ومشاريع و أجندات خارجية غير معنيّة أساسا بالمصالح الحيوية للشعب السوري.

وأخيراً, إذا كانت الثورة السورية مَحفوفة بكلِّ هذه المخاطر ومنذ البداية, ألم يكن من الأفضل تجنّبها والعضِّ على الجرحْ تجنّبا لخراب أكبر؟!

أقول ربّما يكون ..و لكن في الاجابة سأعرض إلى ثلاث نقاط:

أوّلا : الثورات غالبا انفجار عفوي وليست بفعل مُسبق التخطيط, انفجار عفوي في مجتمع مأزوم ومضغوط, وعندما تقوم ثورة ضدّ الطغيان لا يمكن للإنسان إلا أن يقف ضد السلطة الاستبدادية الظالمة التي كانت السبب في اندلاع الثورة, يقف مع أبناء شعبه مادامتْ مطالبهم عادلة, وهذا خيار أخلاقي وانساني بغض النظر عن الموقف والمصالح السياسية.

ثانيا: الثورة كأي كينونة اجتماعية هي صيرورة حركية احتمالية, من غير الممكن التنبؤ بدقة بمصيرها مُسبقا, وينبغي العمل على تقويمها وانضاجها بالخبرات السياسية ما أمكن, ويمكن القول أنّ الثورة السورية ربّما واجهت أسوء السيناريوهات الممكنة بفعل القصور الذاتي وعدم ملائمة وضع الإقليم والظرف الدولي.

ثالثا: لكون الثورة السورية من الثورات عالية الخطورة بامتياز ومنذ بدايتها, كان هذا يقتضي ادراك وتفهّم نقاط الضعف فيها , بغية تجنيبها المخاطر المحتملة , و لكن للأسف لم يتم تقييم ذلك بجدّية , وتمّ النظر الى نقاط القوة كنقاط ضعف, فأصبحنا أمام مسوخ أسديّة متعددة معظمها بلبوس ديني, تنظيمات وامارات ومليشيات تستحق أن يقوم الشعب السوري ضدّها بثورات.. على طريق الخلاص ..والآلام.

التعليقات (1)

    د.أنس خطيب

    ·منذ 9 سنوات 3 أشهر
    صديقي العزيز د.حمزة تحيّة وشكراً على مقالك..وما أود أن أُركّز عليه أنّ العاملَ الأكبرَ في تأخيرِ تحقيقِ أهدافِ الثورةِ السوريّة وانحرافها عمّا قامتْ من أجله هو العبث الخارجي بها للعودةإلى حيث البدء.... حيث أنّ ما يقومُ به النظامُ وعلى مرِّ العقودِ الماضيةِ ما كان ليحلم بها أعداء الأمة أنفسهم........
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات