كلما ابتدأت معركة بالساحل السوري ابتدأ معها القيل والقال وابتدأت معها التحليلات التي لا يخلو بعضها من الدس والتشكيك بطريقة تبدو مهذبة بظاهرها لكن باطنها متخم بالنفاق، فهي إذ تعيش نوبات قلق وأعراض حمى مغلّفة بتعابير الوطنية والعشق الرومانسي الذي يتألم على وطن يذبح، ويتحسر على اللحظة التي خرجت الثورة من فانتازيا أحلامهم وتعسكرت، بينما كان عليها أن تتغنج وتتمايل أمام شعورهم المرهف، وأن يتغاضى الناس عن دماء أبنائهم ويتقبلوا رصاصات القتلة بصدر رحب، وأن تفتح الأبواب لشبيحة نظام الممانعة ليأخذوا الأثاث هدية بلا منية على وقفتهم الشجاعة لحمايتنا من أنفسنا ونحن نتطلع للحرية، أيها الثوار ما أقساكم فأنتم لم تراعوا شاعرية بعض أولئك المعارضين اللزجين كقطع الكاتو الفاخرة، لم تحترموا أيها الغزاة هلامية هيئة التنسيق ورهافة قلب بعض الأحزاب العتيدة ولا دبلوماسية بعض مناضلينا وفنانينا وشعرائنا، لقد شوشتم على تأملهم العميق في مستقبل وطن، دمر نظامه الجوامع واستباح المقدسات بعلمانية الجنتل وبمقاتلية المساكين البعيدين عن الطائفية والمغلوبين على أمرهم، وهو إذ يدعي حماية الأقليات ينطلق من المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الإشتراكي وليس من تخويف الأقليات من هؤلاء السنة الوحوش، الذين لم يصمتوا على شتمهم وذبحهم والتشهير بهم ولم يفتوا بصلاحية عبقرية غسان بن جدو في نظرية النكاح التي استنبطها من ذكاء بثينة شعبان في تحليل جهاد الكذب وتحريم نمو أظافر الأطفال.
تقترب المعركة من الساحل فيصبح السوريون المنكوبون بغيضين طائفيين وغايتهم جر الثورة من ياقتها المكوية وبدلتها الأنيقة إلى مستنقع الانتقام والحقد والثأر والبلطجة، فما جرى بالحولة كان وضع حجر أساس لمشروع رائد في تحسين الصحة النفسية، وما كان في التريمسة هو غبار عجلات الآليات القادمة لبناء روضة نموذجية، أما جديدة الفضل فكان مشروعها شق طريق لعودة نازحي جولاننا منها إلى بلادهم المحررة هناك، فهل نحصي ونحصي أيها السوريون الجهلة الذين لا تعرفون أهمية قيم الحياة وعزة النفس التي حملها لكم شعار إلى الأبد إلى الأبد، وكان عليكم أن تدخلوا الساحل وترفعوه كحسن نية غير طائفية.
استنفر بعض المعارضين قواهم الآن وأخذوا ينظّرون ويصرخون على أن الساحل القابع على برميل بارود يجب عدم الاقتراب من أمواجه كي لا تأخذنا دوامات البحر الطائفية، نعم فحسن نصرالله أرسل أبطاله الشجعان لحماية التراث السوري والجامعات والمدارس والمتاحف ودور العبادة، وحمل فرسانه الشوكولا لأطفال سوريا والماء لشيوخها ونسائها، وكذلك فعل عراقيو المالكي رسل السلام القادمة من الشرق، ومعهم دليل سوري تقطر منه الوطنية مع كل حرف يسأل فيه السوريين: ((بدكن حرية))، وكان يضع جسده جسرا ليعبر أبناء وطنه الطيبون إلى الأمان ولم يرصف الأجساد ليقفزعليها كضفدع خرج من مستنقعه وحمل معه رائحة الرطوبة العفنة، أيها السوريون الطائفيون اتركوا الساحل السياحي آمنا يبيع منتجاتكم الأهلية في أسواق السنة اللاطائفية، فالإيرانيون هم مستشارون علميون وقدومهم اللاطائفي منذ اللحظة الأولى لانطلاق ثورتكم كان لقنص فرص لإرسال أبنائكم إلى أكاديمياتهم العلمية كي تبنوا وطنكم على طريقتهم اللطمية في صياغة الحضارة.
مثقفون لا طائفيون هكذا عرّفوا عن أنفسهم ودخلوا الثورة من باب قداستهم التي يجب على السوريين أن يصونوها، فهم لهم الفضل والمنّة أنهم ليسوا في التشبيح اللاطائفي الذي يمارسه النظام؟ ولكن لا ضير إن شبحوا قليلا على الثوار من باب المونة والزمالة بالمؤتمرات والفنادق وبطاقات الطيارات للتنقل بين العواصم على الأقل، يا لطائفيتكم أيها السوريون كان عليكم تغيير النظام بالريموت كونترول عن بعد وترك الساحل يفرخ لكم القتلة، اتركوا الصلاة على شهدائكم وشدوا الرحال إلى منافيكم وشدوا حبال خيامكم ولا تقتربوا من البحر إلا كطالبي لجوء إلى القارة الباردة عوضا عن الاقتراب منه للبحث عن أفئدة أحبائكم أين دفنها اللاطائفيون الذين تركوا البحر وغزوكم منذ عقود.
ثلاث سنوات من تهشيم النسيج السوري وأناشيد اللطم "اللاطائفية" في قلب عاصمة الأمة هي مزحة عابرة لم تمر على مآذن الجوامع التي أطيح بها أرضا ولا على أعضاء بشرية مزقتها الطائرات، ثلاث سنوات مقتطعة من تلك العقود المرة لم تكن سوى حقل تجارب لرائحة البخور وليس البارود، ورائحة الياسمين وليس الكيمياوي.
تحرك شجعان الساحل ليغلقوا باب العواصف عن قلب الوطن فأطلت علينا بعض صفحات الفيسبوك لأصحابها ثوار المؤتمرات والندوات وصالونات الثقافة وأصحاب بعض الزوايا في بعض الجرائد المصطنعة التي أخذت تسرق مصطلحات الوطن وتعتاش على مساعدات من منظمات أوربية أو غيرها مجهولة الهدف لتتحفنا بخوفها من بعبع الطائفية القادم، ثلاث سنوات وأولئك المعارضين الأكارم غير الطائفيين لم يلاحظوا رايات صفراء تتجول في أنحاء سوريا وتتمترس وتتدرب وتجند وتقتطع مساحات وقرى وتستهتر بكل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية، لم يلاحظوا جثث سوريين كتب عليها لبيك يا زينب لبيك يا حسين وكأن السوريين وحوش برية جاءت مستوطنة إلى هذه الأرض، فقط ساءتهم راية لا إله إلا الله وتقدم الثوار الذين أصبح ذووهم خارج البلاد على أبواب منظمات الإغاثة تهاتر بهم، ربما اختلطت الرؤية مع أولئك المتخمين بثقافة القيل والقال واعتقدوا أن من عبر الحدود لخارج الوطن كان بحماية جيشنا الوطني و مصاريفهم كانت على نفقة خزينتنا المصانة من جهات لا طائفية، بل اختلطت الرؤية عندهم عن عمد ليسوقوا لبعض البسطاء أن ثوار سوريا هم الدواعش الذين جاؤوا ليحرموهم من شفط نفس النركيلة في مقاهي السمر والأنس. وكأن هذه المعارك الأخيرة هي التي ستؤسس لشرخ في المجتمع وما حصل طيلة السنوات الثلاث كان مجرد حفلة تنكرية أو ربما حلقة طويلة من برنامج الكاميرة الخفية.
التعليقات (7)