صراع التفاوض بين السلطة والثورة

صراع التفاوض بين السلطة والثورة
يمكن وصف المواجهة السياسية التي أعقبت طرح المبادرات السياسية التي تطمح إلى إعادة إنتاج النظام السوري، أنها مواجهة بين تيارين سياسيين داخل المعارضة السورية: تيار سياسي يحلم بالوصول إلى السلطة، وتيار سياسي يرغب بالتغيير!

يوظف التيار الأول في طرحه التعويل على دعم الطبقة التي لم تشارك بالثورة، وبقيت أقرب لمصالحها من اتخاذ موقف من التغييرات السياسية، بينما التيار الآخر بقي وفياً - ولو شعاراتياً - لأهداف الثورة وأحلامه بالتغيير الاجتماعي والسياسي العميق.

أستند التيار الأول إلى الدول الداعمة للنظام السوري من أجل البحث عن مشروعية سياسية راعية، بينما استند المعارضون إلى دعم الثورة.

إن المواجهة الصعبة اليوم في سوريا، لا يمكن بحال من الأحوال وصفها أنها صراع بين تيارين سياسيين مختلفين، أو صراع بين أيدلوجيات مختلفة، أو صراع بين العلمانيين والإسلاميين، بل هي مواجهة تتسع لتشمل المواجهة بين مشاريع تتصارع على الثورة السورية وفي داخلها، يتقابل فيه إسلام سني صاحب مظلومية مع إسلام شيعي معتدٍ، وجاهة التوصيف، جعلت هذا الصراع بين الإسلام الشيعي الأسود والذي من أخص خصائصه العنف، والإسلام السني الأخضر والذي من اخص خصائصه المدنية، مما يجعلنا نتحدث عن صراع ديني.

ربما تعيد المبادرات الأخيرة للأذهان، الحديث عن مراجعة تاريخية قريبة للمشهد السياسي السوري المعارض، حيث كان يتقاسم المشهد تيار إسلامي وأخر علماني، هذه الخصائص انتفت خلال الثورة السورية، لنجد أنفسنا أمام تيار سياسي أخص خصائصه الدعم الإيراني وتحديداً (هيئة التنسيق) التي تنبذ العنف، ولكن العنف القادم من جهة الإسلام السني فقط، ولا ضير بالعنف القادم من الإسلام الشيعي المتجسد بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله والمقاتلين متعددي الجنسيات من معتنقي المذهب الشيعي، وبتمركزها حو المحور الروسي/الإيراني، لا يمكن وصف هيئة التنسيق أنها تمثل التطلعات السياسية للثورة السورية، خاصةً أنها لا تملك برنامج سياسي يتبنى مطالب الثورة السورية ولا تملك كوادر مدينة ذات دور فاعل في الحراك، وهي تضم شخصيات يرتبطون بالنظام ارتباط وثيق، والذي بدوره يقود نشاط الهيئة كما يرغب، وهي تتغذى من سياسات الفروع الأمنية، ولا يخفى على أحد السيرة السوداء لغالبية كوادر الهيئة والأدوار التي لعبوها في التشويش والاختراق وتنفيذ الخطط السياسية والإعلامية للنظام، أشياء تنفي قدرة الهيئة على الزعم بوجود قاعدة شعبية لديها وقدرتها على تمثيل جزء من الثورة، ولا يمكن اعتبار تواجد بعض الشخصيات التي كان لها تاريخ نضالي في الثمانينات وتوظيف رصيدهم السياسي كمبرر لاختراق الثورة سياسياً.

هيئة التنسيق التي مضى على تأسيسها سنوات لم نرَ منها سوى الأقوال المساندة بشكل خجول للثورة، بينما بقيت الأفعال الغير خجولة مساندة للنظام، لذلك لا يمكن بشكل من الأشكال اعتبارها تيار إصلاحي داخل بنية المعارضة السورية، مهما كانت الأخطاء الكارثية التي أرتكبها الائتلاف ومن قبله المجلس الوطني، والحديث عن سوء إدارة سياسية للائتلاف لا يعني اتخاذ الهيئة لدور قيادي في أي مشاركة في عملية تفاوض، ولا يمكن لأحد أن يتغاضى عن الظرف السياسي التي نشأت فيه الهيئة والشخصيات التي تضم والتي أسفرت عن ظهورها للعلن، ولا يمكن لأحد أيضاً التشكيك بالصلة الوثيقة للنظام وفروعه الأمنية بتسيير أجندتها.

ومن الواضح أن التركيز على من يقود الحركة التفاوضية، بدل الحديث عن التغيير الجذري والتحول الديمقراطي، وكذلك التركيز على الفاعلين في القيادة التفاوضية بدل التركيز على المبادرات ومضمونها، لا يقدم مساعدة في الاقتراب من الواقع السياسي السوري، بقدر ما يحمل مساعدة للنظام وإعادة إنتاجه.

هيئة التنسيق هيئة مارست اعتراضاً على المعارضة منذ نشأتها، أكثر بكثير مما مارسته على النظام، ولا يمكن وصفها أنها تمثل الثورة السورية لافتقارها لبرنامج سياسي يتبنى مطالب الثورة السورية، وخاصةً بما يخص تحديات التغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العميقة، وهي هيئة في السلطة أكثر من كونها هيئة سياسية معارضة، لأن الحركة السياسية المعارضة لا تربط وجودها بوجود السلطة المعترضة عليها بمقدار زوالها، وهذا لا يمكن زعمه في هيئة فيها من أجندة السلطة الشيء الكثير، الذي لا يمكن تجاهله، حيث حجم التضاد فيها للثورة والمعارضة على حد سواء، يخدم رؤية النظام وأجندته أكثر من معادته.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات