التكتيك العسكري للجيش الإسلامي في الحروب الصليبية

التكتيك العسكري للجيش الإسلامي في الحروب الصليبية
ليس من شك في أنّ الحروب الصليبية كانت أول حرب عالمية عرفها التاريخ، إذ لم يسبق للقارة الأوروبية قبل هذه العاصفة الجنونية أن اهتزت بأسرها لعاطفة واحدة وعملت لقضية واحدة، وزحفت في جيش موحد وهدف واحد. فلقد كان دعاة الحرب الأوروبيون يصوّرون المسلمين لأبناء أوروبا على أنهم آكلة لحم البشر وذئاب الإنسانية وأعداء المسيح وغير ذلك من الصور التي يقول المؤرخ الإنكليزي جيبون Gibbon عنها: «ولم تكن هذه التهم سوى نتيجة الجهل والتعصب، وهي صور ينفيها القرآن الكريم ويكذّبها تاريخ الفاتحين العرب وتسامحهم مع المسيحية في الحياة العامة وفي الشرائع والقوانين.

وإذا كانت شهادة الأهل ذات دلالة خاصة وأهمية كبرى، فإنّ المؤرخ رنسيمان يصرّح، بأنّ المسيحيين كانوا أسعد حظاً في الغالب تحت حكم جماعات المسلمين منهم تحت حكم ملوك الرومان، حيث تمتّعوا بحرية التجارة، والعيش في ظلال الأمن، ولم يرهقهم المسلمون بالضرائب كما كانوا يعانونه من قبل، على أنّه إذا كانت هناك حوادث وقعت على الحجاج، فإنّها لا تعدو أن تكون حوادث فردية لا يخلو منها بلد وعصر، بل كان يلقاها المسيحيون أنفسهم على أرض أوروبا. ومن الظلم الواضح أن تتخذ الأحداث الفردية قاعدة عامة للحكم وترتيب النتائج. فالغرض من قيام تلك الحروب بأية وسيلة، كان واضحاً بتجسيم الحوادث الفردية القليلة وتهويلها واستثارة للنفوس.

ويكفي أن نستشهد أيضاً بما قاله «منرو» في هذا الشأن: «كانت الفظائع المنسوبة إلى المسلمين ممزوجة بكثير من التوابل... لتوافق روح ذلك العصر الذي كان أشد توحّشاً من عصرنا هذا».

أما ما قاله «برنار دي فيس» في مذكراته فهو كان لإبطال افتراءات المبالغين: «إنّ الإسلام سائد فوق تلك الربوع بين النصارى والمسلمين، حتى أنني لو كنت مسافراً ونفق بعيري أو حماري الذي ينقل أمتعتي على الطريق، وتركتها كلها من دون حارس أو رقيب وسرت إلى أقرب مدينة لأجلب لي بعيراً أو حماراً آخر، لوجدت عند عودتي أنها على حالها لم يمسها أحد».

إنّ المكانة التي يشغلها فن الحرب في اهتمامات المجتمعات العصرية لا تحتاج إلى برهان لأهميته وأثره في إعداد القوات المسلحة للدولة وتحديد أطر الاستراتيجية العامة وفن العمليات والتكتيك. ولعل دراسة فن الحرب أيام الحروب الصليبية تحمل الكثير من الفوائد. كما أنّ دراسة هذه الحقبة من تاريخ فن الحرب والنتائج التي نجمت عنها من الناحية العسكرية الحربية تتطلب الكثير من الجهد والوقت.

ولعل اختيارنا هذا المقال للنشر هو الوقوف على الطرائق العسكرية التي اعتمدها الجيش الإسلامي ومن خلال ما كتبه كاتب أجنبي هو الدكتور ريسي سميل. فهو بريطاني يتحدث من وجهة نظر غربية ويعتمد مصادر غربية أو عربية مترجمة من اللغات الأجنبية، إلا أنّه مع ذلك لم يستطع إخفاء حقيقة العبقرية العسكرية التي اعتمدتها الجيوش الصليبية أثناء معارك الالتحام بين الطرفين.

كما أنّه لا بدّ من التنويه بأهمية الإنجاز الكبير الذي قام به العميد الركن محمد وليد الجلاد بترجمة كتاب ريسي سميل، «فن الحرب عند الصليبيين في القرن الثاني عشر (1097 – 1193م)» إذ أمكننا من خلال قراءة هذا الكتاب معرفة الدور الذي قام به المترجم، والذي توخّى الموضوعية التامة والأمانة المطلقة في الترجمة ونقل النص من الإنكليزية إلى العربية مستعيناً بعدد من المصادر العربية أو المنقولة إلى اللغة العربية لتحقيق بعض التواريخ والأحداث والأسماء. مع التدقيق على أقوال الكاتب وآرائه في ذيل الكتاب.

الأسلوب العسكري

إنّ الغاية من هذا المقال هي إلقاء الضوء على الأسلوب العسكري الذي اعتمدته الجيوش الإسلامية، وبالتحديد القوات السلجوقية والأيوبية في قتالها ضد الفرنجة، إذ ليس من شك في أنّ الجيوش الصليبية التي نظمها حكام أوروبا، ودعا إليها كثر من الباباوات، بداعي حماية الأماكن المسيحية المقدسة من اعتداءات المسلمين. قد اعتمدت هي الأخرى أسلوباً معيّناً في القتال ضد الجيوش الإسلامية. لذلك، رأت الجيوش الإسلامية نفسها مضطرة لمجاراة الصليبيين في التكتيك العسكري، بل التفوق عليهم بدليل أنّ كثراً من المؤرخين الأجانب أشاروا إلى بعض الصفات العسكرية التي اتصفت بها هذه القوات.

كما فعل « فلتشر» في وصفه للجيش الإسلامي الذي لاقى الفرنجة، إذ يأتي على ذكر سمتين رئيسيتين كانتا تتركان بصماتهما دائماً على المراقبين الغربيين، وهما «صرخات القتال الرهيبة» و «القرع الوحشي للطبول».

وإذا أردنا أن نلقي نظرة على تنظيمات الجيوش الإسلامية، فإننا نلاحظ أنّ معظم هذه القوات كانت في تلك الحقبة تضم فرساناً من طراز مختلف، كما هو شأن القوات السلجوقية. وربما كان السبب في ذلك وجود خليط من المقاتلين ينتمون إلى سكان المناطق الغربية من آسيا في صفوف قواتهم.

ويذكر المؤرخون العرب جنود المشاة في أحيان كثيرة على رغم أنّ وظيفتهم العسكرية لم تذكر بجلاء تام. ومما لا شك فيه أنهم كانوا مطالبين بالقيام بواجبات الإيواء والتموين. وكانوا يثبّتون جدارتهم عند القتال في الأراضي الوعرة. فعندما خرج جيش دمشق للدفاع عن المدينة ضد الفرنجة عام 1126م، كان برفقة كل خيّال في المعركة جندي مشاة إلا أنّ المشاة لم تكن تذكر على وجه العموم إلا عندما يعمل السيف في رقاب الجانب الخاسر. كذلك توجد إشارات إلى خيّالة لم يكونوا مسلحين بالقسي.

كان أعظم خطر داهم يواجهه الفرنجة في قتالهم تكتيك رماة النبل الراكبين (النبّالة من الخيالة). ولقد تناولت المؤلفات العسكرية البيزنطية هذه الطرائق بالتحليل المفصّل، ووصفها كذلك المؤرخون المحدثون الذين استعانوا – إلى درجة كبيرة – بوصفين مختصرين ومتشابهين، كان أحدهما ترجمة حرة لنص منقول بالفرنسية عن وليم الصوري في القرن الثالث عشر، بينما ظهر الوصف الآخر في نسخة متأخرة من تتمة تاريخ وليم الصوري.

ويبدو أنّ «أومان وغروسيه» استخدما هذه الفقرات أساساً في إيراد وصفهما الخاص للطرائق الحربية السلجوقية على رغم أنهما لم يصرحا بذلك. ولكنهما لم يقدما وصفاً شاملاً للتكتيك السلجوقي كما لم يفعل ذلك أي باحث آخر لهذا الموضوع. وربما كان الوصف الذي قدّمه «دليش» أفضل الموجود وقد اعتمد هو كذلك وبصورة أساسية على ما ذكره «فلتشر» فقد جاءت الصورة التي رسمها تخطيطية إلى درجة الجمود وليست حقيقية، إذ إنّ طرائق الحرب التي تبنّاها الفرنجة في سورية تحددت جزئياً بالتكتيك السلجوقي التقليدي، ومن المهم جداً أن تفهم هذه الناحية فهماً صحيحاً.

الأسلحة

كان الجزء الفعّال من الجيش السلجوقي – كما كان شأن الفرنجة – يقاتل على متن الخيل، ولكن من الواضح – بالاستناد إلى جميع السجلات المعاصرة – أنّ المقاتلين في هذا الجيش كانوا أسرع من الفرنجة وأكثر مرونة في المناورة منهم. ولقد عزي ذلك إلى سرعة عدو خيولهم ورشاقتها وخفة أسلحتهم، إذ كان القوس سلاحهم الرئيسي. ولكنهم كانوا يحملون الترس والرمح والسيف والهراوة كذلك. وهناك دليل جيد على أنّ الرمح والترس كانا أخفّ وزناً مما لدى الفرنجة. وعندما لم يكن التفوق العددي إلى جانب السلاجقة كان الفرنجة يملكون الميزة في الالتحام. وربما يلفت النظر هنا استخدام رمح أطول من جانب بعض العرب كما يذكر «أسامة بن منقذ».

ويبدو أنّ الرمح الذي يستخدمه المسلمون كان أخف بكثير. ولم يكن الرمح الفرنجي مصنوعاً من خشب السنديان أو البلوط، وإنما كانت قناته من القصب مع أسلحة من الحديد ولم تكن تروسهم أيضاً دفاعية طويلة على هيئة الحداة كما كانت تروس الفرنجة، إنما كانت تبدو على شكل مخبات مستديرة صغيرة أقل مناعة في الدفاع ولكنها تملك ميزة الخفة.كان المسلمون بفضل خيولهم وأسلحتهم أخف حركة من الفرنجة، وقد استغلوا هذه الحركة في أربعة أوجه رئيسية:

أولها أنها كانت تمكنهم من البقاء بعيداً من العدو واختيار اللحظة المناسبة للالتحام معه، وكان الفرنجة في أوروبا متمرسين على مواجهة العدو وهو راكب. ولكن الأوروبيين هناك كانوا مثلهم ويستفيدون من ثقل خيولهم وسرعتها لإضفاء زخم إضافي في حملهم على العدو. الأمر الذي كانت له أهمية كبرى وفاعلية كاملة، إذ كان موجهاً ضد تشكيلات العدو المتماسكة فقط. أما النبّالة المسلمون فلم يكونوا يشكّلون هدفاً من هذا القبيل. وإذا ما شنّ الهجوم عليهم كانوا متأهبين للفرّ مبتعدين، وعندما يتوقف العدو عن المحاولة كانوا يكرّون هم أنفسهم مرة ثانية.

ولقد لاحظ الكتّاب اللاتين هذه المميزات في بداية القرن وفي نهايته على حد سواء. وقد يتفرّق المسلمون ويتشتّتون في جميع الجهات ولكنهم كانوا يعودون دائماً للقتال، فتراهم يكرّون تارة ويفرّون أخرى. ولا يرون في الفرّ غضاضة لأن التقهقر في اعتقادهم لا يقل شأناً عن المطاردة.

والوجه الثاني أنهم كانوا يطبّقون أسلوب التقهقر المضلل، وقد يمتد تقهقرهم أحياناً بضعة أيام، ويهدف دائماً إلى إرهاق الفرنجة، وإبعادهم عن قواعدهم. وكثيراً ما كانوا يضعون طعماً لاجتذاب الفرنجة نحو مكمن مهيأ، وكان ذلك عبارة عن قوة صغيرة من الخيّالة كفيلة بإغواء العدو بتدميرها وحفزه على مطاردتها. وعندما ينطلق الفرنجة لمهاجمتها كان الطعم يتوجه بمطارديه باتجاه الكتلة الرئيسية التي تبقى مختفية حتى اللحظة الحاسمة. وكانت مثل هذه الخطة تكفي لتحقيق نجاح ضئيل، أو كسب معركة كاملة طبقا للمستوى الذي تطبق فيه.

والوجه الثالث أنّهم كانوا يستفيدون من حركتهم لمهاجمة جناحي العدو ومؤخرته. فما إن تسنح لهم الفرصة حتى يحوموا حوله كالنحل ويهاجموه من جميع الجهات ويحاولوا الإحاطة به إحاطة السوار بالمعصم مثل «الحزام أو هالة القمر في قبة السماء» أو «كالكرة حول محورها» أو «كما لو كانوا يحاصرون مدينة»، فإذا لم يستطيعوا الإحاطة بالعدو التفوا عليه من جانب أو من الجانبين مثل الهلال، وربما كان اتباع مثل هذا التكتيك نتيجة للتفوق العددي، إلا أنّه كان يشكّل دائماً جزءاً أساسياً من طريقة الجيش الإسلامي في خوض الحرب. وكان يطبّق دائماً مهما كان عددهم. وكان على الفرنجة أن يراقبوا ظهورهم باستمرار، إذ كان ذلك شكلاً من أشكال الهجوم لم يعهدوه في خبرتهم العسكرية في أوروبا، وملزمين حياله باتخاذ إجراءات تكتيكية خاصة في الشرق.

أما الوجه الرابع لاستخدام الجيش الإسلامي لحركتهم فهو مهاجمة العدو وإرغامه على القتال أثناء المسير. ولم يكن ذلك ممكنا إلا إذا كان المهاجم قادراً على التحرك بسرعة أكثر من سرعة خصمه وإلى مدى أبعد منه. وكانت تلك الطريقة مستجدة على الفرنجة من طرائق فن الحرب، وتثير غيظهم في شكل خاص، لأنهم كانوا يهوون ترتيب فصائلهم قبل الشروع بالقتال، ويميلون إلى دخول المعركة بتنظيم جيد، وكان الخطر الرئيسي يتأتى من ميل المسلمين إلى الهجوم من الخلف، فعندما يهاجمون رتلاً سائراً كان جهدهم الرئيسي ينصبّ دائماً على المؤخرة، وكانت المشكلات التي تواجه القائد في هذه الظروف من أجل الإبقاء على سيطرته أكبر بكثير مما لو ركّز المهاجم جهوده على المقدمة.

وقد ترك شهود عيان تسجيلات كثيرة عن تطبيق مثل هذه الأساليب التكتيكية ضد أرتال الحملة الصليبية الثانية، عندما حاولت اجتياز آسيا الصغرى عام 1147م، وضد قوات «فريدريك برباروسا» الذي سار على المحور نفسه في عام 1190م، وقد اضطر الفرنجة في سورية لاتخاذ إجراءات مضادة أكثر من مرة لمجابهة مثل هذا الهجوم، وكان يعار اهتمام كبير لتنظيم حرس المؤخرة وقيادته نتيجة لذلك.

كانت السمة التكتيكية الثانية التي اشتهرت بها القوات السلجوقية والأيوبية بعد قدرتها الحركية، اعتمادها على رماة النبل (النبّالة) وكان هؤلاء ماهرين في استخدام القسي على متون الخيل والرمي منها من دون توقف أو ترجّل، وكانوا بذلك قادرين على الجمع بين رمي السهام واستخدامهم التكتيكي لحركتهم التي سبق وصفها. حتى إنّهم كانوا قادرين أثناء الفرّ على الالتفات إلى الخلف وإطلاق سهامهم على مطارديهم وهم على ظهور الجياد. وبالاستناد إلى استخدام الكتّاب اللاتين المتكرر كلمات كثيرة مثل (زخات المطر) و (مدرار) و (وابل) و (غزير، كثير) عند وصفهم حجم رماية النبل من جانب المسلمين، من المرجّح أن يكون معدل الرمي عالياً جداً. ويبدو أنّ القوس والنبل كانا سلاحين خفيفين، وكان النبل يخترق دروع الفرنجة من دون أن يجرح جسم لابسه غالباً، حتى إنّ الكتّاب كثيراً ما يستخدمون صورة النيص (حيوان من القوارض يشبه القنفذ) لتصوير مظهر الرجال أو الحيوانات الذين تعرّضوا لرماية النشّابين.

كان الاستخدام التكتيكي لهؤلاء النبّالة يهدف إلى تحطيم تماسك العدو، ويمكن تحقيق ذلك بتكبيده الخسائر ليس بالرجال فحسب، بل بالخيول أيضاً.

وقد سجّل شاهد عيان أنّ مختلف الحملات الصليبية التي عبرت آسيا الصغرى خلال القرن الثاني عشر تعرّضت لإنهاك شديد نتيجة خسائرها بالخيول، إذ كثيراً ما كانت تعاني نقصاً بالعلف والمياه، كما كان لحم الخيل مطلوباً لإطعام الحجيج. أضف إلى ذلك أنّ عدداً كبيراً من الخيول كان يقتل بسهام المسلمين. وكان ذلك الخطر يظل قائماً كلما لجأ الفرنجة إلى ميدان القتال طوال القرن الثاني عشر، إذ كان الفرنجة يعتمدون الهجوم الراكب لتحقيق النصر في المعركة بينما كان المسلمون يدركون تماماً أهمية تدمير خيول الفرنجة.

كانت السهام – إلى جانب الخسائر التي تحدثها – تتسبّب في خلق توتر نفسي بين صفوف الجنود الذين تنهال عليهم. ولما كانت أفضل طريقة مؤكدة لتحييد الأسلحة القاذفة المعادية هي الاقتراب من الجنود الذين يستخدمونها ما أمكن ذلك، فقد كان المسلمون يلجأون دائماً إلى استفزاز الفرنجة وتحريضهم على الهجوم وترك تشكيلاتهم من طريق الرماة.

الالتحام

لم تكن حركة المسلمين ورمايتهم كافيتين وحدهما لتحقيق النصر لهم، إذ إنّ هاتين الوسيلتين ليستا إلا لإضعاف العدو. أما هزيمة العدو النهائية في ميدان المعركة، فلا يمكن تحقيقها إلا بالقتال القريب والالتحام معه بالرمح والسيف والهراوة، وعندما كان يجد المسلمون أنّ الفرصة مواتية للالتحام مع العدو، كانوا يعلّقون أقواسهم على مناكبهم وينقضّون على الفرنجة بغية حسم الموقف عنوة.

وقد رسم كل من «فلتشر» و «رالف» في سجلاتهما صورة للمسلمين وهم يهاجمون بالسهام أولاً، ومن ثم بالرماح والسيوف. ونلاحظ أنّ المرحلتين المذكورتين في معركة ساحة الدم ومعركتي «هاب» و «حطين» وعند «أرسوف». ويلاحظ أنّ السلاجقة لم يتعجّلوا الالتحام مع العدو لأنهم كانوا يرغبون بادئ ذي بدء في تحقيق أكبر تفوّق يمكن بلوغه من طريق الرمي والحركة. لقد كان التكتيك الذي يطبّقه المسلمون تعبيراً طبيعياً للسلوك الفطري الذي يفترض ضرورة تحقيق الجيش كل ميزة ممكنة على خصمه قبل أن يتورط في معركة لا رجوع عنها. وكانوا يحقّقون تلك الميزة بالمفاجأة أحياناً، ويكون العمل التمهيدي غير ضروري وقتذاك. أو يضطرهم العدو اضطراراً للالتحام الفوري بالقتال رغم إرادتهم. ولكن المسلمين كانوا يظلّون عادة بعيدين من العدو محتفظين بحريتهم في الاختيار. فإما أن يطوّروا المعركة أو يتخلوا عنها. ولا يعرّضون أنفسهم للقتال القريب إلا عندما يهيئون له الظروف المناسبة بالرمي والحركة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات