المفاجأة، كانت بما يمتلكه الشيخ من "براغماتية"، أقرب للمعجزات. تُتيح له الطيران بين جناحي الحمائم، والصقور. وكأنه يركب طائراً خرافياً كالفينيق، أو يمتطي "البراق".
ذهب الشيخ، بيسارية "منطلقاته" لبدء أي عملية تفاوض سياسي، بعيداً إلى الأقصى. حيث عرض مجموعة من الإجراءات الجدية، التي اعتبرها واجبة التنفيذ. مثل وقف القصف الوحشي لقوات الأسد. وإطلاق سراح النساء والأطفال. وإعادة الاعتبار لمرجعية جنيف. ورفض الجلوس مع من يعتبرهم جهات مولودة من رحم النظام، بينما تعتبر نفسها ممثلة للثورة. في إشارة امتعاض واضحة، لحضور مجد نيازي وسهير سرميني، مؤتمر موسكو بصفتهما "معارضتان".
الأكثر إثارة، أن الشيخ يعرف - كما نعرف وأكثر- أن ما من أحد في موسكو أو طهران، مستعد لمناقشة ما يرونه هراءً، على الأقل حالياً، في ظروف الانكفاء الأمريكي، والتردد الأوروبي، والتداخُلات المُعقدة، التي فرضتها أولوية التحالف الدولي ضد الإرهاب.
يرى داعمو بشار، بأن الفرصة مواتية، لفرض تسوية ما. تُعيد تأهيل "النظام"، من بوابة الحرب على الإرهاب، وتُقدمه مُتنكراً، بحكومة وحدة وطنية. تشغل فيها "المعارضات" حقائب، عديمة الوزن والأهمية. عدا عن إحساس الشركاء بأن أعراض "التموت"، بدأت تظهر على الحالة السورية. ما يهدد بفقدان قيمة رأس بشار في "بازاري" النووي، وأوكرانيا. لذا لابد من تحريك السوق بالمبادرات.
بدوره، بدا الشيخ متوائماً مع الأهداف الروسية – الإيرانية، ولا مشكلة لديه مع "تصورات ميستورا"، ولا شروط مسبقة للجلوس مع جماعة الأسد. ولعل هذا الانطباع، الذي حرص معاذ على تركه، هو من حجز له كرسياً حول طاولة "بوغدانوف"، الذي يحمل في جيبه "تكليفاً شرعياً" من حسن نصر الله، بالتعامل مع بشار "كخط أحمر".
الحقيقة، أن الانقلاب الثوري المفاجئ، في رؤية معاذ الخطيب، للحلول السياسية المطروحة. يفتح الباب أمام افتراض مجموعة احتمالات منها، أن الشيخ "بيت استخارة". وجاءت نتيجتها مُلزمة بانسحابه من عملية خاسرة. أو أن "رؤية ربانية"، باغتت الشيخ في ليلة مباركة. لتهديه إلى الصراط المستقيم.
يبقى الاحتمال الثالث، وهو أن الشيخ، يُمارس ضرباً من "التقية". ويوظفها بمناورة سياسية. في محاولة لرفع ثمنه التفاوضي شخصياُ، بمعية مجموعة "الغفلة" (سورية الوطن)، وبهدف حصد شعبية، عبر المزايدة على جماعة "الإخوان المسلمون"، التي رفضت المبادرات الغامضة المطروحة، وأيضاًعلى الإئتلاف وهيئة التنسيق، اللذين رفضا الدعوات، التي وجهتها الخارجية الروسية إلى أعضاء فيهما، بصفاتهم الشخصية، لا التنظيمية المعارضة.
صحيح، أن الشعبية التي يسعى إليها معاذ عمرها قصير، لكنه كافٍ لدعم مكانة "كرسيه"، في جلسة "طق الحنك" السياسي بموسكو، سيما وأن "دعوة الحضور"، صارت في جلباب الشيخ، المؤمن بأن الاخوة الروس، ومن خلفهم الإيرانيين، لن يلحسوا منه دعوتهم التي انتظرها بفارغ الصبر، قبل أن يُعلن "جهاده" المقدس في مواجهة "مباداراتهما"، وهو مطمئن النفس، بأن ردود أفعالهما، وإن حدثت، لن تقذف به خارج مرمى الأضواء، وإلا ما معنى تأخره في اكتشاف حقيقة مبادرات، مكشوفة النوايا والأهداف، منذ لحظة ولادتها؟!!
لو كان معاذ صادقاً، لما تناسى، أن يُعلن في بيانه رفض الدعوة الروسية، ما لم تُحقق مطالبه. أو لربط بين حضوره "جلسة موسكو"، ومشاركته بأي مؤتمر تفاوضي، وبين تنفيذ منطلقاته للحل. وأولها حسم موضوع رحيل بشار الأسد.
مشكلة معاذ، في تقريبه لشهوده، وها هو موعد موسكو خلف الباب، وفي المُبالغة بتكبير حجره، رغم هول المسافة بين أفكاره، والرغبات التي تسكن الكرملين.
مسكين الشيخ، صار أسير حماسته المفاجئة، ولا يفيده سوى الدعاء، بأن تعدل موسكو عن قرارها عقد الجلسة "بمن حضر"، أو يلهمها الله إعلان فشل مبادرتها، أو أن يمن الرب، على عباده السوريين، بنعمة
التعليقات (23)