يوّجه رأس هرم النظام وإعلامه رسائل عديدة من خلال تصوير هذه الزيارة ونشرها، فمن جهة يرفع معنويات عناصره من خلال زيارته إلى نقاط المواجهة ويخاطب صراحةً أحد عناصره قائلاً لو ابتعدتم عن جوبر لمسافة كيلومتر واحد سترون أن الناس بخير بسبب وقوفكم هنا، محاولاً تعزيز ثقة عناصره بأنفسهم ورفع معنوياتهم.
ويوجه رسالة أخرى إلى المجتمع الدولي بأنه لايزال في قلب دمشق ويستطيع الوصول إلى أقرب الجبهات مع الثوار دون أن يتعرض لأي خطر مدلّلاً على قوة أمنه.
بينما تلقّى بعض من المعارضة الخبر بانتقاد تسمية المكان الذي وصل إليه الأسد على أنها كذبة العام الجديد، وأنها ليست حي جوبر بل الزبلطاني، بعد ظهور مديرية نقل دمشق في خلفية إحدى اللقطات. لا ينبغي أن تشكل الكراهية المبررة غشاوة تخفي عنا أهمية أفعال العدو أو حتى الاستفادة منها. تقع المديرية في منطقة الدبّاغات التابعة إدارياً لحي جوبر والمتاخمة فعلاً لمناطق سيطرة الثوّار وبهذا تنتفي صفة الكذب عن خبر زيارة الأسد لجوبر، لا تكمن أهمية الخبر أو المشكلة في تسمية المكان بقدر ماهي دلالة على مدى فهم الأسد أو من خلفه لأهمية العمل على استراتيجية متكاملة لمعركته ضد الإنسانية، وقدرته على قيادة هذه المعركة بما يخدم أهدافه ويعزز صورته.
في المقابل يتخبّط الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بمؤسساته وإعلامه والذي من المفترض أنه رأس هرم المعارضة وممثل الشعب السوري، ويستلقي جثة ثقيلة على كاهل السوريين الذين أرادوا النهوض من ليل حالك غمرهم به نظام الأسد لعقود، ولايزال الائتلاف بجميع أعضائه دون استثناء يعمهون في وادٍ من الجهل المُريع بحقائق الأرض ومحركات الشعب السوري دون أي استراتيجية أو تصور متكامل لماهية المعركة التي يخوضها أهل الحرية في سوريا، ولامسؤولية ترقى إلى حد خيانة الدم وتضحيات أهل الحرية، وفوق كل ذلك مزيج مستغرَب من التعالي والتباكي والتعلل بقلة الحيلة وانعدام الوسيلة.
لم يدرك أعضاء الائتلاف وموظفيه حتى الآن مدى أهمية المهام المنوطة بهم وخطورة المسؤوليات الموكلة إليهم، وتاريخية الدور الذي كان من المفترض أن يلعبوه.
أقصى ما قدمه الائتلاف للسوريين في بداية العام الجديد هو اضراب نائب رئيس الائتلاف عن الطعام في خبر نشره موقع الائتلاف الرسمي على الانترنت: "أضربت نورا الأمير نائب رئيس الائتلاف الوطني عن الطعام تضامناً مع السجناء المضربين في سجن حمص المركزي منذ أربعة أيام".
هل الاضراب هو دليل سوء فهم كامل للمهام الموكلة إليها أم أنها لاتزال تعمل بعقلية الناشط الملاحق ولم ترقَ بعد إلى فهم الإمكانيات التي تستحوذ عليه من خلال احتلالها منصب نائب رئيس الائتلاف؟
ما الذي سيقدمه إضرابها لسجناء حمص وغيرهم، هل سترفع من معنوياتهم وهي على علم أنهم محرومون من أدنى حق في الوصول إلى الأخبار كما هو الحال في سجون الأسد؟ أم أنها تريد توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي الذي لم يتحرك حتى بعد فيضان الدم السوري ومشاهد ذبح الأطفال والنساء واستخدام الأسد للكيماوي في ضرب مناهضيه؟
وما الذي ستقدمه اللغة التي استخدمتها وهي أبعد ما تكون عن أن يفهمها رعاة القانون الدولي والمنظمات الحقوقية والعاملين فيها:
"فنحن لسنا أفضل حالاً من أولئك السجناء، فجميع السوريين أصبحوا سجناء في هذا العالم الذي سيطرت عليه شريعة الغاب وغابت عنه شمس القانون الدولي وحقوق الإنسان"، لا اعتقد أن المجتمع الدولي يريد "موضوع إنشاء" نتعلمه في المراحل الابتدائية، كي نقرأه أمام زملائنا الأطفال؟ هل ورد في أي من المواثيق الدولية أو معاهدات حقوق الإنسان أن هناك شمس أو غابة، وهل حاسب القانون الدولي الذئب لالتهامه جدة ليلى وهل حقق في أسباب انحراف ليلى عن الدرب الصحيح؟!
ليست هي الحادثة الأولى ولا أعتقد أنها الأخيرة في سلسلة أخطاء وعثرات الائتلاف بأعضائه وموظفيه ما يدل على "منهجية اللامنهجية" في عملهم و"ثقافة اللاثقافة"* في تصريحاتهم واستقبالهم للحدث وارتجالية ردود أفعالهم عليه.
ففي ردٍ لمديرة مكتب الرقابة والتفتيش في الحكومة المؤقتة على جريمة قتل أطفال سوريين قالت: " الحقيقة لا شيء يعنيني الآن، لا يعنيني مدى تورط أو عدم تورط أي جهة كانت سياسية، إنسانية، محلية، دولية لا يهم، لا يعنيني السبب ولا الطريقة.
الآن لا يعنيني سوى عدد القبور التي يجب علينا حفرها لتحتضن أطفالنا !! أنها لا تهتم ما هو السبب أو من وراء موت الأطفال وما يهمها فقط أن الأطفال ماتوا"! فإن كان من يحتل منصباً في المكتب الموكل إليه الرقابة ومعرفة الأسباب لا يكترث بها، وهو مثال آخر عن ارتجالية العمل الائتلافي. ثم تنقل بحسب زعمها ادعاء ناشطين أن منظمة الصحة العالمية
وفي موقع الائتلاف ينشر بيان صحفي تحت عنوان: "مخاوف من تعرض الناشط رائد فارس للاختطاف" إلا أن البيان صدر بعد إطلاق سراح رائد فارس.
ويستمر العنوان الخالد والمفردات المتكررة والخطابة البالية في عشرات البيانات الصحفية " همجية الأسد وقصفه للمدنيين رفض واضح للحل السياسي" وهو عنوان آخر بيان صحفي للائتلاف، يبدو أن أربعين موظفاً أو أكثر في مكتب خالد الصالح الإعلامي لم يسعفهم الوقت لكتابة بيانات جديدة، فما عليهم سوى القص واللصق والاستبدال.
* ثقافة الثقافة: مقولة خالدة للقبضاي أحمد عاصي الجربا رئيس الائتلاف سابقاً
التعليقات (22)