لقد جاء تحرير معسكري (وادي الضيف) و(الحامدية) في ريف إدلب الجنوبي، في منطقة معرة النعمان، ليقلب الطاولة على أصحابها في إيجاد سيناريو مقنع لكل الأطراف، فبدا واضحاً أنه هنالك سيناريو يداعب مخيلة أدوات النظام، حيث سرت شائعة عن تسليم النظام لمعسكري وادي الضيف و الحامدية، في مقابل تسليم حلب للنظام، ضمن خطة تجميد القتال، لتظهر رؤية وزير خارجية النظام "وليد المعلم"، وكأنها كلمة السر في هذه الخطة، حيث قال: "تجميد القتال يعني تسليم المعارضة لسلاحها"، وهو ما قام به النظام في وقت سابق، من تسليم مطار الطبقة لداعش في مقابل خروج داعش من محافظة حمص بشكل نهائي.
يبدو واضحاً أن المبعوث الأممي "دي ميستورا" غير معني بالتطورات الميدانية، خاصة وأنه في حديث له عن تفسير خطته أمام مجلس الأمن، أعطى شرعية واضحة للمليشيات الطائفية التي تقاتل الى جانب النظام السوري، لأنه استدعاها في إشارة الى أن وجود حزب الله اللبناني لا يعيق تطبيق تجميد القتال، الذي من الواجب وضعه تحت الفصل السابع لضمان تنفيذه، على الرغم من الضغط التركي باتجاه جعل الشمال السوري حتى خط عرض 36 منطقة آمنة، أو ضمن حظر جوي لوقف براميل النظام.
ربما يرمي المبعوث الدولي من جعل مدينة حلب نقطة البداية، أو التجربة لخطة تجميد القتال، إلى أحد أمرين: أولهما كسر خرائط التقسيم، التي جهدت مراكز الأبحاث الإستراتيجية في العمل عليها، أما ثانيهما فهو كسر مفهوم المنطقة العازلة التي تريدها تركيا لإرسال مخيمات اللاجئين إلى الداخل السوري، ما يعني تجميد الحل السياسي إلى أجل غير مسمى، والعمل على الحل العسكري كبوابة وحيدة للحل السياسي، خاصة وأن منطقة الحظر الجوي التي يطالب بها الائتلاف يمكن أن تكون نقطة انطلاق باتجاه مناطق النظام بشكل منظم أكثر، حيث حددها في ثلاثة مناطق بالإضافة للشمال، وهي المنطقة الجنوبية والقلمون، وهو ما يضعف النظام ويجعله لقمة سائغة أمام الحل العسكري الذي تريده بعض الدول الإقليمية لإنهاء حكم الأسد بشكل نهائي، و الدخول في تسوية بلا الأسد.
فيما تبدو روسية اليوم أكثر اقتناعاً بإنهاء الأسد من قبل، بعد أن اكتوت بنار انهيار الروبل أمام الدولار في تعاملات أسواق المال، حيث بدأت الخسائر تشل عصب الاقتصاد، ليأتي دور تركيا المنقذ التي عقدت صفقة تجارة بينية، التي من المفترض أن تتضاعف لتبلغ ثلاثة أضعاف، خلال السنوات الخمس القادمة، ما يعني أن روسية قد تتخلى عن الأسد لصالح الحليف التركي، الذي بدا واضحاً أن ثمّة ثأر شخصي معه، وأنه لابدّ من إنهاء نظام الأسد، وهو ما ظهر جلياً في رفض تركيا الدخول في التحالف الدولي ضد "الدولة الإسلامية"، إن لم توجه ضربة مماثلة للنظام السوري.
يبدو أنه من المبكر الحديث عن تسوية سياسية، على الرغم من دفع جميع الدول بهذا الاتجاه، إلا أنه هنالك صفقات في الخفاء، تدار من أجل الإسراع بالحل العسكري، الذي يدعم الحل السياسي في حال تفوّق طرف على آخر، وهذا ما بدأت تنعشه الانتصارات الكبيرة في ريف ادلب بعد تحرير وادي الضيف والحامدية، بالإضافة إلى سيطرة جبهة النصرة على منطقة واسعة في ريف ادلب كجبل الزاوية، حيث بدأت الولايات المتحدة تغازل جبهة النصرة على لسان مسؤول أمريكي، ويعتقد أنه من الوارد في حسابات الولايات المتحدة رفع جبهة النصرة من قائمة الإرهاب، إن غيّرت قناعاتها الجهادية، ما يمهّد إلى أن موافقة الادارة الامريكية على سيطرة جبهة النصرة على ريف ادلب هي خطوة في تعديل قناعات جبهة النصرة، وبالتالي تنفيذ الوعد الأمريكي وبالنتيجة ملء الفراغ الذي ستتركه قوات النظام.
التعليقات (5)