شاشات داعش تنافس شاشات هوليوود في صناعة الرعب

شاشات داعش تنافس شاشات هوليوود في صناعة الرعب
في البدء كانت الكاميرا... والكاميرا يمكن ان ترصد كل ما يتخيله او ما لا يمكن ان يتخيله عقل بشري من ممارسات بربرية وقطع رؤوس وسحل وصلب ورجم... فهذا فيديو يُظهر الصحافي الأميركي ستيفن سوتلوف مقطوع الرأس. وتلك صورة لطفل مصلوب بعد إفطاره في رمضان من دون عذر. وبينهما شريط مُصوّر لامرأة تُرجم حتى الموت بتهمة الزنا، وسواها الكثير الكثير من «أفلام الرعب» التي شكّلت العنوان الأبرز والأفظع على شاشاتنا طوال العام 2014... حاملة بفخر توقيع ما يمكن ان نطلق عليه لقب «هوليوود العرب»: تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

لكنّ أفلام داعش ليست من نسج خيال مخرج موهوب بل من صنع يد قاتل مجنون يتغذى على دماء واقع يرنو أكثر فأكثر الى أسفل، متكئاً على آلة إعلامية متأهبة لكل جديد. ولا حرج بأن إشارة واحدة من أصحاب «فيديوات مصاصي الدماء»، قادرة على ان تدغدغ قنوات تلفزيونية كثيرة تحلم بمثل هذا السبق. ولو افترضنا ان نية أصحاب الشاشات طيبة وسلّمنا بوعيهم لخطورة ما يبثونه من شرائط الإرهابيين وأنه ليس إلا خدمة لهؤلاء، وبالتالي يحجمون عن عرضه على منابرهم، فإن عصر ديموقراطية المعلومات والسماوات المفتوحة، جعل الشبكة العنكبوتية حاضرة لتكون الحاضنة. وسرعان ما تعود التلفزيونات وتتلقف هذه الصور خوفاً من خسارة جمهور ما في ظل احتدام التنافس بعد ان تشعر بأن خبراً فاتها، فتُسرع لبثه نقلاً عن المواقع الإلكترونية.

هي حرب إعلامية عرفت أوجها هذا العام، طالما ان داعش وأخواتها تلمست مفاتيحها جيداً. بل تكاد تكون أحد أسلحتها الأهم، والتي لا يمكن لأهدافها ان تتحقق من دونها.

هي حرب نفسية ملعبها الشاشات التي تحاصرنا في غرف جلوسنا ونومنا ومكاتبنا، وتنهال علينا بأبشع الصور وأحطّ ما يمكن ان يصدر من نفس آدمية.

ولا عجب ان نسمع محللين نفسيين يؤكدون ان الإرهابيين قد يحجمون عن الشروع بتنفيذ جرائمهم في حال أيقنوا انها لن تكون مواكبة بدعاية إعلامية لإيمانهم بسطوة الصورة وقدرتها على ان تخلق اجواء الذعر والخوف والبلبلة والفوضى في نفوس مشاهديها. فهؤلاء يعرفون جيداً ان «سي أن أن» لعبت دوراً اساسياً في حرب الخليج الثانية، الى حد اعتبرت معه الكاتبة الأميركية سوزان سونتاغ أن القناة الأميركية «حوّلت الحرب الى لعبة فيديو شغلت البلاد وأثارت المهتمين بالتكنولوجيا». كما لا يمكن ان يفوتهم دور «الجزيرة» في محطات سياسية عربية كثيرة لاحقة... حتى أولئك الذين يتحدثون عن سحب «وكالة الأناضول» البساط من تحت أقدام «الجزيرة» وأخواتها في المعركة الإعلامية الداعشية، يعرفون جيداً ان التلفزيون ما زال وسيلة الإعلام الأكثر تأثيراً في العباد رغم كل ما قيل او يُقال لناحية تراجع دوره لمصلحة الشبكة العنكبوتية.

في سمائنا اليوم أكثر من 1320 قناة تلفزيونية فضائية موجهة إلى المنطقة العربية، يبلغ عدد القنوات الإخبارية منها 66 قناة، محتلة بذلك المرتبة الخامسة، بعد قنوات الدراما (151 قناة)، والرياضة (146 قناة) والقنوات الدينية (125 قناة)، والمنوعات الغنائية (124 قناة).

وللوهلة الأولى، ثمة في هذه الأرقام ما يدعونا للاعتقاد ان الشاشات في منطقتنا وتفوّق قنوات الدراما فيها تسير على خطى شاشات كثيرة من حول العالم، اختصرها رئيس أكاديمية علوم وفنون التلفزيون («إيمي») بروس بيرسنر، حين قال: «في هذا العالم المضطرب الذي نعيش فيه، يبقى التلفزيون القوة الوحيدة التي تتيح لنا ان نشاهد الجمال والدراما في حياة الإنسان، وهذه القوة هي الأكثر أهمية وتأثيراً».

ولكن مهلاً... الدراما في مفهوم رئيس «إيمي» شخصيات مكتوبة على ورق، أما في بلادنا فمأساة، خبزها اليومي الدم والنار.

التعليقات (2)

    محمد

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    مقال رائع

    مواطن

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    لا بئس في المقال لاكن هل من يقتل الاطفال في العراق وسورياء من التحالف والنضام النصيري هوة قليل بنسبة للدولة
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات