الملفت أن غياب شخصية "أبوعصام" التي أداها عباس النوري عن المسلسل كان وحسب عباس نفسه انتقاماً منه لأنه خدع مخرج المسلسل بسام الملا بعد أن وعده بمسلسلي الذي كنت أكتبه عن البيئة الشامية آنذاك وهو أولاد القيمرية فقد رغب عباس حينها أن يخرج هذا المسلسل بنفسه كونه متعدد المواهب وفعلاً كان بسام الملا قال لي إنه ينتظرني لأنهي كتابة أولاد القيمرية ليخرجه ولم أكن أعلم أن عباس يخدعه.
تكررت أجزاء باب الحارة وقرر بسام الملا أن يعلم الجميع أن مفتاح حارته موجود في "شرواله" وأن تلك الحارة التي خدعت السوريين والعرب على أنها تختصر دمشق هي ورثته من التلفزيون السوري لاستكمال اغتيال تلك العاصمة الأبدية التي كنا لا ندري ما هو المخطط المرسوم لتدميرها ثقافياً وإنسانياً وأخلاقياً، والاعتداء على تراثها الخصب عبر تلك المهزلة المبتذلة. تصالح الآن شبيحة التراث مع بعضهم انحناءً للمال القادم من الشرق بعد أن خذلوا القذاقي صاحب الرؤية الإبداعية في تدعيم حضارتنا الإنسانية وأخذوا يعدون العدة للجزء السادس والسابع لذلك الباب الذي استخدم ديكوره سابقاً للسياحة والمطاعم في غوطة دمشق، وهنا علينا التوقف والتساؤل: عن أية حارة وأي باب سيتكلم الملا والنوري وما يرافقهم من ممثلين وكتاب وقفوا منذ آذار 2011 يشاهدون بلادنا تدمر على رؤوس ذلك الجمهور الذي رعاهم وجعلهم نجوماً على حساب وقته وضرائبه مستغلين طيبته، ينطلقون بمسلسلهم الآن وكأن بيوت سوريا مازالت دعائمها واقفة، ولم تروَ غوطة دمشقها حيث باب الحارة الذي بناه الملا بدماء بريئة، أو أن الكيمياوي الذي قصفت به غوطة الشجعان وحصد أرواح السوريين كان مجرد فانتازيا تلفزيونية من إعداد زميله نجدت أنزور لمجرد التسلية، ذلك النجدت الذي تطاول قبله على الدم السوري ودخل داريا ليصور غروره المشبوه فوق أشلاء الشهداء.
لا أدري ذلك الملا والنوري ومخرج العمل عزام فوق العادة الذي قبل على نفسه أن يحذفنا من قائمة أصدقائه عن صفحته ليناسب صفقة قدومه من كندا لإخراج باب الحارة، لا أدري عن ماذا سوف يتكلمون الآن. هل يرون عبر رسالتهم الإبداعية التي يفترض أنهم مؤتمنون على نشرها أن الثكالى والمنكوبين يحتاجون لجرعة تسلية كما يحتاج المال لبعض التضحية وإن بمئات آلاف الضحايا؟. أم أن رسالتهم الفنية هي سياحية بالأساس والغاية منها القول لإخواننا العرب إن سوريا بخير وباب الحارة صامد بوجه المؤامرة الكونية.
باب الحارة في جزئه الجديد بالتأكيد لن يعرج على حي طالع الفضة الذي قدمه عباس النوري في مسلسل شامي عن التعايش بين الأديان في تلك الحارة الشهيرة من دمشق، فمآذن سوريا ما زالت شاهدة تبكي ومازال نجومنا البواسل يتقاضون أجورهم المهولة من تلك المحطات الخليجية التي ترعى نفاقهم وكأن تلك المآذن الشامية لا تعني لمموليهم إلا أنها مجرد حجارة لديكور قد يعاد بناءه متجاهلة ما تم تدميره للنسيج الإجتماعي السوري عبر مايقارب السنوات الثلاث من عمر هذه المأساة، أما نسخ القرآن الكريم التي دنست في أنحاء بلادي فهي بالنسبة لأولئك الممولين مجرد سيناريو لاحق الدفع لباب حارة جديد يكون حينها الأسد قد غادر ونظامه الشام فيصبح باب حارة متكيفاً مع المستجدات ويمنح الملا والكتاب المثابرون وذلك الرهط من الممثلين فرصة لتبييض صفحاتهم عما اقترفت أياديهم بحق الشام ولن نستبعد حينها هجوم "أبو شهاب" يرافقه "النمس" وفي الصدارة "أبوعصام" يفتل شواربه يمتطون الخيول على باب قصر المالكي مثلا أو على تمثال ساحة عرنوس للانتقام لباب الحارة ومطاعمه الفاخرة التي استثمروا فيها ودمرت الآن.
لا أدري هل مناشدة الممولين لبناء ديكور حارة شامية جديدة أن يمولوا مخيمات السوريين في الشتات ببعض الحبال لخيمهم كي لا تسقط من شدة الرياح لحين عودتهم لأنقاض حاراتهم الأم في شامهم التي هي سوريا من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها ستفلح؟.
للأسف تكبر مأساة السوريين يوماً بعد يوم ونعتب بل ونذم المنظمات الدولية كيف تتجاهلها بصفاقة منقطعة النظير وآخرها التوقف عن توثيق الضحايا، بينما من اشتروا بيوتهم وتلك السيارات الفخمة لهم ولنسائهم من خلال تصفيق السوريين لهم يديرون ظهرهم لصرخات المظلومين من أبناء شعبهم وتعلوا ضحكاتهم في مرابع فنهم العتيد دون أدنى حس بالمسؤولية التي كان عليهم تحملها..
إلى هؤلاء جميعاً: يؤسفني أنني عملت في تلك الحقبة السيئة من النفاق الإبداعي الذي انهار على أدواته المشبوهة مع أول صرخة طفل سوري قال فيها "الله سوريا حرية وبس" ولكن بالتأكيد سوريا القادمة ستبني أبوابها وحاراتها بكرامة تلك الدماء الزكية التي انهمرت، وستعلن ميلاد إبداع حقيقي بعيداً عن الابتذال وسرقة الآمال وستعود دمشق عاصمة للشرق والغرب ومنارة للثقافة الإنسانية بوقار التاريخ الذي حملته بين جنباتها وسنكتب على أول القدم الشريف وعلى باب جديد ما قاله نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم "يا طوبى للشام يا طوبى للشام يا طوبى للشام"
التعليقات (3)