فنانو سوريا: خنجر في ظهر الثورة!

فنانو سوريا: خنجر في ظهر الثورة!

منذ أن أطلق رفيق سبيعي أغنيته (نحنا جنودك يا بشار) - والتي كان يمكن أن نتقبلها على أنها من طرازالأغنية الساخرة- لولا جدّيتها الواضحة، بدأ انهيار الإنسان داخل الفنان المؤيد للنظام، وبدقة أكبر: بدأ إعلان ذلك الانهيار الموجود أصلاً، والذي كان متنكراً بزي ملائكي ومختبئاً تحت طبقات المكياج الكثيفة التي عاش بها الكثير من نجوم الفن في سورية!

رفيق سبيعي "أبو صياح" ربما كان من أكبر الفنانين السوريين سناً ومن أهمهم موقعاً ومن أكثرهم خبرة حياتية وفنية، ومع ذلك يرتضي بإعلان سقوطه الأخلاقي والوطني مفتتحاً بذلك حقبة مبتكرة من السقوط وفاتحاً الباب أمام آخرين ليكشفوا عن ذواتهم الملتحفة بالقيم والمتوارية خلف شعارات العفة والحضارة!

 من الصفوف الأولى إلى الأخيرة!

كل ذلك سقط دفعة واحدة ليتواصل مسلسل السقوط بحلقات مفتوحة ربما لا تشابه حلقات أي مسلسل آخر، وإذا كانت الحلقة الأولى من بطولة نجم كبير يمجّد قزماً قرّرالاحتفاظ بكرسي الحكم للأبد ولو على حساب تدمير الوطن برمته، فإن الحلقات الأخيرة، أبت إلاّ أن تصل إلى انحدار غير مسبوق حيث أتاحت لممثلين في الصفوف الأخيرة أن يطالبوا بنزع الجنسية السورية عن كل من ينتصر للثورة، ذلك ما قام به ممثل مغمور عديم الموهبة من رعايا اتحاد شبيبة الثورة ويدعى (يوسف المقبل) ونشره على صفحته على الفيس بوك منذ أيام ربما طمعاً بالقفز إلى الصفوف الأولى في أعمال الموسم القادم، بعد أن أعلن الموسم الدرامي الأخير سطوع نجم الكثيرين من عديمي الموهبة واحتلالهم مواقع متقدمة في الأعمال الدرامية مكافأة لهم من النظام على وقوفهم ضد الثورة وتمجيدهم اللامحدود لـ"سيد الوطن"..

يغني (أبو صياح) فيرقص (غوار الطوشة) ويجر الآخرين من مريدي الدبكة إلى الحلبة، ويرقصون على دماء أخوتهم التي تسيل على كامل التراب السوري، ويستدعي جيل الآباء جيل الأبناء والأحفاد لينضم إلى الجوقة كثير من الفنانين الشباب الذين صمّوا أذانهم عن أنين الوطن، وأغمضوا قلوبهم وأقفلوا ضمائرهم حتى إشعار آخر بعد أن كانوا في مسلسلاتهم لا يكفون عن محاربة الفساد وتمجيد القيم والتغني بالوطنية ليتضح أن كل ذلك كان محض تمثيل!

يخرج باسم ياخور من مكتب ماهر الأسد إلى شاشات التلفزيون ليعلن أن أصدقاءه في السلطة هم الوحيدون القادرون على المحافظة على "الموزاييك" السوري، وتنبري وفاء موصللي قافزة من شاشة إلى أخرى وهي تدلل على عظمة القائد وتندد بالنظام السعودي الذي لا يسمح للمرأة بقيادة السيارة، وتكفّر القرضاوي لمجرد مناصرته للثورة السورية، ولا تنسى أن تتحدث عن الرفاهية المطلقة وغير المسبوقة التي يعيشها السوري مقارنة بكل دول العالم ضاربة عرض الحائط بكل تذمرها السابق من استشراء الفساد في مفاصل النظام وإحساسها بضرورة الرحيل خارج سورية.. فيما يصدح صدى أغنية رفيق سبيعي نذير شؤم في ضمير ابنه الأكبر عامر سبيعي فينضم لمناصرة الثورة ويعلن بشكل غير مباشر براءته من أبيه!

هكذا وقع خبر الثورة كالصاعقة على بعض فناني سورية وشكّل ضربة موجعة لهم وإعلاناً لنهاية شهر العسل، أو سنوات العسل التي حقق فيها هؤلاء الفنانون ثروات ضخمة وحازوا امتيازات ونفوذاً لم يكونوا يحلمون به، فقرروا التعامل مع الثورة على أنها عدوهم الأول لأنها تهدد مكتسباتهم وقد تحرمهم بعضاً منها، وقاموا بتفصيل آرائهم على مقاس مصالحهم وليس على مقتضيات الاستحقاق الوطني الصريح، ليحولوا الوطن إلى وجهات نظر من أجل امتيازاتهم ليس إلاّ..

 الفنان الأداة..

ربما كان من الخطأ الجسيم توصيف ما قام به الفنانون المؤيدون على أنه "مواقف"، فالموقف مهما كان خاطئاً وسلبياً لابد أن يستند إلى شيء من النبل لأنه يكشف عن قاع الحقيقة الإنسانية وانسجام الإنسان مع مكوناته ليرتقي إلى قناعة, وذلك أمر يمكن قبوله مهما اختلفنا معه، غير أن ما فعله فنانو النظام لا يرتقي إلى مرتبة الموقف ولا هو قناعة خاطئة يمكن قبولها أو التعاطي معها أو مناقشتها، فهم وضعوا أنفسهم أدوات في يد النظام وفي خدمته واستخدمهم الأخير كواحد من الأسلحة الثقيلة كما يعتقد، ومن الصعب طبعاً القول بأن الأداة يمكن أن يكون لها موقف أو لديها قناعة..

واللافت أن النظام في سورية عمد إلى فتح أبواب الحظيرة للفنانين بالتزامن مع فتح النارعلى المتظاهرين السلميين لأنه يثق بهم ثقته بالرصاص، وكان وقعهم على الثورة السورية أشد من الرصاص وقد وظفهم النظام ليكونوا الخنجر الذي يطعن الثورة من الخلف ويكمل بهم حلقات الغدر التي اعتمدها منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة.

إذا عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء سنجد أن النظام زج بالفنانين في طليعة المدافعين عنه وعن وجوده وقد سبقوا المحللين السياسيين ورجال الاقتصاد ورجال الدين وكل الشخصيات العامة الأخرى التي اصطفت لاحقاً مع النظام وذلك لم يكن محض صدفة، فقد عمل النظام- وخصوصاً في السنوات العشرالأخيرة- على تجريف البنية الثقافية والسياسية والعلمية بالكامل وأحل مكانها الدراما التلفزيزنية وسعى إلى تعزيز الدراما حتى كاد يختصر سورية كلها بمسلسل.. نعم .. شجع النظام الإنتاج التلفزيوني بشدة حتى أكل كل أنماط الثقافة الأخرى فلا رواية ولا شعر، ولا فلسفة ولا أدب إلا تلك النماذج الخارجة من عباءة الدراما التلفزيونية والتابعة لها، وانتقل النظام من التدخل في الإنتاج عن بعد إلى مرحلة الاستيلاء التام عليه ومن مرحلة التدخل غير المباشر عبر أشخاص يمثلون النظام ويتصدرون واجهه الإنتاج الى الهيمنة الحقيقية والمباشرة على شركات الإنتاج ذاتها، بعد ان تكشف للعلن أن ماهر الأسد شخصياً هيمن على تلك الشركات، وثمة أقوال بأن بشار نفسه شريك بها أيضاً، وقد ضمن من خلال تلك الهيمنة ليس فقط المستوى الفكري المتردي وتجهيل الجمهور وتسخيفه وتهيئته للقبول به واستمراره، بل أيضاً تبعية الكثير من الفنانين له وارتماءهم في أحضانه باعتباره صاحب رأس المال وصاحب قرار الإنتاج والتشغيل، ضمن إذن جمهوراً يستطيع الفنان - كما يعتقد- أن يتحكم برأيه ويقوده إلى حيث يشاء.. وأصبح "الممثل" أهم شخصية اجتماعية فهو الفنان والنجم والفيلسوف والسياسي وعالم الاجتماع والذي يبطل حضوره في مكان ما فاعلية أي متخصص حتى وإن كان في علوم الكيمياء..

 مسطرة الثمانينيات..

ثمة دوافع كثيرة حدت بأولئك الفنانين لتأييد النظام وبشدة، ربما كان من أهمها القياس على مسطرة الثمانينيات، حيث حصد مؤيدو الأسد الأب حينها مكاسب بالجملة، وراهن هؤلاء على قدرة النظام السوري على قمع الثورة لا اعتماداً على شرعيته بل ثقة بقدرته على البطش، ولم يضع الفنان المؤيد أي احتمال آخر، كان ذلك واضحاً من خلال مجمل تصريحاتهم ولقاءاتهم التلفزيونية والصحفية والإذاعية المكثفة التي ترافقت مع االثورة كجبهة مضادة لها، فمعظم تلك التصريحات كانت تستعيد "المؤامرة" التي تعرض لها الأسد الأب وطريقة "إفشالها" مما يشي وبوضوح أن أولئك الفنانين لم يقرؤوا الثورة السورية إلا على أنها محاولة محكوم عليها بالفشل وسرعان ما يستعيد الأسد الابن مواقعه ويعود أقوى فلا بد من الوقوف معه، والكارثة أنه بعد كل الذي حدث لا يزال هؤلاء مصرين على خيانة شعبهم وضميرهم وتمسكهم برواية وحيدة أثبتت كل الوقائع مدى دجلها وكذبها، ظل زهير رمضان منذ بداية الثورة يلوك بنود النص المقزز في إطلالات لم تنقطع على قنوات العار السورية إلى أن وصل به الأمر للتصريح علانية على شاشة الإخبارية السورية يوم الجمعة الماضي أنه ابن منظمة شبيبة الثورة وأنه في الثمانينيات كان طالباً في المعهد العالي للفنون المسرحية وقد ترك المعهد وتوجه إلى اللاذقية حاملاً السلاح لمناصرة الجيش الباسل، وقال بالحرف، وبجدية تامة، إنه ابن مدرسة (سيدنا لينين عليه السلام) ومدرسة القائد الخالد..

سلاف فواخرجي ترتدي البدلة العسكرية فتعيد إلى ذاكرتنا فكرة المظليين الذين نالوا حينها أربعين درجة في البكالوريا لينشأ جيل جاهل في سورية من حملة الشهادات الجامعية المزيفة بعد أن أرسى حافظ الأسد قواعد العلم بالولاء وانتقل ذلك إلى الجامعة حيث يستطيع القصر الجمهوري التحكم في درجات الطلبة وامتحاناتهم ونتائجهم على هواه.. أما الدرجات الأربعون التي تسعى إليها فواخرجي فهي أكبر طموحاً بكثير من مجرد دخول كلية الطب، وأصرت على جر زوجها إلى موقعها ليظهر نوع من التشبيح العائلي في أوساط الفنانين..

تطلق رغدة نباحاً مستميتاً لإعلان ولائها ثم تصل بها حالة الجنون لمطالبة الرئيس باستخدام الكيماوي علها تسرع في قبض مكافأة الولاء حيث لم تعد مطلوبة في مصر فلماذا لا تذهب إلى سورية وزيرة أو على الأقل نقيبة للفنانين ففاديا خطاب ليست أفضل منها، ويستجيب الرئيس لطلبها خلال أيام ويقتل الآلاف في الغوطة، بينما يسارع نجدت أنزور إلى رد الجميل، ألم يأت به النظام من أرصفة عمان ويضع بين يديه أعلى الإمكانيات الإنتاجية ويعفيه من خدمة العلم؟؟ أليست فرصته الذهبية للتربع على عرش الدراما السورية واستلام منصب ما في القادم من الأيام وهو الذي جعل القاعة تضج من الضحك يوماً حينما كان في ندوة مشتركة مع الشبيح حسن م يوسف فاستشهد بمقولة الأخير الشهيرة "إننا محكومون بالأمل" قبل أن تضج الصالة وهي تصحح بأن المقولة للكاتب المسرحي سعد الله ونوس؟؟

 التركيبة الانتهازية..

التركيبة الانتهازية الانتفاعية للفنانين المؤيدين والتي كانت تحكم آلية عملهم في الوسط الفني انتقلت معهم إلى مستوى الموقف الوطني، فكما كان كل واحد من هؤلاء يحاول قضم كعكة الدراما كلها ويتبع أساليب سوقية ليضمن لنفسه الحصة الأكبر على حساب الآخرين، فإن ثقتهم بانتصار"أسدهم" جعلتهم يهرعون للتنافس في التهليل له وقيادة حملة واسعة وشديدة التركيز لتشويه الثورة عبر الكذب والدجل والتزوير واتباع تعليمات رجال الأمن والمخابرات -الأصدقاء المقربين لأولئك الفنانين-، للوصول إلى أفضل نتيجة.. وفي الواقع لابد من التذكير بأن آلية العمل في الوسط الفني وتحديداً في السنوات العشر الأخيرة كانت متسقة تماماً مع منظومة الفساد الحكومية التي وصلت إلى ذروتها في عهد بشار الأسد، فقد تجاوز سوق الدراما منطق الشللية إلى منطق المصالح المتبادلة واحتكار فرص العمل لصالح فئة محددة، وكذلك سيادة منطق "التوريث" حيث أخذ معظم الفنانين يزجون بأولادهم في ذات المهنة سواء امتلكوا الموهبة أم لا، فقد صعدت مهنة الممثل والمخرج التلفزيوني لتحتل المواقع المتقدمة من بين المهن الأخرى، وتعدى دخلها المادي دخل أية مهنة أخرى، ومن هنا تسابق بعض الفنانين لتوريث المهنة ليس من منطلق الهاجس الفني أو المشروع الفكري بل بسبب العائد المادي الضخم، مما يجعل أيمن زيدان يظهر على شاشة الفضائية السورية في الشهور الأولى للثورة داعياً إلى محاربة المندسين ومناصرة سيد الوطن، ورغم مغادرته إلى مصر مع جميع أفراد أسرته فقد عمل على تشويه صورة الثورة بين الجمهور المصري منضماً إلى جوقة رغدة وميادة الحناوي وسلافة فواخرجي ولعب دوراً كبيراً في تراجع التأييد المصري الشعبي للثورة السورية، وذلك ليس انطلاقاً من موقف حقيقي بل حزناً على امبراطوريته التي أسسها في سورية وضاعت منه بسبب تأييده وأمثاله لسيد الوطن في نوايا تدمير الوطن والتي تحولت إلى واقع بعد وقت قصير..

 نجوم من ورق..

استعان النظام بالفنانين باعتبارهم النخبة المثقفة المحببة لقلوب الناس، وبالتالي فهم قادرون على التأثير فيهم وجرهم إلى حيث يريد، وقد فوجئ كل شرفاء سورية- إلى درجة الفجيعة- ببعض نجومهم- الذين كانوا يتمنون أن يحصلوا على صورة تذكارية معهم- يبيعون الوطن والضمير والإنسان ويعلنون وقوفهم مع القاتل، وفي الواقع لو أن الجمهور السوري كان على صلة قريبة بأولئك الفنانين ومطابخهم الداخلية لما شعر بأية مفاجأة، فالفن لدى هؤلاء هو مهنة مربحة، حرفة، مشروع استثمار مالي، إلى جانب النفوذ والشهرة لا غير، وليس لديهم أية أرضية إنسانية أو حضارية بدليل مشاركة الكثير منهم بأعمال شديدة التفاهة، إنهم نجوم من ورق، نجوم بحكم تكرار ظهورهم على الشاشة وليس بالأثر الذي يحققونه، فقد حول هؤلاء العمل الفني إلى مجرد حرفيات، إلى مصنعية بكل ما تعني الكلمة من معنى، فالممثلون لا يقرؤون النصوص في معظم الأحيان ولا يقرؤون حتى أدوارهم إلا أثناء التصوير أوقبله بقليل، ولا يقومون بإنشاء أي مقترح فني إلا فيما ندر، أما المخرجون فجل ما يهمهم هو أن تغطي الحلقة التلفزيونية الزمن المحدد لها، وألاّ يجد المخرج صعوبة في تركيب اللقطات أثناء المونتاج، وأن يضمن رضى المحطة التي ستشتري العمل، ولذلك أصبح الفنانون العاملون في الحقل الدرامي إما من الأخطبوطات الكبيرة التي تعمل بحكم اسمها وعلاقاتها وقدراتها التسويقية، أو من صغار الدلافين الذين وفدوا للوسط الفني بحكم صلات القربى أو الوساطات أو بحكم فرضهم من قبل ضباط المخابرات والقصر الجمهوري، فكيف يمكن لفنانين مثل هؤلاء الوقوف مع الوطن حينما يكون ذلك الوقوف خطراً على مصالحهم الشخصية ويتركون "سيد الوطن" وهم الذين أعلنوا عبوديتهم له؟! كيف يقفون مع من يطالب بالحرية فيكشف مدى تبعيتهم ورخصهم!!

كان فواز الساجر يبحث دائماً عن علميّة التمثيل والمنهجية الواجب اتباعها لخلق الدور، وباستثناء ذلك فإن قليلاً من الجرأة وقليلاً من "الوقاحة" – على حد وصفه، يحول أي شخص غير موهوب إلى ممثل، وللأسف فقد أهمل الكثيرون من طلاب الساجر حديثه العلمي واعتمدوا على ما كان يطلب منهم الابتعاد عنه وعملوا فقط اعتماداً على الجرأة والوقاحة، والصفة الأخيرة هي التي تبدت ليس فقط في عملهم الفني بل أيضاً في طريقة تأييدهم للنظام، وربما تلك الوقاحة هي ما جعلت ممثلاً قضى معظم حياته يشكو من الظلم هو توفيق اسكندر يطلق تسمية "فطايس" على ضحايا قصف النظام وينشر يومياً صور الشهداء في صفحته على الفيسبوك تحت ذلك المسمى القذر ويمتدح الجيش الباسل بلا كلل.

 تشبيح مؤسسات

لم تقف مساندة النظام من قبل الفنانين على الأشخاص إذ هبّت المؤسسات المتصلة بالعمل الفني بدورها لتعلن تأييدها "لسيد الوطن" حيث قادت نقابة الفنانين حملة غير مسبوقة لتشويه الثورة وتمجيد الرئيس ودعت إلى وقفات ومسيرات متتالية، ورغم كونها مؤسسة إلاّ أنها صيغة مفرغة من المحتوى فهي خاضعة أيضاً لسلطة الأشخاص، وإذا ما عرفنا أن نقيب الفنانين عند اندلاع الثورة كانت الممثلة فاديا خطاب سنعرف حينها مدى هشاشة تلك المؤسسة، فالممثلة المذكورة لم تتجاوز البكالوريا في التحصيل العلمي، ولم يكن لها أي مساهمة ذات وزن طيلة عمرها الفني، بصرف النظر إن كانت قد نحجت في بضعة أدوار، ولكن كل مؤهلاتها تستند إلى ترشيح القيادة القطرية لها، أو فرضها من قبل تلك القيادة لتكون في موقع النقيب لأسباب كثيرة لا يتعلق أحدها بمؤهلات أو خبرة إدارية وما شابه ذلك.

المعهد العالي للفنون المسرحية من المؤسسات الأخرى ذات الصلة الوثيقة بالفن والذي كان عميده حينها عجاج الحفيري واحداً من مؤسسي الفساد الثقافي في سورية والمثقل باتهامات وارتكابات لا تنتهي، وقد آثر ألا يظهر كثيراً على شاشات التلفزيون ولكنه كان يدعو بانتظام إلى مسيرات مؤيدة لسيد الوطن وكان ينشر إعلانات لتلك الدعوات على الباب الرئيسي للمعهد في محاولة للضغط على الطلبة تحت طائلة تقديم تقارير أمنية بحق من لم يشارك، كما أنه أقام عدة ندوات تلفزيونية لطلبة المعهد باعتبارهم فناني المستقبل، وتطوع حينها المذيع أمجد طعمة للقيام بتلك المهمة وسجل أكثر من حلقة وظفت في إطار دفاع الفنانين (فناني المستقبل) عن النظام في محاولة لتربية شبيحة جاهزين لفترة حافظ الأسد الثاني كما يعتقدون.

المسرح القومي أيضاً لم يوفر الفرصة ولكن هذه المرة عبر حالة (العمل) فمديره هشام كفارنة بالاتفاق مع وزير الثقافة رياض عصمت حينها قررا مواصلة العمل للتأكيد على فكرة الأسد "سورية بخير"، وفيما كانت درعا تقصف كان ابنها البار يقدم عروضاً مسرحية متتابعة على مسرحي القباني والحمرا، وعندما وصل القصف إلى أطراف دمشق لم يتوقف أيضاً عن تقديم العروض وأتم أربعاً في سنة واحدة كانت جميعاً من تأليف أو إعداد أو اقتباس رياض عصمت وزير الثقافة حينها في سباق مع الزمن لإحراز أكبر كم من الغنائم.

بعد كثير من التردد تم تفعيل مؤسسة الإنتاج الدرامي مع اندلاع الثورة وبشكل مقصود من أجل فتح باب جديد للفنانين المرتزقة، وبالطبع فإن كل من شارك في الأعمال التي قدمتها المؤسسة هم المناصرون جهاراً للأسد، وإذا كان الإنتاج الدرامي الحكومي سابقاً بدون ضوابط فنية فقد اتفق الفنانون المؤيدون في زمن الثورة على ضوابط خاصة تتلخص في استبعاد كل من يشتبه أنه مناصر للثورة، وأن تكون الأعمال الدرامية على درجة عالية من السذاجة والسخف، وأن تكون مضادة للثورة متعهدة تشويهها بالحد الأدنى، وهكذا استثمرت المؤسسة لمكافأة المؤيدين وتدعيم مقولة "سورية بخير" عبر استمرار عجلة الإنتاج رغم كل ما يحدث في البلاد..

 الضمير مغلق حتى إشعار آخر

ثمة قائمة لا يمكن حصرها في ملف واحد أثارت الكثير من التساؤلات والاستهجان جراء ردود أفعالها من الثورة السورية، ربما كان على رأس تلك القائمة نجوم مثل دريد لحام ورغدة وسلاف فواخرجي ونجدت أنزور وغسان مسعود وأمل عرفة وزهير رمضان وزهير عبد الكريم وغيرهم الكثير، والذين اتفقوا على أمر واحد هو تشويه الثورة أياً كانت الوقائع، وربما جاءت تصريحات بثينة شعبان الأخيرة حول استعمال الكيماوي من قبل المعارضة لتشرح لنا طريقة نسج الكذب عند الفنانين المؤيدين، فبعد حوالي الأسبوعين من حادثة الغوطة خرجت علينا شعبان بروايتها حول خطف الأطفال من ريف اللاذقية ونقلهم إلى الغوطة لقتلهم هناك، وخلال كل تلك الفترة لم يعلن أحد من أهالي ريف اللاذقية عن فقدان أولاده، ما يقرب من ألف عائلة سرق أطفالها وأبيدوا بالكيماوي ولم يصدر بلاغ واحد لأية جهة حول عملية الاختطاف تلك!!

لقد كانت كل روايات الشبيحة من الفنانين تتقاطع تماماً مع رواية بثينة شعبان للكيماوي، ويبدو أن سباقاً محموماً بين أولئك النجوم اشتعل لمحاولة إثبات الولاء وخاصة بعد تدخل حزب الله الواسع في سورية وإحساس أولئك الفنانين بإمكانية انتصارالنظام بعد انكفائهم لفترة إثر انتصارات واسعة للثوار، فراحت رغدة تطالب بالكيماوي، فيما طالب بشار اسماعيل بمصادرة أراضي الثوار والتركمان في اللاذقية وبانياس وتوزيعها على أسر الشهداء والفقراء من العسكر، وهو الذي كان يفتخر بأنه قتل زميله الضابط في الجيش وخرج من السجن بعفو من الرئيس الخالد والتحق بمعهد التمثيل ثم أصبح من نجوم الدراما التلفزيونية دون أن ينسى يوماً اصطحاب مسدسه معه.. وادعى فايز قزق أمام طلابه أنه مطلوب للجيش الحر واعترف أنه يقوم بالإخبار عن ناشطين من الوسط الفني والمنطقة التي يسكن فيها، في الوقت الذي أخذ قاسم ملحو عبر صفحته على الفيس بوك يتغزل بالمواقف الوطنية لغسان مسعود ويعتز بها ويبارك الأخير للأول ثباته على موقفه الوطني!! وراح جود سعيد الذي صدّرته مؤسسة السينما على أنه "آلبتشينو" سورية لمجرد أنه ابن ضابط يتباهى بقدرته على الإيقاع بأصدقائه عبر نسخ محادثاته معهم وتسليمها لأجهزة الأمن..

ما الذي يثبت أن هؤلاء الفنانين انحازوا لمصالحهم وأنهم لم يكونوا يتحركون من خلال قناعات راسخة وأن من حقهم أن يكونوا في الطرف الذي يمثل قناعاتهم؟.. ثمة الكثير مما يؤكد الاحتمال الأول فمعظم هؤلاء كانوا ينتقدون النظام قبل الثورة ويدعون أنهم ضده وكانوا يشاركون المعارضة ذات الهواجس وجلهم أيدوا الثورة التونسية والمصرية بلا حدود ثم غيروا موقفهم ذاك تبعاً لتوجهات النظام والذي كان بدوره يبارك الثورة التونسية والمصرية حينما كان واثقاً أنها لن تمتد إليه، تلون هؤلاء الفنانون مع تلون رواية النظام وتبنوا مقولاته بصرف النظر عن كم الكذب المفضوح والذي لايمكن أن ينطلي على كل ذي عقل وضمير أو أن يقبل به..

 فنانو الثورة: الاستثناء يؤكد القاعدة!

ولكن بعيداً عن ذلك كله فإن النموذج النقيض، نموذج الفنانين الذين وقفوا مع الثورة يشكل أكبر كشف لدواخل المؤيدين، فقد تعرض الفنانون الذين ناصروا الثورة للاعتقال والمطاردة والإهانة داخل سورية وللتشرد والغربة خارجها وقبلوا بخسارة عملهم وامتيازاتهم وبيوتهم وتهجيرهم القسري عن بلدهم وحملات تشويه واسعة لسمعتهم وسمعة ذويهم فما المكاسب التي حققها هؤلاء جراء وقوفهم مع الثورة غير خسارة كل ما بنوه خلال كل سنيّ عمرهم وكان بإمكانهم أن يحافظوا عليها وأن يزيدوا منها لو أنهم اختاروا الوقوف مع النظام؟؟ وربما نستطيع توجيه هذا السؤال لزهير رمضان الذي اتهم زملاءه الذين وقفوا مع الثورة في مداخلته في ذات الحلقة التي صلى فيها على "سيدنا لينين عليه السلام"، بأنهم "خونة" و"مأجورون"!! خانوا ماذا ومأجورون لمن أيها الأفاق المنافق؟؟ وهل ثمة من يختار الخيانة في مقابل التهجير والغربة وترك الوطن والأهل؟؟ لو كان لدى النظام الذي يجلس زهير رمضان في أحضانه ويعتبره "الوطن" مساحة للرأي المضاد لما تجشم كل أولئك الفنانين المعارضين عناء مغادرة بلدهم..

وما موقف الفنانين المؤيدين من سجن زميلهم زكي كورديللو وابنه لمجرد مساهمتهم في عمل إغاثي حتى إن أحداً لم يذكرهما في كل الحوارات والندوات التلفزيونية التي يكررون فيها تسبيحهم بحمد القائد؟؟ وكيف سكتت نقابة الفنانين عن اعتقال أعضاء فيها وهي المؤسسة المعنية بالدفاع عنهم؟؟ وما هو موقف نجوم الفن من محاولة قتل علي فرزات ذلك الكنز الوطني الثمين سوى اتهامه بدوره وببساطة بالخيانة؟؟

كيف يقبل الفنانون أن يكون المثنى صبح وغيره من المخرجين الصغار هم من يتصدر الإخراج التلفزيوني فيما يبقى هيثم حقي ومأمون البني مثلاً عاجزين عن مجرد الدخول إلى بلدهم؟؟

وفيما يحتل ممثلون أغرار أدوار البطولة نجد فارس الحلو على سبيل المثال وكثيرين غيره يعانون مرارة الغربة وقسوة التهجير!!

ما الذي يجبر أصالة نصري على الانتصار للثورة وهي غير متضررة من النظام وليس لديها ثأر معه لتُمنع في سورية ويحكم عليها بالخيانة العظمى فيما يصدح صوت علي الديك وأخوته على مدار الساعة..

لقد كشفت الثورة السورية أقنعة كثيرة ولكن أكبر قناع استطاعت اقتلاعه هو قناع الفنانين من عبدة السلطة والمصالح الشخصية الذين ناصروا الأسد، لأنه قناع احترافي دأبوا على ارتدائه طوال الوقت حتى وهم يدعون أنهم يعارضون النظام بأعمال جريئة، وقد كان من الممكن أن يعيش أصحابه الدمويون في المجتمع السوري وهم يرفلون بأثواب الاحترام والحب من قبل الجمهور لولا الثورة السورية، التي أسقطت كل الأقنعة عن كل الوجوه!

التعليقات (7)

    احمد عبد الله

    ·منذ 10 سنوات شهر
    كعادة الانظمة الدكتاتورية ...تنمي فقط المجال الفني دونا عن سواه ...لانهم طبقة سهل التلاعب بهم لانعدام الاخلاق في اغلبهم ..اما المجال العلمي او الرياضي فهو عدم لانهم فئة يصعب السيطرة عليهم والتحكم بهم ولذلك لا نرى علما عربيا يرفع في ساحات الرياضة او العلم ...لا لشي الا لانه لا يناسب العقلية الاجرامية للمافيا الحاكمة

    azadi

    ·منذ 10 سنوات شهر
    سياتي يوم يكرم ويعظم فيه الشعب السوري الفنانين الزين وقفوا مع الثورة الشعب السوري زكي واصبح يعرف مين مع الثورة وبدي اشكر موسسة اورينت على هزا التوضيح بالنسبة للفنافين المؤيدين للنظام

    ameer

    ·منذ 10 سنوات شهر
    يعني هذا النظام معروف من زمان ومعروفة شو نواياه وشو هي اللاعيبو وصارت مكشوفة للكل

    سعود

    ·منذ 10 سنوات شهر
    لا بأس فالتاريخ يسجل و غدا النصر سيكون و عندها لكل مقام مقال و لكل فنان نصيب ....

    محمد التونسي

    ·منذ 10 سنوات شهر
    لا تستغربوا مواقفهم فهم ليسوا اكثر من شبيحة نبيحة و ادوات في يد عصابات المقاومة و الممانعة

    sahm. homse

    ·منذ 9 سنوات 11 شهر
    خنجر على حالهم . شحاحيط و رمايناهم من رجلينا

    الجبت والطاغوت

    ·منذ 9 سنوات 3 أشهر
    ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله .افلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل. ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا . إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب. وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا
7

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات