"الصور الفضائية" وسيلة نازحي دير الزور للاطمئنان على مدينتهم

"الصور الفضائية" وسيلة نازحي دير الزور للاطمئنان على مدينتهم
لا يجد كثير من أبناء دير الزور النازحين عن أحياء المدينة الخارجة عن سيطرة النظام والواقعة تحت سيطرة "داعش" حالياً، سوى صور الأقمار الاصطناعية وسيلة لمعرفة ما آل إليه حال أحيائهم ومنازلهم من دمار بعد نحو عامين ونصف العام على الحصار والقصف المستمرين من قبل قوات النظام.

ومع فرار عشرات الناشطين مؤخراً من المدينة بعد سيطرة تنظيم "الدولة" على معظم أحيائها مؤخراً، والقيود التي فرضها الأخير عليهم من مبايعة ورقابة وجدها بعضهم "ظالمة وقمعية"، انقطعت حتى الصور القليلة التي كانت تتسرب من المدينة بين الحين والآخر وتظهر الدمار الهائل الذي أصاب معظم الحارات والمباني وجعل منها ركاماً.

مبادرة فضائية

محمد (30) عاماً خريج جيولوجيا من جامعة دمشق وأحد أبناء دير الزور النازحين، أطلق مبادرة لتوثيق الدمار في مدينته باستخدام الصور الفضائية، يقول عنها إنه يحاول عبر مبادرته التي يصفها بـ"الشخصية"؛ تعويض النقص الحاصل في الصور الفوتوغرافية الواردة من دير الزور وذلك بواسطة الصور الفضائية التي تقدمها بعض البرامج والمواقع المتخصصة على الانترنت، وأيضاً لمساعدة بعض أهالي دير الزور للاطمئنان على مدينتهم ومنازلهم وما حل بها خاصة مع استحالة وصولهم إليها.

وفي تصريحه لـ"أورينت نت"، أوضح محمد، أنه من المهتمين بالصور الفضائية منذ سنوات وبالأخص الصور عالية الدقة التي ينشرها موقع (Google Earth) غوغل إيرث، وعدد من المواقع المماثلة الأخرى، إلا أنه مع بداية حملة قوات الأسد على مدينة دير الزور والمستمرة منذ حزيران 2012، بادر بالعمل على توظيف هوايته بمتابعة الصور الفضائية في توثيق التغييرات على الأرض والدمار الحاصل في المدينة نتيجة القصف الجوي والمدفعي والاشتباكات بين قوات النظام والثوار ومن بعدها بين الأولى و"داعش".

وأشار إلى أن الصور الفضائية لها أهمية كبرى في التوثيق بسبب تغطيتها لمساحات أوسع من التي تتيحها الصور الفوتوغرافية، وبربط البيانات التي تقدمها الاثنتين يتم إنشاء قواعد بيانات متكاملة حول المنطقة المستهدفة.

وأضاف أن بعض المناطق السورية لا يزال يتواجد فيها بعض الناشطين، ويتوفر فيها في بعض الأحيان شبكات المحمول والانترنت ما يتيح نشر صور الدمار فيها، أما بالنسبة لوضع دير الزور فهي منذ بداية الحصار والحملة العسكرية عليها تعاني من انقطاع شبه كامل بالاتصالات ومعظم الخدمات الأخرى، وزاد من تلك الأزمة، التضييق على الناشطين من قبل "داعش" خلال الأشهر الأربعة الماضية.

ولفت إلى أنه مع بداية الحملة على دير الزور بدأ بالبحث عن صور فضائية حديثة للمدينة على موقع "غوغل إيرث" ولكن كانت أحدث الصور المتاحة لها تعود لتاريخ آذار 2009، وهو ما استفاد منه في وضع اللبنة الأولى لقاعدة بياناته لوضع المدينة قبل بداية الحملة العسكرية والتدمير من قبل قوات النظام.

مشكلة

وأوضح الجيولوجي أنه واجهته مشكلة في توثيقه تتعلق بعدم تحديث الصور التي يعرضها "غوغل إيرث"، حيث حاول طرح المشكلة بشكل مباشر على منتديات تابعة للموقع، وكان الجواب بأن الصور التي تتواجد على خرائط المتاحة تتراوح مدة تحديثها ما بين سنة واحدة وحتى ثلاث سنوات واذا تجاوزت هذه المدة من الممكن مراسلة الموقع والإبلاغ عن المشكلة.

ولفت إلى أن "غوغل إيرث" نشر في تشرين الثاني 2012 تحديثاً لصور مدينة دير الزور لكنها تعود لأيلول 2011، وهذا التاريخ لم يكن قد أصاب المدينة دمار يذكر بعد، مشيراً إلى أنه كان يترقب صدور التحديثات المتتالية على الموقع وغيره من المواقع التي تقدم خدمة الصور الفضائية من أجل البحث عن صور الدمار الذي لحق بالأحياء "المحررة" بالمدينة خاصة بالنسبة للمدارس والمشافي والأسواق الأثرية والجسر المعلق وباقي الجسور على نهر الفرات وتوثيقها.

وأضاف أن أحدث الصور الفضائية المتوافرة لمدينة دير الزور حالياً تعود لتاريخ 24 تشرين الأول 2013، وظهر فيها أن نسبة الدمار في المدينة يبلغ حوالي 30% في المناطق البعيدة عن خطوط الاشتباك، ويصل حتى 85% في قطاعات الاشتباك المباشر مع قوات النظام وبالأخص حيي الجبيلة والرشدية.

وأشار إلى أن الصور الفضائية الأخيرة المتوفرة للمدينة مضى عليها أكثر من عام، وحدث خلال ذلك العام الكثير من الدمار في الأحياء المحررة بدير الزور ولا سيما بعد حرب الأنفاق الجارية، وتلغيم وتفجير كل جانب المباني التي يتمركز فيها الجانب الآخر، والتي أدت إلى تغيير معالم أحياء كاملة وتدميرها.

واعترف محمد أن ما يعمل على توثيقه هو شيء بسيط وليس متطور بشكل كبير كونه يعتمد على مجهوده الفردي وإمكاناته المتواضعة التي لا تقارن مع ما يمكن أن تقوم به هيئات رسمية كالمعارضة، للحصول على صور حديثة وعالية الدقة ولكنها غير مجانية، وذلك لتوثيق وعرض حجم الدمار الذي لحق بالمدن كافة نتيجة حرب النظام المستمرة منذ نحو 4 أعوام ضد السوريين ومدنهم ومعالمها الأثرية والحضارية، والتي من الممكن الاستفادة منها في أي مشروع مستقبلي لإعادة الإعمار أو تقييم تكلفته وحجمه.

ونوه إلى أنه يقوم بشكل دوري بنشر الصور التي يجمعها بعد معالجتها وعنونتها، ووضع صور مقارنة لنفس الموقع قبل الدمار، وذلك على صفحته الشخصية، وعلى بعض تنسيقيات المحافظة والتي قد يستفيد منها الناشطون وأي جهة مهتمة بالموضوع.

500 متر

من جهته، قال أحمد الذي يعيش حالياً في الجزء الذي ما يزال يسيطر عليه النظام بمدينة دير الزور، "إن منزلي يقع في حي الرشدية بدير الزور إلا أنني اضطرت للنزوح منه قبل نحو عامين مع اشتداد القصف من قبل قوات النظام والاشتباكات بين الأخيرة والثوار كون لدي 4 أطفال أخشى عليهم".

وأضاف أنه حالياً يقيم في حي غازي عياش بمنزل مستأجر ولا يفصله عن منزله سوى 500 متر فقط إلا أنه لا يستطيع أن يصل إليه أو يعرف مصيره، خاصة أن عدداً كبيراً من مباني الرشدية دمرت وسويت بالأرض، وهو لا يرى سوى الدخان وأصوات القذائف تنطلق من الحي الذي كان يسكن فيه.

وأشار إلى أنه يتتبع عادة ما ينشر على عدد من التنسيقيات من صور فضائية حول وضع الدمار في المدينة لكي يطمأن على "شقا العمر"، في إشارة إلى منزله، وإن كان هنالك أمل في العودة إليه مجدداً وإكمال بقية عمره فيه، أم أنه سيعود إلى ركام يلملم من بينه ذكريات حياته، مشيراً إلى أن حاله هذا مشابه لحال غالبية سكان المدينة الذي نزحوا عن منازلهم.

واضطر نحو 90 % من سكان الأحياء الخارجة عن سيطرة النظام بدير الزور للنزوح عن منازلهم وأحيائهم مع بداية الحملة العسكرية على المدينة قبل نحو عامين ونصف العام، ولجأ بعضهم إلى عدد من المحافظات الأخرى وتركيا، في حين لجأ عدد آخر للسكن مؤقتاً في بعض الأحياء التي ما تزال خاضعة لسيطرة النظام في المدينة.

التعليقات (2)

    ديري مشرد

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    سنرجع يوماً إلى حينا

    العرندس

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    شكلها صارت دير الزور علينا حسرة
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات