ولكن منذ طي ربط العملة بمعيار الذهب في 1971، حين قرر ريتشارد نيكسون فك ارتباط قيمة الدولار بقيمة الذهب، تربّع النفط في منزلة رفيعة هي أقرب إلى منزلة الذهب السابقة في عالم الاقتصاد.
ويساهم النفط في استقرار أسواق المال من طريق علاقته «العكسية» بالدولار: حين ترتفع أسعار النفط تميل قيمة الدولار إلى الانخفاض قياساً إلى عملات أخرى. وغالباً ما يتقاضى مصدرو النفط ثمنه بالدولار ثم يبيعونه، فارتفاع أسعار النفط يفضي إلى دولار ضعيف، وانخفضت قيمة العملة الأميركية في السنوات التي أفضت إلى أزمة 2008 المالية، وارتبطت مشكلاتها مع فقاعة مضاربات في سوق النفط. واليوم، ترتفع قيمة الدولار، والارتباط بينه وبين النفط وثيق الصلة بارتباط ثانٍ لا يستخف به: الارتباط بأسواق الأسهم النامية. وترتفع الأسهم هذه حين يضعف الدولار، على نحو ما حصل قبل 2008، وتنخفض قيمتها حين يقوى. وآخر مرة تزامن فيها انخفاض أسعار النفط مع تعاظم قيمة الدولار كانت نهاية التسعينات. يومها انفجرت فقاعة سوق الأسهم الأميركية، وعانت الأسواق النامية أزمات متناسلة. فقوة الدولار فاقمت صعوبة تسديد دَيْن هذه الأسواق بالدولار.
ومن كانون الأول (ديسمبر) 1994 حين أدى خفض قيمة عملة المكسيك إلى سلسلة أزمات إلى حين وضع هذه الأزمات الرحال في الأرجنتين عام 2001، زادت قيمة الدولار 35 في المئة على مقياس التجارة، وفاق أداء الأسهم في الأسواق المتطورة نظيرها في الأسواق النامية 200 في المئة. ولكن ما احتمالات تكرار ما حصل في تسعينات القرن العشرين؟
في الولايات المتحدة، يساهم انخفاض أسعار النفط في إنعاش الاقتصاد وتحريك عجلة الاستهلاك في القطاعات التي عانت الانكماش. وعلى سبيل المثل، حقق «والمرت»، أكبر متاجر البيع المفرد في الولايات المتحدة، أكبر الأرباح في سوق الأسهم الأميركية الجمعة الماضي. وسعر النفط المتدني يقلص التضخم المالي، فهو يخفّف دواعي أو ضغوط رفع الفوائد عن المصارف المركزية، ويشير إلى إمكان خفض السياسات النقدية وقتاً أطول. وتوقعات التضخم في سوق السندات في العقد المقبل انخفضت أمس إلى أقل من 1.8 في المئة، للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات.
قوة الدولار هي في مثابة قيد على الأسواق يخفف الحاجة إلى تدخل الاحتياط الفيديرالي. وتجذب القوة هذه رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة، وارتفعت أسعار سوق الأسهم الأميركية. وإذا لم تتدخل «أوبك» لتحديد سعر النفط، تعاظم احتمال نشوء فقاعة في أسواق الأسهم الأميركية. وفي اليابان التي تعتمد على استيراد النفط، انخفاض أسعاره يقلّص التضخم، في وقت يرغب البنك المركزي الياباني في نفخ التضخم لتتقلص قيمة العملة. وضعف تأثر الأسواق النامية بالأزمات النقدية، إثر مراكمة الدول هذه احتياطي عملات أجنبية وتعويم أسعار عملاتها. ولا يخفى أن كل الدول المصدّرة للنفط ستنزل بها خسائر مالية. وأكثرها تأثراً روسيا التي خسر الروبل فيها 53 في المئة من قيمته مقابل الدولار، وهبط من ذروة ارتفاعه في 2008. وعلى رغم أن الهند تعتمد على واردات النفط، ينمو اقتصادها. فالروبل انخفض 36 في المئة مقابل الروبية في عام واحد. ويستبعد أن يعيد تاريخ أزمة الفقاعات في التسعينات نفسه. فالعالم تعلم تفادي مثل هذه الأزمات، واحتمال بقاء أسعار النفط بخسة، مصدر خطر ينفخ في سوق الأسهم الأميركية ويرفع أسعارها، في وقت تضعف الأسواق النامية.
التعليقات (1)