وهذا الحزب الذي قام بسرقة بعض جثث الإسرائيليين بحراسة وتسهيل لوجيستي من رفاق مشروعه الإسرائيليين أنفسهم كشركة بزنس لتبادل الخدمات في المنطقة، ليؤسس على بيع تلك الجثث انتصارا إلهياً، هو مرآة نظام الأسد الذي يحتفل بشراكة جنوده الميامين باحتلال يبرود وهو "القومي العربي" الذي اختطف مواطنيه ليبادل بهم الفرس وبعض المرتزقة اللبنانيين وغيرهم ويقذف البراميل على مواطنيه ليبني انتصارات على أشلائهم.
هو تاريخ أسود من عمر البشرية بلا شك، وبخاصة تاريخنا العربي الذي طالما تغنينا بشخصيات منه كان لها شأناً في تثبيت هذه الأمة وجعلناها رافداً معنوياً هاماً في كتابة التعبير والوصف والشعر لعقود ليست قليلة، لتتدرج الأمور إلى مجموعة دول تخرج كلها من التاريخ وتتبادل التهم فيما بينها لتعوض انتكاساتها بنشرات أخبار لا مضمون لها سوى أنها عداد كلمات للحاكم وزياراته وعطاءاته ومراسيمه وأحلامه وما إلى ذلك، وتتحكم بسياستها انفعالات شخصية، ليس مفاجئا أن ينمو بين جنباتها تنظيم إرهابي يختطف من قاموس العرب شعاراتهم المقاومة التي هم بالأساس حفظوها عبر عقود بلا مضمون.
وهكذا فمن الطبيعي جداً أن يرقص هذا الحزب على جثث السوريين ويوزع الحلوى في حاراته، في ظل حكومة لبنانية لا تختلف كثيراً عن أية حكومة عربية أخرى، وفي ظل مجموعة أممية واجهتها السيد الاخضر الإبراهيمي كتعبير واضح عن ترهلها، ومشهد سياسي يشبه أفلام الكرتون يتصدره السيد لافروف، يكون الاستنتاج السليم أن عصراً ذهبياً للمهووسين بالرقص على الجثث نعيشه الآن.
لا هيبة لحكوماتنا العربية بالتأكيد ولا لسياسيينا ولا لمجموعتنا العربية، هذا هو بكل بساطة مفهوم المشهد، فإن استخف الغرب والشرق بدمائنا يكون عملياً قد عبر عن مقدار حجمنا بالنسبة له وذلك من خلال استخفافنا نحن بأنفسنا.
لم يظهر حركة سياسية بالتاريخ العربي وضيعة إلى تلك الدرجة التي ظهر فيها حزب الله وأشباهه في العراق، بل في أكثر عصورنا انحطاطا لم يتجرأ أحد يتكلم العربية على التغني بجريمة ماقترفها، فتربيتنا الاجتماعية قبل أي شيء وأعرافنا كانت قانونا غير مكتوب، وبذلك فإن مفارقة ماحصل في يبرود السورية وقبله مبمدينة القصير ليست منعزلة عن حاضر مر نعيشه في أمة أعظم رسالة سماوية، ففي بداية الثورة تعمد نظام الأسد حرق القرآن الكريم وهدم المساجد وبوضح النهار، وبقي عدد ليس بقليل من هذه الأمة وقادتها يهللون له ويترقبون انتصاره، قلع العيون وبقر البطون واغتصب وأوغل استهتاراً بكل القيم الإنسانية وبقيت دول بملايينها وقادتها تسوف وتترقب لحظة الانتهاء من إعدام شعب بأكمله ليس حبا بهذا النظام ولا جهلا بالمشروع الفارسي، ولكن خوفا من وصول هذه الثورة لها.
سابقا لم تستنفر الأمة لحماية مسجدها الأقصى وكنيسة مهد يسوع السلام حين استصرخاها، بل تماشت مع الواقع ربما بوعود صهيونية بدفن مفهوم الحرية بيد إسرائيلية بعيدأ عن أبواب قصور سادتها، تماما كما يفعل الأسد وحلفائه الآن بوعود صهيوفارسية، ومن الطبيعي أن لا تستنفر لكرامة السوريين حين يتطاول الفرس بأحزابهم السوداء التي دسوها بين أضلاعنا لتنال من أفئدة أمة الرسالة الخالدة، هي مفارقة تستوجب إعادة تعريف التقوى لدى البعض إن كانت شعائر مضبوطة على مواسم تستوجب الخشوع، ومواسم أخرى تستوجب أن ندير الخد الآخر لصفعة جديدة؟ هكذا الثورة السورية تسأل الأمة.
لكن ما لم يصل حتى اللحظة إلى سمع وبصر أصحاب القرار في جامعتهم هو أن السوريين فيهم من النبل والصبر ما يكفيهم لبلورة مشروع نهضة الأمة ولو لزم الأمر عشرات السنين، ومن هنا هم لا يعيرون بالاً لحزب مستوى انتصاراته اختطاف جثث وتوزيع حلوى في أزقة عاصمة أصبحت مشوهة كبيروت حيث جزء من اقتصادها مبني على استثمار اسمه كازينو لبنان، هذا التصرف لاينظر له السوريون الآن نظرة المفاجأة أو القلق، فالسوريون الذين ضمن بديهياتهم اليومية إكرام الضيف وإغاثة الملهوف، وضعوا حسن نصرالله منذ أول رصاصة أطلقت على مدني سوري في هذه الثورة حين وقف مع القاتل على قائمة قطاع الطرق واللصوص، الذين إن نزلوا ضيوفا عند أحد فإن هدفهم معرفة النافذة التي يمكن التسلل عبرها في جنح الليل لسرقة ما تيسر حمله..
تماماً كمن يسرق من باب الجامع حين الصلاة، حيث المؤمنون قلبهم وعقلهم في خشوع واللص يعرف أن لديه دقائق معدودة للسطو والهرب، وهذه النوعية من الناس يكفي لنهرهم وتأديبهم بضعة صبية شجعان قد يكون آباؤهم قدموا الزاد يوما لمن جاء يهدم منزلا آواه، ويغتال طفلا رواه، أو امرأة قدمت له زاداً، فالثورة السورية هي ثورة أمة وإن غفلت عنهم، لكنهم يدركون أن هذه الأمة تحتاج عنفوانهم لإعادة الهيبة إلى قامتها، وهذا هو بالذات مفهوم الثورة التي يرتجف منها كل اللصوص.
التعليقات (3)