في شارع الاستقلال المتفرع من ساحة التقسيم عشرات الاطفال السوريين الذين يلاحقون السياح والمواطنين بالدعاء باللغة العربية للحصول على قروش قليلة. بعضهم حفاة ترتجف أجسادهم من البرد، يمارسون مهنة الشحاذة تحت شعار النزوح. تلاحقهم سيارات الشرطة فيختفون قليلاً ليعودوا بعد حين.
وفي الشارع نفسه فرق موسيقية: أتراك وأكراد وسوريون يغنون القدود الحلبية وفيروزيات. يتحلق الناس حولهم ويحزنون حين ترتفع الحناجر بـ»يا مال الشام» و»طال المطال طال وطول»، و»نسم علينا الهواء من مفرق الوادي»، وتتساقط النقود المعدنية والورقية في حقيبة مفتوحة على الرصيف حين يشدو الصوت «خدني على بلادي».
أوروك داود وباسل خليل ومحمد فريد درغام وخالد الحلبي، شبان التقوا في اسطنبول لم يعرفوا بعضهم بعضاً من قبل على رغم انهم خريجو المعهد الموسيقي في سورية وأساتذة موسيقى في بلدهم. دفعتهم الحرب الى ترك دمشق وحلب والقامشلي منذ اكثر من سنة والتقوا عن طريق الصدفة. كوّنوا فرقة حاولت كسب رزقها في النوادي الليلية لكن ثمة من يقاسمهم الارباح ففضلوا الغناء في الشارع. حملوا الساكسيفون والغيتار والعود والاوكارديون.
وعزفوا للناس تارة ألحاناً تركية بكلمات عربية وتارة غنوا «ان بدك تعشق تاجر بالحرير» و»كان عنا طاحون على نبع المي». قالوا ان السياح العرب يسرون من غنائنا والسلطات التركية متساهلة معنا.
كل واحد منهم خسر قريباً في الحرب الدائرة في بلدهم لكنهم يطلبون ألا نحزن لوقوفهم في الشارع لكسب العيش. «نحن نزرع الفرح في قلوب الناس وهذا يعوض لنا حزننا».
التساهل التركي مع «الزوار» السوريين، يقابله تشدد لبناني يتحدث عنه من يعبر الحدود براً أو تحط به الطائرة في مطار بيروت. طوابير من الناس ينتظرون عند نقطة المصنع أياماً للسماح لهم بدخول الاراضي اللبنانية لإجراء معاملة أو للسفر عبر المطار أو للمشاركة في مؤتمر أو معرض.
تجار مهندسون أطباء وطلاب جامعات. ويتحدث العابرون عن تعرض للاهانة والتمييز وعن رشى تضرب بالاجراءات عرض الحائط. وحين تحط الطائرة في مطار بيروت يطلب من المسافرين غير اللبنانيين وتحديداً السوريين التنحي جانباً للتدقيق في هدف دخولهم الاراضي اللبنانية.
اسطنبول باتت بحسب المعنيين بتنظيم المؤتمرات الدولية والاقليمة المقصد الاول وليس بيروت. فيها يشعر الناس بالامان.
* العنوان الاصلي للمادة (اسطنبول تتكلم العربية..)
التعليقات (4)