تشغيل أطفال سورية: الدستور كفل حقوقهم والأسد قتل آباءهم!

تشغيل أطفال سورية: الدستور كفل حقوقهم والأسد قتل آباءهم!
يقف أمام ألواح خشبية أطول منه، يقوم بنقلها من الشاحنة إلى داخل المحل بخطوات متعثرة ويدين مليئتين بالجروح، تلفت نظر المراقب له، إنه الطفل (محمد) الذي يبلغ من العمر 13 سنة ويعمل في محل للنجارة وتصنيع الأثاث الخشبي، إنه واحد من مئات الأطفال الذين تجدهم يعملون في أغلب المحلات وبمختلف المهن، في الورش والمطاعم وعلى البسطات الممتدة على طول الأرصفة، هم أطفال بعمر الورود لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة. البعض منهم جاء برغبته إلى العمل، أما العدد الأكبر فقد جاء مرغماً ولأسباب كثيرة، ربما يكون الفقر أهمها أو فقدان أحد الوالدين، والأسباب كثيرة لانضمامهم إلى قائمة عمالة الأطفال التي ازدادت أعدادها في أيامنا هذه.

أطفال بلا طفولة

عبد الرحمن طفل، اتسخت يداه بالسواد وامتلأ وجهه بالشحم، لم يبلغ بعد الثالثة عشرة من العمر.. يعمل في ورشة لتصليح السيارات منذ سنتين، فهو الآن وحسبما قال: إنه المسؤول عن إعالة أمه وإخوته بعد وفاة والده، وهو لا يعرف شيئاً عن حقوقه وواجباته في هذه الورشة لأنه لا يعرف القراءة أو الكتابة بشكل جيد عدا عن أنه مازال صغيراً ومن السهل استغلاله، وقال: عليّ أن أفعل كل ما يطلب مني وألتزم بساعات الدوام من الصباح وحتى المساء، وممنوع أن أتغيب عن العمل مهما كانت الأسباب.

لم يكن عبد الرحمن وحده فقط من لا يعرف بالقانون، فها هي أم خلدون من مدينة دمشق تحدثنا عن ابنها البالغ من العمر عشر سنوات والذي يعمل في ملحمة، كانت هي أيضاً لا تعلم بحقوق وواجبات ابنها.. حتى أنها لم تتفق مع صاحب الملحمة إلا على الأجر الذي يستحقه ولدها في نهاية كل أسبوع.. وعن الآثار التي يمكن أن يتركها هذا العمل في نفس ولدها. قالت: " يجب أن يتعلم صنعة تكون سنداً ودعماً له في حياته.. فالحياة صعبة ".

وهناك أطفال يعملون في الشوارع، خاصة في جر عربات لبيع الخضار والفواكه أو بيع الخبز مثل غياث ذو التسع أعوام والذي يجر عربة لبيع الخبز. إن هؤلاء الأطفال يواجهون إجهاد العمل واستغلال رب العمل الذي يفضلهم على غيرهم بسبب أجورهم المتدنية

أخطار وسلبيات

محمد وعبد الرحمن وأم خلدون وغياث قصص من مئات الحالات المشابهة . وعلى مايبدو تناسى أبطالها أن تشغيل الأطفال تحت سن الخامسة عشرة له شروط ومعايير خاصة. وصحيح أنه يمكن أن يكون لها انعكاسات إيجابية على الوضع المادي للأسرة ولاسيما في هذه الظروف السيئة التي تعصف بالبلد، ولكن بالطبع لا تقارن بأضرارها السلبية.. هذه الأضرار والآثار تحدثت عنها المرشدة الاجتماعية بتول عيسى قائلة:" إن العمل المبكر يساهم في تغيير حياة الطفل ومستقبله، كما يمكن أن يعرضه للأذى الجسدي بسبب الظروف غير الآمنة وللضغوط النفسية والاستغلال والقسوة والعنف بكل أشكاله، أضف إلى ذلك أن الأطفال وبسبب وجودهم خارج المنزل لساعات طويلة، يمكن أن يتأذوا من الانخراط في عالم الشوارع، فيتعلموا أخلاقاً غير حسنة وتصبح تصرفاتهم لا تتناسب مع أعمارهم، كما يمكن أن يتعلموا التدخين وغيره من العادات التي يمكن أن تؤثر سلباً في سلوكهم الاجتماعي وعواطفهم وأخلاقياتهم.

قوانين على الورق فقط

من الصعب الحصول على إحصائية دقيقة لعدد الأطفال المنخرطين في العمل على مستوى سوريا حالياً.وبحسب المحامي (أ م) فإن المادة رقم 113 من قانون تشغيل الأطفال منعت تشغيل الطفل من ذكراً كان أم أنثى قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام الخامسة عشرة من عمرهم. ونصت على أن يصدر بقرار من الوزير نظام تشغيل الأحداث والظروف والشروط والأحوال التي يتم فيها التشغيل وكذلك الأعمال والصناعات التي يحظر تشغيلهم فيها وفقاً لمراحل السن المختلفة.. أما المادة 114 فقد حظرت تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات يومياً، على أن تتخللها فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل في مجموعها عن ساعة كاملة وتحدد هذه الفترة بحيث لا يشتغل الحدث أكثر من ثلاث ساعات متصلة.وأضاف أيضاً:

" إنه لا يجوز تكليف الحدث بساعات عمل إضافية أو تشغيله في أيام الراحة، كما حظرت تشغيله في العمل الليلي.. وبالانتقال إلى المادة 115 فنجد أنها أوجبت على صاحب العمل أن يعلن بشكل ظاهر في مكان العمل نسخة تحتوي على الأحكام والحقوق والواجبات.. وأن عليه أن يحرر كشفاً بأسماء الأحداث وأعمارهم وتاريخ استخدامهم.. كما ألزمته بوضع كشف توضيحي لساعات العمل وفترات الراحة، كما أنه من الصعب التأكد من سلامة المحيط الذي يعمل يعمل به الأطفال بسبب شيوع الفوضى ومظاهر الانفلات الأمني التي تعاني منها معظم المدن السورية حالياً ".

ظاهرة عمالة الأطفال ليست جديدة على المجتمع السوري ومنتشرة بأغلب المدن، ولكنها تتركز حالياً في المناطق التي تعرضت لأعمال عسكرية وتسببت بفقدان الكثير من العائلات للمعيل والمتمثل غالباً بالأب، بالاضافة الى أن قلة الدخل لأغلب العوائل المتواجدة في هذه المناطق دفعهم ربما بغير قصد لحرمان أطفالهم من طفولتهم.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات