مبعوث تلو الآخر لإنقاذ الأسد.. والثورة مستمرة

مبعوث تلو الآخر لإنقاذ الأسد.. والثورة مستمرة
ويحدث أن يجرب كل واحد كيف يمكن اللهو بحياة السوريين، أن تتفجر المواهب السياسية وطاقات استثنائية لممارسة عادات لم تكن تؤخذ بالحسبان عن تصنيف البشر، فقد يذكر الحشاش والنصاب والسكير وغير ذلك الكثير، لكن أن تكون النشوة هي التسلي بالدم والأرواح والجماجم ويأتي إليها كل ما هب ودب من سياسيي الغفلة وخبراء البلادة والترهل الأخلاقي، هذا لأمر عجب في تاريخ الإنسانية جمعاء.

في دهاليز الأمم المتحدة عقدت مشاورات تفتقت عن شخص بوزن الدابي كمرشح العرب القابعين في غرف جامعتهم التي ما أنجبت يوماً فأراً، ذهب الدابي وجاء أنان ليتلوه الأخضر ومن ثم ديمستورا، قتلٌ في وضح النهار وعهر سياسي دولي قطبه المتجمد لافروف وقطبه المتبلد كيري، وخلفهما بوتين وأوباما، دخلوا معترك السياسة بعقدة نقص وخرجوا إلى العالم بقصور في الانتماء إلى ما أنجزته البشرية من قيم خلال مسيرة تكوينها.

ليس تعدياً على الأشخاص أن نورد الأسماء والأوصاف تلك، لكن أن لا يدرك هؤلاء ومن معهم حجم كارثة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، ولم يرتقوا إلى مستوى الحالة الآدمية التي من الطبيعي أن نظنهم جزءاً منها، لينتموا إلى حالة غرائزية في الاستمتاع برؤية الجثث والاستماع إلى صرخات الأطفال والابتسام لرؤية الأطراف المبتورة والأبنية المتكومة، فهذا يصلح بالنسبة لنا أن نتهم كما في المحاكم عندما يقول القاضي جملته الشهيرة، قاتل عن سابق عمدٍ وتصميم.

ديميستورا الذي كلفته أمم العالم بوقف الدم المراق ونجدة السوريين، اختفى منذ توليه منصبه حتى كاد السوريون أن ينسوا أن العالم أرسل لهم رسول سلام بعد الأخضر المتلعثم والقابض على مفاتيح الطائفية منذ عقود في المنطقة، غاب ديميستورا عن المشهد وقيل أنه قابع في دمشق يراقب الصواريخ والطائرات ويوزع للأسد الصباحات مبللين بابتسامات أوربية باردة، قبع في دمشق آمناً من قصف كيمياوي، إذ قصف الأسد وسلم مخزونه وتعانق مع تلك النماذج السياسية الدولية التي ابتلينا فيها بالألفية الجديدة، فرجل الديبلوماسية القادم من السويد الناعمة إلى حديقة الأسد الدموية، لم يدرك أن ديبلوماسيته خلال أكثر من أربعين عاماً في دهاليز الأمم المتحدة بكفة وما أدخل الأسد به السوريين والمنطقة بكفة، لم يدرك أن العقول التي تتقاسم الطرائد هي لا تصنع سلاماً.

يدور الرجل الآن في حلقة بوتين وربما سنراه في طهران، وكان قد توجه برسائل إلى رئيس ميليشيا الضاحية في لبنان عله يعطيه مفتاحاً ولو صدئاً، صمت الرجل طويلاً ليتفتق بتصاريح لا تشبه سوى ذلك الدابي الذي افتتح المهمات القاتلة في سوريا، حينها خرج الدابي أن على الجميع الانحناء لرغبة الأسد والذهاب لتصحيح جديد يعيد أمجاد هذه الأسرة التي اغتصبت سوريا، الآن ديميستورا يأخذ الطريق ذاته لكن من بوابة أوصاف وتعابير مختلفة تقود إلى أن تجتمع أرواح الشهداء السوريين لتقدم اعتذاراً إلى قاتلها.

خناجر الشرق والغرب غرزت في الجسد السوري وأحقاد لم يكن يتصورها آدمي اجتمعت على هذه الأرض معلنة الانتقام من كل ما يمت للحياة بصلة، لا ندري إن اضطر الديبلوماسي الأممي أن يبرز بطاقته الشخصية لحاجز فارسي أو لمرتزقة من دول أخرى استقدمها الأسد لقتل شعبه، لا ندري حقيقة إن كان الرجل شاهد ووعى مشهد الاحتلال والقتل ذلك، لكننا ندري أنه استأنس أصوات القذائف ونام بفندق لا يبعد سوى بضعة مئات من الأمتار عن قبور الأطفال والنساء الذين قضوا من رائحة الكيمياوي، وندري أنه عبر من أمام سجون أصبحت آلاف الصور الخارجة منها موثقة في منظمته الدولية، وندري أنه يدري أن السوريين خرجوا طلباً للحرية لا طلباً لحضوره الكريم بيننا، وندري أن بلاده كانت كريمة وفتحت باب اللجوء للسوريين وقد استمعت لقصص عذاباتهم، لكن بالمقابل هل يدري الرجل أن صانع الصواريخ في روسيا حيث يتجه أخيراً معارضو الغفلة من السوريين، لا يمكن له أن ينجز حلاً، فالقاتل قاتل ولا تسقط عنه التهم بمرور الزمن، وروسيا بالنسبة للسوريين هي شريك قتل لا شريك سلام، وتاريخها السياسي يليق بالأسد ومن والاه لا بأنامل السوريين أو عظمة هتافهم للحرية.

والسيد ديميستورا في هذه المهمة لا أظنه سوى زائر اقتحم البيت بلا إذن صاحبه الذي دفع ثمناً غالياً لأجله، صاحب هذا البيت هو الشعب السوري، شعب أثبت للتاريخ البشري أنه يتمتع بكل العنفوان وعزة النفس، فثورته ليست سعياً لمبادرات مشبوهة تصنع في أروقة هي الأخرى مشكوك بنزاهتها، فالذي تسرب حتى الآن من هدنة هنا ومصالحة هناك وتثبيت وقف لإطلاق النار، ما هو إلا خلاص لنظام قاتل وشهادة براءة يتقوقع بموجبها في سراديب ما يسيطر عليه من حي المهاجرين وبعض الأماكن التي يحتلها.

ديميستورا في مبادرته تلك هو يمسك مشرطاً ليوزع الأرض السورية على أمراء مأجورين ومعارضة لا تشبه سوى جبهة النظام التقدمية التي أثقل بها سمعنا لعقود خلت، مبادرة تمزق الجسد السوري لحارات وأحياء وبنايات وقبور، وقاتل يمتلك صلاحية الظهور على الشاشات ضاحكاً فوق جثث الأطفال ومجازر متنقلة يندى لها جبين البشرية، فإن كان سادة العرب يؤيدونه ويظنون أن السوريين يرضون أنصاف الحلول، فملخص القول أن الثورات التي تنتهي بمبعوثي سلام لإرضاء الأطراف هي ليست ثورات، وثورة السوريين لن تكتمل إلا برفع أعلام النصر في ساحات لطالما تمناها الثائرون وسهروا بها واستشهد رفاقهم على أرضها، وعلى هذا أظن أن مبادرة ديميستورا، ستلحق بجينيف الإبراهيمي إلى جحيم التاريخ الذي يجعل المبعوثين يعتاشون على دماء الشعوب.

التعليقات (4)

    يوسف

    ·منذ 9 سنوات 10 أشهر
    والله ياسيد حافظ مابعرف عن أي أعلام نصر تريد للسورين أن يعلقونها في ساحات بلادهم؟ هل هي أعلام داعش أم جبهة النصرة أم أحرار الشام أم جيش المسلمين و.......أعلام أيٍ من هؤلاء الذين نسو سوريا ومشروع الشعب التحرري من الطغيان والفساد وطلبه للحرية والكرامة وصاروا يريدون رفع راية التوحيد وإعلاء كلمة الله والإسلام وصار جل تفكيرهم في الجنة ولو سيدخلونها على حساب خطف الأطفال والنساء ممن يعتبروهم من الكفار وإليك في رزان زيتونه ورفقاها مثال. أين صارت ثورة الحرية والكرامة؟ بالله عليكم إكتبوا مايقرأ.

    كاتب

    ·منذ 9 سنوات 10 أشهر
    والله يا سيدي والتعليق الان ليوسف انك لو عرفت معنى الحرية لما كتبت ما كتبت

    الى الغبي يوسف

    ·منذ 9 سنوات 10 أشهر
    كفاية عليك صرماية بشار أسد وصرامي العلويين على رأسك. اذا خير الشعب السوري بين داعش والاحتلال النصيري فالغالبية سوف تختار داعش. أمثالك في هذه الحالة يجب ان يذهبوا للعيش في قم.

    أحمد درة

    ·منذ 9 سنوات 10 أشهر
    قلتلي أعلام النصر مو هيك .......!!! خبرني أعلام داعش أم النصرة ، يا مثقف يا متعلم يا متطور، يا إبن الكتب والعلوم يا سيد حافظ ...:( ... معقول لحد اليوم لم تفهم أن هؤلاء الهمج الداعشييين هم أول من سيمنعوك من العودة لسوريا رغم كل ثوريتك وعدائك للنظام ..معقول أنك لم هذا بعد ..
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات