جريمة مائية جديدة يُخطط لها في سهل الغاب السوري

جريمة مائية جديدة يُخطط لها في سهل الغاب السوري
نبهني صديق عزيز يعيش في بلد الاغتراب عن موضوع قرأه مؤخراً، مفاده أن مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي في سهل الغاب تخطط لنشر زراعة الأرز الجاف في سهل الغاب، وقد بدأت فعلياً بنشر تلك الزراعة على حقول المُزارعين.

وأعرف، كمهندس زراعي، بأن الأرز محصول شره للماء جدا وانه ينمو في المناطق الرطبة وضمن مستوى كبير من المياه وهذه البيئة غير متوفرة في بلادنا، فتذكرت تلك التجارب التي قامت بها وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي مثل زراعة الموز ضمن البيوت البلاستيكية وزراعة الشاي وزراعة القهوة في الساحل وزراعة الأفوكادو وصرف مئات الملايين على تلك التجارب الفاشلة التي كانت تهدف لإنجاح زراعة نباتات غريبة عن بيئتنا والهدف المعلن هو الاكتفاء الذاتي من تلك السلع لوقف ما يسمى استنزاف العملات الصعبة التي تُدفع لاستيراد تلك السلع. ولكن بما أن معلوماتي عن محصول الأرز الهوائي محدودة وقبل أن أحكم على هذه التجربة بدأت بالبحث والتقصي عن هذا المحصول لأصل لمعلومة قد تبرر لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي اتخاذ هذا القرار.

قبل الدخول بموضوع الأرز الهوائي نبين للسادة القراء طبيعة سهل الغاب في سوريا.

تبلغ مساحة سهل الغاب 140.8 ألف هكتار منها 87 ألف هكتار قابل للزراعة ويتميز بأهمية زراعية خاصة فهو يشكل المنطقة الزراعية الرئيسية في محافظة حماة ويشغل الجزء الشمالي من الوادي الإنهدامي الذي يمتد بطول يقارب 50 كم وعرض وسطي يبلغ حوالي 10 كم فيما بين النهاية الغربية لسفح جبل الزاوية في الشرق والنهاية الشرقية لسفوح الجبال الساحلية في الغرب. يبلغ وسطي ارتفاع سهل الغاب عن سطح البحر بحدود 180-200/م، ويتصف تسطحه بشدة استوائه في الوسط، وبتضرسه النسبي عند أطرافه ويبلغ متوسط الهطول المطري في سهل الغاب 857.7 ملم في الموسم، كان سهل الغاب سابقاً عبارة عن مجموعة مستنقعات وتمّ البدء في تجفيفه عام 1954 ليدخل في الاستثمار الزراعي منذ عام 1959 ويتحول بعد ذلك إلى واحدة من أكبر المناطق الإنتاجية الزراعية في سوريا.

أما موضوع الأرز الهوائي أو كما تم وصفه في أحد المراجع بالأرز الجاف، فهو نوع جديد من الأرز تم استنباطه في بعض الدول (الصين – مصر) ويتميز هذا النوع من الأرز بحاجته المنخفضة للمياه حيث تقدر حاجته للمياه بنصف حاجة الأرز العادي للمياه خلال موسم نموه البالغ 120 يوم. ويبلغ متوسط إنتاجه 3/طن للهكتار.

وفي حال كان هذا الكلام صحيحا، فإن هذا الصنف من الأرز يعتبر ثورة حقيقية ولكن في بيئته وليس في بيئتنا، فمن المعروف أن الأرز العادي الكلاسيكي يحتاج ( في مصر مثلاُ) إلى 7 آلاف متر مكعب للفدان الواحد،أي أن الأرز الهوائي يحتاج إلى 3500 متر مكعب للفدان، ونحن نعلم أن الفدان المصري يعادل 4200 متر مربع إذا فإن الهكتار الواحد من الأرز الهوائي يحتاج إلى 8333 متر مكعب من المياه.أي أن الأرز الهوائي يحتاج لكمية مياه أكثر ما يحتاجه محصول القطن الذي يحتاج الهكتار الواحد منه إلى 7000 متر مكعب ( وذلك حسب النشرة الإرشادية رقم 478 لعام 2010 للدكتور محمد نايف السلتي الصفحة 15).

أي أن محصول القطن الذي أعتبر نشر زراعته بالأساس جريمة لاستنزافه المياه في بيئة شبه جافة مثل بيئتنا يوفر بكمية المياه أكثر من محصول الأرز الهوائي.

وقبل الدخول للناحية الاقتصادية لموضوع نشر محصول الأرز الهوائي لا بد من التأكيد على أن المياه تعتبر من أهم ثروات أي بلد لأن وجودها مرتبط بوجود الإنسان، ومهما ارتفعت القيمة الاقتصادية لأي محصول فإذا ما قورنت بالقيمة الاقتصادية والاجتماعية للمياه فتعتبر تلك القيمة الاقتصادية لهذا المحصول صفراً في حال كان هذا المحصول يؤدي لاستنزاف المياه.

أما عن المبررات الاقتصادية لمثل تلك الأفكار الجهنمية فهي كعادة حكومات حزب البعث والأحزاب الشمولية الأخرى المتحالفة معه لا تخرج عن تلك الشعارات التي عُرفت في بداية ستينات القرن الماضي وهي تأمين لقمة الشعب بعيداً عن احتكار الدول أو وقف استنزاف العملة الصعبة الناتجة عن عمليات استيراد سلعة ما وغيرها من تلك الشعارات التي أثبت التاريخ عدم جدواها وخصوصا في ظل عولمة الاقتصاد والتجارة ولا بد لي هنا أن أذكر بتجربة المملكة العربية السعودية حين قررت في ثمانينات القرن الماضي من زراعة القمح لنفس تلك الشعارات ووصلت صادرات السعودية عام 1988 لأكثر من مليوني طن من القمح، بعدها اكتشفت السعودية بأنها بكل الأحوال خاسرة بزراعة القمح فتوقفت اعتبارا أوائل تسعينات القرن الماضي عن التوسع بزراعة القمح.

أما بالنسبة لسهل الغاب وتجربة زراعة الأرز الهوائي بهدف وقف استنزاف العملات الصعبة الناتجة عن عمليات استيراد الأرز فنعود لقاعدة بيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO) حيث بينت تلك الإحصائية بأن متوسط استيراد سوريا خلال الخمس السنوات الأخيرة 2007-2011 من الأرز بلغت سنوياُ 246040 طن من الأرز بسعر وسطي للطن الواحد 756 دولار أمريكي. أي أنه في حال اعتمادنا وسطي إنتاجية الهكتار من الأرز 3/طن بالهكتار فإن سوريا في زراعة كل هكتار ستوفر عملة صعبة على الخزينة بقيمة 2268 دولار أمريكي. ولكن في حال تم استبدال الأرز الهوائي بمحصول محلي تصديري يكون غير شره للماء ما تكون النتيجة ولنعطي محصولين محليين.

وبذلك أرى أنه وبدلاً من زراعة الأرز الهوائي المستنزف لمياه سهل الغاب لو أن الحكومة قررت التوسع بمحصولي السمسم أو الفول السوداني (على سبيل المثال لا الحصر) لكانت ستحقق عائدا من العملة الصعبة نتيجة تصديرهما وبهذا الفائض يمكنها استيراد الأرز لموائد السوريين مع بقاء فائض من العملة الصعبة. ذلك إضافة لتجنب للأثر البيئي الذي قد يكون سلبياً نتيجة إدخال نوعاً زراعياً غريبا على منطقة الغاب الذي بالأصل ما زال يعاني بيئيا نتيجة تجفيفه ولعل قضية نبات الوزال الذي يسد قنوات الصرف والتي لم تلقى أي حلول لغاية الآن تذكرنا بالجرائم البيئة التي حصلت في سهل الغاب.

وأخيراً وأمام تلك المعطيات لا أرى في قرار نشر زراعة الأرز الهوائي في سهل الغاب السوري سوى جريمة جديدة ستضاف في حال تنفيذها لجرائم نظام البعث الذي زرع سوريا فساداً منذ اغتصابه عنوة على الحُكم فيها. وهاهو الآن يزرعها براميل قتل ودمار .

*مهندس زراعي

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات