النباتات الطبية في سورية: ثروة تحت سيطرة وزراة الدفاع!

النباتات الطبية في سورية: ثروة تحت سيطرة وزراة الدفاع!
دخلت في عام 1997 عالم النباتات الطبية من خلال متجر أنشأته لتحسين الدخل عبر قرض وظيفي، ولكن ما أن دخلت هذا العالم حتى عرفت مدى سيطرة الدولة البعثية على أركان هذا الوطن الذي ابتلي به. واكتشفت ذلك عندما كنت أحاول شراء كمية من الزعتر البري الذي ينمو طبيعياً في أراضينا ولكنني اضطررت أن أهرب هذا الزعتر الوطني بامتياز كما لو أنه شيء من الممنوعات أو المهربات، ولما سألت عن ذلك عرفت بأن الأعشاب الطبية في سوريا مملوكة حصراً لإدارة المشاريع الإنتاجية التابعة لوزارة الدفاع السورية، وعندما سألت أحد الاصدقاء الذي أدى خدمته العسكرية كمهندس زراعي في تلك الإدارة بين لي أن اللواء رئيس تلك الإدارة أخبره شخصياً بأن معمل الأعشاب الطبية التابع لهذه الإدارة تم إنشاؤه برعاية من أعلى هرم في الجيش وطبعاً يقصد القائد العام أي رئيس الجمهورية وأن مدير هذا المعمل يتم تعينه من قبله، هذا الأمر دفعني للتساؤل والبحث عن أهمية هذه الثروة السورية حتى تضع وزارة الدفاع السورية يدها عليها.

يعرف النبات الطبي بأنه كل شيئ من أصل نباتي يستعمل كله أو جزء منه طبياً وذلك لإحتوائه على مادة طبية تكون قادرة على علاج مرض معين، أو تقليل الإصابة به، ويدخل في ذلك النباتات التي تحتوي على مواد أولية تستخدم في الصناعة الدوائية.

وأدى التنوع المناخي والتضاريسي في سوريا إلى تنوع الغطاء النباتي فيها مما أفسح المجال أمام الطب النباتي أو ما يسمى بالطب الشعبي ليكون رائداً في سوريا على مدار الزمن. وبشكل عام هناك نوعان من النباتات الطبية نوع تم زراعته ونوع بري ينمو تلقائياً في بعض المناطق السورية.

تسوق أغلب النباتات الطبيعية عبر أسواق شعبية متخصصة بذلك يطلق عليها اسم سوق العطارين. كما في مدينة حلب الذي يطلق عليه اسم سوق الأبارين، وفي مدينة دمشق يطلق عليه سوق البزورية.

أما عالمياً فتحظى تلك النباتات بسوق عالمي كبير حيث بلغت قيمة صادرات تلك النباتات في عام 2001 /609.6/ مليون دولار أمريكي ومن أهم الدول المصدرة لتلك النباتات على مستوى العالم هي : الصين -الهند – فرنسا – الولايات المتحدة الأمريكية – إيران - سنغافورة – تشيلي، أما على مستوى البلدان العربية فتأتي جمهورية مصر العربية في المرتبة الأولى بتصدير النباتات الطبية وكذلك تجد على خارطة تصدير هذا النوع من النباتات كلاً من المغرب وسوريا وتونس.

اهتمام شخصي وضعف اهتمام حكومي

لم تحظ تلك النباتات بأي إهتمام حكومي على مدار السنوات، وبقي الإهتمام بها على المستوى الشخصي من بعض المهتمين من مهندسين زراعيين، فعلى سبيل المثال وفي محافظة السويداء التي تعتبر بحق بنك العالم بتلك النباتات وذلك للتنوع الحيوي بسبب موقعها الجغرافي المميز حيث يتوافر فيها بيئات مختلفة، متدرجة بالإرتفاع من السهلية إلى الجبلية مع وجود مناطق على حدود البادية مما يجعل التنوع كبيراً وواضحاً في البيئة الإقليمية لها، قام أحد المهندسين الزراعيين المهتمين بالنباتات الطبية بحصر حوالي ثمانين نوعاً من تلك النباتات بجهود شخصية مع توثيق كل نبات بالإسم المحلي والعلمي والصور الفوتوغرافية، ولكنه لم يستطع الإستمرار بسبب قلة الدعم الحكومي لتلك المشاريع، ولم تجدِ نفعاً مخاطباته لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لدعم هذا المشروع الذي يحتاج لدعم مالي وإداري. منبهاً بالوقت نفسه على خطورة الإستمرار بجمع النباتات الطبية البرية بشكل عشوائي خوفاً من غياب بعض النباتات النادرة في الطبيعة مثل نباتات الزعيترة البرية" "العكوب" "الحلوز السكري" الأصل البري "للتوليب" و"القراص" و"الألماسة" و"الجليلة والنبات الهام المعروف "بالعطرفان" والذي لم يبقَ منه سوى مساحة صغيرة في موقع واحد جنوب قرية "امتان" التي تقع جنوب شرق مدينة "صلخد" بعد أن كان منتشراً على مساحات كبيرة في هذه القرية والقرى المجاورة.

وقبل الدخول في النباتات الطبية المزروعة لابد أن نبين للقارئ أنه جرت محاولتان يتيمتان لإقامة مشاريع استزراع النباتات الطبية البرية بشكل عضوي (أي دون إضافات سمادية للتربة) بموجب مرسوم الإستثمار رقم /8/ لعام 2000، الأولى عام 2006 من قبل مستثمرين سعوديين من أصل سوري واختاروا موقعين لإقامة مشروعهما الأول في الزبداني بمحافظة ريف دمشق والثاني في المسيفرة في ريف حلب وبلغت تكاليف هذا المشروع /30.1/ مليون ليرة سورية، والمحاولة الثانية في عام 2010 وأيضاً من قبل مستثمرين سعوديين اختاروا محافظة ريف دمشق لتكون موقعاً لمشروعهم، وبلغت تكاليف هذا المشروع /100/ مليون ليرة سورية، ولكن وللأسف لم يرَ هذان المشروعان الهامان طريقهما للتنفيذ بسبب ما تعرض أصحابهما لضغوط بيروقراطية وابتزاز بخصوص الأراضي التي يحتاجونها لإقامة مشاريعهم.

اهتمام نظري!

أما بالنسبة للنباتات الطبية المزروعة فقد حظيت ثلاثة أنواع فقط بإهتمام حكومي نظري (اليانسون – الكمون – الحبة السوداء /حبة البركة/) وذلك عبر الورشات والمؤتمرات التي لا تغني المزارعين من جوع، وتم هذا عبر إدراج تلك المحاصيل الثلاثة في المجموعات الإحصائية الزراعية التي تصدرها وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي . ولذلك فإن المتابع لتطور زراعة تلك المحاصيل في سوريا يرى تذبذبا كبيراً في المساحات المزروعة وبالتالي الإنتاج من هذه المحاصيل فعلى سبيل المثال وصل إنتاج الكمون في عام 2003 إلى /47.5/ ألف طن لينخفض في عام 2008 إلى /10.2/ ألف طن ومن ثم ليرتفع عام 2011 إلى /30.7/ ألف طن.أما بالنسبة لمحصول الحبة السوداء فقد وصل إنتاج سوريا في عام 2008 إلى /14.9/ ألف طن ليتراجع عام 2010 إلى /3/ ألف طن.أما محصول اليانسون فبعد أن كان إنتاجه في عام 2011 /11.2/ ألف طن إنخفض في عام 2012 إلى /8.3/ ألف طن. هذا التذبذب في الإنتاج يعود بالدرجة الأولى للفشل الذريع لتسويق تلك المحاصيل خارجياً بسبب فشل الحكومات في الترويج لسلعها الوطنية مما يؤدي لزيادة العرض في الأسواق الداخلية من تلك المحاصيل فيؤدي ذلك لانهيار الأسعار نتيجة زيادة العرض، الأمر الذي يدفع المزارعون أن يمتنعوا عن زراعة تلك المحاصيل في الموسم التالي ، فيقل الإنتاج وينخفض العرض فتزداد الأسعار، وهكذا دواليك، ويعود هذا كما أشرنا إلى عدم وجود خطة طويلة الأمد لإنتاج تلك المحاصيل وتسويقها.

التسوري الخارجي: فاشل!

ولتأكيد موضوع فشل التسويق الخارجي نعود لإحصائيات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي وإحصائيات المكتب المركزي للإحصاء لنرى مدى التراجع في تصدير الكمون فقد وصلت الكمية المصدرة عام 2003 إلى /32/ ألف طن بقيمة /39.2/ مليون دولار أمريكي تراجعت هذه الصادرات إلى /5/ ألف طن بقيمة /20/ مليون دولار أمريكي عام 2010، أما بالنسبة لمحصولي اليانسون والحبة السوداء فلا يوجد في المجموعة الإحصائية الزراعية التي تصدرها وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي أي معلومات عن تصدير هاذين المحصولين أما في إحصائيات المكتب المركزي للإحصاء فنجد فقط محصولين طبيين هما بذور اليانسون وبذور الكزبرة دون أي ذكر لمحصول الحبة السوداء تصديراً أو استيراداً، بالنسبة لمحصول اليانسون فنجد أنه في عام 2007 وصلت صادرات سوريا منه إلى /25.1/ ألف طن بقيمة /30.9/ مليون دولار أمريكي، إنخفضت في العام التالي إلى /7/ ألف طن بقيمة /16.8/ مليون دولار أمريكي.أما محصول بذور الكزبرة فبلغت صادرات سوريا عام 2007 /14.5/ ألف طن بقيمة /9.9/ مليون دولار أمريكي، بينما انعدمت الصادرات في العام التالي، وبلغت في عام 2009 /1.3/ ألف طن بقيمة /4.1/ مليون دولار أمريكي. وتجدر الإشارة على أن كافة الكميات المُصدرة والمذكورة أعلاه تمت بالجهود الشخصية لتجار سوريا دون تدخل حكومي على الإطلاق، وبطبيعة الحال فإن عوائد هذا التصدير صب في مصلحة هؤلاء التجار دون أن يكون للمزارعين أي نصيب في عمليات التصدير وذلك بسبب الدور السلبي غير المبالي للاتحاد العام للفلاحين الذي من المفروض عليه أن يمثل الفلاحين الذين يتعبون خلال موسم كامل ليقوم التجار بحصد نتائج تعبهم.

وأخيراً في ضوء معرفة الدور الحقيقي للرقم الإحصائي على أنه ليس مجرد رقم بل هو مؤشر عن خلل ما أو نجاح ما ، نرى أن حكومات نظام البعث لم تستطع أن تترجم هذا الرقم الإحصائي الذي يدل على تراجع في ثروة نباتية هامة لسوريا لخطوات عملية وعلمية لوقف هذا التراجع، كما أنها لم تتخذ من نداءات استغاثة بعض المتخصصين الشرفاء في هذا الوطن الذين استشعروا الخطر فبعثوا بعدة نداءات كان الجواب الحكومي عليها مجرد مؤتمرات واجتماعات لا تغني الشعب المسكين من جوع استحكم فيه على مدار حكم هذا النظام المُستبد.

* مهندس زراعي سوري

التعليقات (1)

    مهندسة زراعية سورية

    ·منذ 9 سنوات 5 أشهر
    أين نستطيع أن نجد المراجع أو الوثائق على هذه الأرقام؟؟؟؟...أو على ماذا اعتمدت هذه المقالة في الأرقام المذكورة أعلاه وفي تحليل الأسباب السابقة؟؟؟؟
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات