بين وهم الطموح والمصالح: العيش المشترك مع الشبيحة!

 بين وهم الطموح والمصالح: العيش المشترك مع الشبيحة!
من المؤكد أن للطموح تأثير في سلوك وتصرفات الإنسان، ولاسيما إذا أراد الإنسان الطامح التعامل بإيجابية أو بانتهازية مع هذا الطموح ومتطلباته.

الأساليب والطرق السائدة سياسياً للتعامل مع الثورة السورية، والصادرة عن شخصيات أنتجتها الثورة بشكل مباشر أو غير مباشر، هي مناسبة هذه المقدمة؛ فالكثير من المبادرات أطلقها بعض الساسة الطامحين، تتعامل – في جوهرها- مع بشار الأسد كطرف، الشيء الذي ينكره أصحابها في غالب الأحيان!

أن يكون التفاوض على شرعنة بقاء الأسد، أمر يكاد يكون شبه بديهي في مثل هذه المبادريات... لأنه وببساطة لا يمكن أن يفاوض الأسد على رحيله، ولا داعي لسرد ما ارتكبه من فظائع في سبيل التمسك بمكانه، والمأمول من هذه المبادرات ببساطة مطلقة، الحيازة على منصب رئاسة مجلس الوزراء، المنصب الشكلي في الدولة الظاهرة، والذي طالما كان يؤول لشخصية سنية، طوال حقبة علونة الدولة السورية، وكأن هذه الطروحات تتعامل مع النظام في سوريا، كأنه شرعي وقانوني، ولا بد من مفاوضاته ركوناً لمنطق العقلانية، الذي لا يتماشى مع منطق العنترة السياسية، المصطلح الذي يصف به معاذ الخطيب وأمثاله من أصحاب الطموح السياسي، الناس المتمسكين بالشرعية الثورية، والتي ببساطة تتطلب رحيل الأسد وكل رموز الدم عن السلطة ومحاسبتهم.

الخطيب وأمثاله من أصحاب الطموح السياسي، يراهنون على عدم قدرة الثورة السورية على حسم المعركة بالقوة العسكرية مع النظام، وعدم وجود رأي عام دولي وعربي متعاطف مع الثورة السورية، وانتفاء إمكانية عودة سورية التاريخية بمعناها السياسي والجغرافي، كون مجريات الثورة، تفترض ظهور فيدراليات كمقدمات لظهور دولتين أو ثلاث دول، وإن صحت هذه الافتراضات، لا بد من خوض المعركة الأخلاقية على الصعيد الداخلي للبنى الأهلية للثورة، وعدم توريطها في فشل سياسي، وتوريطها بمغامرات سياسية لا يكسب منها سوى النظام.

الفشل في الوصول إلى الرأي العام الدولي والغربي، ربما كان هذا إحدى الأسباب التي لم تسمح بتحويل الثورة السورية لمكسب سياسي، ويبقى السبب الأهم، السياق العنفي الذي أجبرت عليه الثورة، دفاعاً عن النفس، ويبقى إدانة العنف بكل أشكال، بغض النظر عن السبب والنتيجة وميزان القوة، شكل من أشكال الإدانة العمياء، لذلك تنتفي أي إمكانية لحل سياسي في ظل بقاء الثورة بعيداً عن الجذور السياسية والسلمية، وحاضنة لكل التنوع المجتمعي، والتركيز على إستراتيجية لكسب ميزان قوى سياسي، وهي الأمور التي يتقاعس عنها صناع القرار بالعالم، لأسباب لا تخفى حتى على المختل عقلياً، لكن مع شرعنة الدفاع عن النفس في مواجهة العنف المفرط للنظام.

صوت العقل الذي ينادي به الخطيب وأمثاله من الطامحين سياسياً، لا يكون بالتعايش مع فكرة الأبد الأسدي، كوننا غير قادرين على المواجهة بالميزان العسكري، وإقناع الشعب السوري بالعيش المشترك مع الشبيحة، وهو ما يعتبر شكل من أشكال التشبيح بالسوق السياسي. وإنما صوت العقل، خيارات ثقافية وسياسية وإعلامية عسكرية، بدعوى الدفاع عن النفس، بالمقام الأول أمام عنف النظام المفرط، إن استطاعت هذه الخيارات الوصول إلى الرأي العام الدولي والعربي، واستطاعت الثورة تكوين بنى تنظيمية حقيقية قادرة على مقاومة العنف، ووجود حاضنة إقليمية قوية، تركيا مثلاً وبشكل حقيقي لا دعائي، هكذا تكون خيارات السوريين العقلانية، ويبقى الصوت المزيف للعقل، يعني إلحاقاً للثورة بحظيرة نظام الأسد.

لم يجنِ الخطيب وأمثاله من أصحاب الطموح السياسي، طوال الثورة السورية والتي كانوا في جزء من تاريخها، أصحاب القرار السيادي، سوى الشحاذة السياسية على أبواب النظام، ومؤتمر جنيف وأخواته ليس بمثال بعيد، حيث تمكن النظام السوري من استثمارها بالميزان الإعلامي وتحويلها إلى مكاسب سياسية وإعلامية ودعائية، وهذه الخسائر لا يتحملها سوى أصحاب لغة الخطابة بالمنابر، واستجداء عواطف الناس، واهمين أن الساسة بالعالم، أطفال سذج سيتباكون أمام سذاجة محدثي السياسية!

حتى لو بقيت الثورة السورية سلمية ولم تجبر على السياق العنفي، فإننا لن نجد أي تعاطف من الرأي العام الدولي والعربي، ذلك أن قصة الرأي العام قصة مصالح لا حريات وحقوق إنسان، ربما الموت وقوفاً كالأشجار أفضل من الموت المذل، أمام الكاميرات، مثلما يطلب منا هؤلاء الساسة.

المصيبة أن بقاء الخطيب وأمثاله من أصحاب الطموح السياسي، مدة ليست بالقصيرة، كصناع قرار بمؤسسات المعارضة الرسمية، يجعلهم يدركون جيداً، أن التأثير بالقرار السياسي الدولي، ليس متعلقاً بالعنف من عدمه، ولا في الافتقار إلى الإستراتيجية السياسية والإعلامية، وإنما يكمن في افتقارنا لخيارات عسكرية تجاه هذا النظام، وأقصد تحديداً البرجوازية الدمشقية، وافتقارنا لدعم دولي وعربي لخياراتنا العسكرية والسياسية، والأسباب وراء ذلك الانتفاء الداعم، لا داعي لسردها.

ربما مبادرات الشيخ معاذ الخطيب وأمثاله من أصحاب الطموح السياسي، وداعميه من البرجوازية الدمشقية بشقيها الديني والتجاري، تريد أن تنتج حلاً يمثل مصالحها أكثر مما يتفهم خيارات الثورة المغيبة، ويبقى مصير هكذا مبادرات الفشل لا بد!

التعليقات (1)

    رزوق

    ·منذ 9 سنوات 5 أشهر
    سبق للخطيب القيام بخطوة مماثلة انتهت إلى فشل. وخطوته الأخيرة لن تكون أحسن حظاً من سابقتها. روسيا ماتزال تشتري الوقت لأسد، وتمده في نفس الوقت بكافة أدوات القتل والتدمير للإجهاز على ماتبقى من سوريا. فأي حل هذا الذي يرتجيه الخطيب والوفد المرافق من روسيا؟
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات