مدرسة الحياة نشأت في حي القابون الدمشقي في 2013 بعد انقطاع غالبية الطلاب فيه عن الدراسة لفترات طويلة واستقطبت عدداً كبيراً من أطفال الحي ومن النازحيين من ريف دمشق من المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، حاول القائمون عليها أن يتسلحوا بالعلم ويثبتوا ألا شيء يوقف الحياة والتعليم، إلا أن ذاك الاسم لم يكن له نصيب كبير منها، إذ حولها النظام اليوم لمأساة تاريخية قد تكون درساً يدّرس للأجيال التي قد تجلس على مقاعدها يوماً.
إذ قامت قوات النظام أمس باستهدافها بقذائف صاروخية أوقات الدوام الرسمية للطلاب مما أدى لارتقاء 17 طفلاً شهيداً وسقوط عدد كبير من الجرحى تراوحت إصاباتهم بين الخطرة والسطحية، حيث تم نقل المصابين إلى النقاط الطبية المجاورة للحي نتيجة ارتفاع عددهم، والجدير ذكره أن فريق الهلال الأحمر كان حاضراً هناك، إلا أنه لم يتحرك قيد أنملة إلا بعد الحصول على الموافقة الأمنية خشية سخط النظام، بحسب ناشطي الحي.
حي القابون الدمشقي الذي يقع شمال شرق العاصمة دمشق، ويعتبر مشرفاً على مدخلها، كما يطل على الأتستراد الدولي دمشق-حمص الذي يفصله عن عدة بلدات من الغوطة الشرقية، كحرستا وعربين وحي جوبر المشتعل حالياً، إذ يتنازع الطرفان للسيطرة عليه ففي حال سيطر النظام عليه سيحكم قبضته الأمنية في العاصمة دمشق، وفي حال سيطر الجيش الحر عليه سيتحكم بفك الحصار عن الغوطة الشرقية المحاصرة وسيكون بوابة سهلة له للعاصمة دمشق ولتخفيف وطأة المعارك عن الحي المجاور له جوبر، لكن موقع الحي بين فروع أمنية كفرع المخابرات 211 متعددة وقطع عسكرية كالشرطة العسكرية وقيادة القوات الخاصة ومشفى تشرين العسكري، يجعل المعارك التي تجري فيه تبلغ أشدها، ويجعل من المدنيين داخله أداة النظام للضغط على مناوئيه من المسلحين.
ومع أن الحي عقد اتفاقاً ضمنياً لوقف إطلاق النار قبل منتصف العام الجاري، تعهد فيه النظام بإخراج المعتقلين ووقف القصف والسماح بدخول المدنيين وفتح الطرقات، لكن شيئاً من ذلك لم يطبق والمجازر التي حصلت بعد هذه الفترة تثبت كل ذلك ففي شهر يونيو 2014 حوّل النظام السوري عرساً في الحي إلى مأتم عبر استهدافه له وتحول المحتفلون إلى معزين، تلاه مجزرة اليوم بحق أطفال في مدرستهم، وكأن النظام السوري يحاول بكل ما أوتي من إجرام أن يقتل كل فرح في الحياة، وخلال كل هذه الفترة لا يكاد يمر يوم دون أن يكون فيه اشتباكات متقطعة أو محاولات قنص للمدنيين داخله، مع أن الحي يأوي عدداً كبيراً من النازحين من مختلف المناطق المجاورة ومن الغوطة الشرقية والغربية.
ورغم الانتهاكات التي جرت في الحي بعد وقف إطلاق النار، إلا أن الجيش الحر تجنب الاحتكاك مع قوات النظام خوفاً على حياة المدنيين والنازحين داخله، إذ أن المناطق المجاورة له غير مجهزة لاستقبال هذا الكم الهائل من المدنيين هناك.
ومع أن الحياة طبيعية جداً في الحي من خلال العمل والدراسة واللعب والحياة الروتينية إلا أن الطرقات لا زالت حتى الآن مغلقة كلها في الحي إلا الطريق الذي يصل الحي بحي برزة المجاور، إذ يتم الدخول والخروج من الحي من خلال هذا الطريق فقط.
لم يبخل حي القابون الدمشقي منذ اندلاع شرارة الثورة بتقديم الشهداء واستنهاض همم أبنائه، فهو أول الأحياء التي قامت في العاصمة دمشق وتميز بمسائياته التي جمعت متظاهرين من كافة المحافظات سيما بعد نزوح الكثيرين منهم من محافظاتهم، حتى انتقل الحي إلى ثورته المسلحة وهنا صار النظام ينتقم من مناوئيه من أبناء الحي سواء من خلال اعتقال أبنائه وتغييبهم بالمعتقلات لشهور وسنين، أو من خلال استهداف الحي بكافة أنواع الأسلحة ونشر قناصيه على أسطح المباني العالية حتى اللحظة مما سوّى الحي على الأرض حتى بلغت نسبة الدمار فيه 70% ولازال الحي حتى الآن يقدم شهداءه وضحاياه، إلى أن وصل عدد الشهداء إلى 1500 شهيد منذ انطلاق الثورة، ولازال الحي ثائراً بوجه الظلم، مكافحاً في سبيل الفرح ولازال النظام على عهده به ممعناً في إجرامه حتى آخر طفل.
التعليقات (3)