شرعت أبوابها لخالد بن الوليد فارسا لا ناهباً، في دخوله امتزجت ثقافات أمم وأنتجت حالة فريدة من الفكر فأعطت للحياة دفقاً جديداً، هي من قال عنها غليوم الثاني أنها منبر إعلامي، وقد ذكر ابن عساكر أن من بناها جعل أبوابها صورا للكواكب وأن للمشتري بيتاً فيها، يحق لدمشق أن تلطم نكستها، هي التي استوطنها الآراميون واليونانيون والرومان والعرب وكلهم أضاف لحضارتها نضارة، مزيج لا تنفصل عراه أعطاها رسالتها الأبدية.
وبعيداً عن السياسة وتحليل شكل العسكر والبارود، وعن رسم الهزائم والانتصارات، يحق لها أن تخطف الآن كل القلوب والعيون، ترقب مشهدها الدامي حيث الحسين ينهض غاضباً، كشهيد قد اغتيل على أبوابها ألف مرة ومرة، وكأني به يصرخ لست أنا من يحمل عار القاتل حين يجتاح المدن ولست أنا من يتعرى ليعري المدن من كساء عزتها، أنا العربي وآل البيت هم أهلي وهم ستر وهم روح وهم نبل وليس في كسرى لهم عود.
دمشق تلطم ليس في الشارع ففي الشارع لطم لا يشبه الحياة، لا يشبه المدن العظيمة بل يشبه الغزاة، هم هكذا منذ حرق القدس وتدمير كنيسة القيامة ونهب حلب وحرقها قبل خمسة قرون، هم هكذا غزاة في جنح ليل غادر لا يعرفه إلا القتلة واللصوص، هكذا انقضت عاشوراء تعطي للتاريخ والمؤرخ وصف النكبة حين يرقص العهر على جثث الطفولة، تماما كما رقص مرتزقة الأسد على أجساد السوريين يهزؤون من كلمة حرية.
في الأموي كما الأقصى مواعيد استباحة من كل ما ترسب في انحراف الإنسان حين ينفلت من القيم والمثل والإباء، يؤسس الفرس في الأموي لاستباحة الأقصى، فهناك شركاؤهم، والعرب بين رئيس خامل وآخر راقص أوعاجز وفيلسوف ببدلة عسكر يتلعثم باللغة، بين حاكم يتحين رمضان ليقدم هداياه لنجوم فن يشبهون كسرى بقهقة الجواري ومخنثين بلا قضية، لكن دمشق ليست من لا يتقن القفز، هي الثورة حين نامت أعين الجبناء وهي السيف والقلم، في حاراتها من قال: أنا السوري يا سادة، " الشعب السوري ما بينذل" دمشق التي لطمت في خلدها حظها العاثر مع نظام لا يشبه النظم ثارت، ومن يلطم في شوارعها بهذا العار والعري هو يودع سنوات العربدة والعبث في مقتنيات عزتها.
هي آخر اللطمات فلا تقلقوا أيها الدمشقيون، لا تقلقوا أيها السوريون، سيرحل هذا الغث عن أبواب مدينتكم، سيبتهج سوق الحميدية وتلتهب الحناجر في ساحة المرجة، ابتهجوا فهذا اللطم هو نعيب الغراب حين يعبق ياسمين الحياة مابين قدم رسول الله جنوبا وجدائل قاسيون حين تتكلل بالنصر لتزهو دمشق حيث من صحنها الأموي سيرتفع صوت نزار قباني من طيب ترابها قريباً لينشد:
أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي
لسال منه عناقيد وتفاح
ولو فتحتم شراييني بمديتكم
سمعتم في دمي أصوات من راحوا
هنا جذوري هنا قلبي هنا لغتي
فكيف أوضح وهل في العشق إيضاح..
التعليقات (3)