السعودية – إيران .. جولة المساومات الجديدة

السعودية – إيران .. جولة المساومات الجديدة
لم تكن الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي نهاية المطاف للحرب الإقليمية، التي ظهر فيها الصراع الطائفي بشكل واضح، إلا انه غُلف آنذاك بمظلة سياسية هي احتلال إيران لإقليم الاحواز (عربستان) عام 1925، أي بعد 55 عاماً. ولكن بعد قيام "الثورة الإسلامية الإيرانية" بقيادة مرشدها الأول "علي الخميني"، الذي تلقى دعماً من دول أوربية عديدة لإنهاء الشاه "محمد رضا بهلوي"، لكسر اليد الأمريكية القوية في الشرق الأوسط، ومن بعدها قيام حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، وفي مقدمتهم السعودية، بصناعة انقلاب "صدام حسين" على عمه "احمد حسن البكر"، والدخول في حرب ربما تنهي هذه الدولة الإسلامية، لتبدأ حرب أمريكية – أوربية بالوكالة، دامت ثماني سنوات عجاف، أنهك خلالها طرفا الصراع، لتنتهي بتمرد صدام على داعميه ،وتأجيل الحلم الفارسي الصفوي سنوات عديدة ،كان لابد منها لترتيب الأوراق بهدوء..

استطاعت إيران بفضل الثورة الإسلامية وولاية الفقيه أن تحكم الإيرانيين بالتعاليم الدينية، التي يخضع لها الناس، على اعتبار أن هؤلاء الحكام –رجال الدين- قد فوّضهم الله لقيادة الأمة ضدّ أعداء الإسلام، وأعداء المذهب الذين يصفونهم بـ "قتلة الحسين"، لتبدأ العمل على مدّ "القوس الشيعي" خارج الجمهورية الإيرانية الإسلامية، الغاية منها جعل المنطقة خاضعة للإمبراطورية الصفوية، التي انتهت عام 1726 بإعدام "الشاه حسين"على يد الأفغان السنة، ما عزّز لديهم القوة لحكم المتدينين الإيرانيين، بغية إقناعهم أنه هناك هجمات متكررة ضد إيران، على غرار تلك التي أنهت إمبراطوريتهم الشيعية.

منذ بدء الثورة السورية التي خرجت ضد نظام الأسد الابن، الذي نقل الصراع السياسي إلى مذهبي، الغاية منه الاختباء في عباءة طائفته لحماية نظامه، حينها كشفت إيران عن وجهها القبيح، ونزعت الأقنعة بدعمها للنظام السوري ضد الثورة السلمية آنذاك، على الرغم من دعمها للثورات الأخرى، ولكن على ما يبدو لأسباب طائفية بحتة، أقلها الانتقام من "القذافي" الذي اختفى لديه رجلهم القوي في لبنان، مؤسس جماعة المستضعفين "موسى الصدر"، والتي تحولت بعد الانشقاق العمودي فيها إلى: "حزب الله" و "حركة أمل"، جناحي إيران في لبنان. كان ذلك أول الغيث في الامتداد الشيعي، والذي ردت عليه السعودية بطريقة سياسية من خلال إرسالها طفلها المدلل "رفيق الحريري"، والذي وجد في التحالف مع "حزب الله" كسباً لتأييد النظام السوري له كي يكون الرجل الأقوى لبنانياً.

خلال عملية ملء الفراغ الذي أوجدته إيران في العراق، بعد الانسحاب الأمريكي منه، بات واضحا أن بغداد تتلقى أوامرها من طهران بتواطؤ دولي، الهدف منه إنهاء الجماعات المتطرفة، حيث كان نظام الأسد في سورية أحد أهم دعائمه، التي ظهرت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وفشل الصحوات العراقية في إنهاء هذه الجماعات، وإن كانت قد حدّت كثيراً من خطرها، فتركت الساحة لإيران من أجل إنهاء هذه الجماعات، على اعتبار أن مصدرها الرئيسي، هو حليفها في دمشق، إذ بدأت الاعتقالات للعائدين من العراق منذ عام 2006، لإثبات أن إيران قادرة على مسك خيوط المنطقة بأكملها، وعلى الرغم من غزارة المال السعودي، إلا أنها كانت خارج المضمار العراقي، الذي تركته لإيران، في مقابل إنهاء تمرّد الحوثيين على الحدود السعودية – اليمنية، عبر قصفهم بالطائرات عام 2009 ،وإنهاء تحرّكاتهم دون أي استنكار إيراني، على اعتبار انه شأن خليجي فقط.

اقتصر الدعم السعودي للثورة السورية على الدعم الإعلامي فقط، وبعد عدة أشهر، عبر تدخل الجامعة العربية بغية إنهاء ما سمي أنذاك بـ"الازمة السورية"، لتتحول السعودية إلى التصعيد الإعلامي ضد النظام السوري، بعد الحديث عن مخططات "بندر بن سلطان" للإطاحة بالأسد. على أثرها بدأت الأحداث في البحرين، الخاصرة الأضعف للسعودية، لتبدأ جولة مساومات برفع يد إيران عن البحرين، بالمقابل رفع يد السعودية عما يحدث في سورية، و نجحت المساومة برفض السعودية دخول المدنيين إلى أراضيها، وعدم تسليح الثوار على الأرض، لتفوز إيران بفرض شروطها في التفاوض، دون دعم أمريكي للحليف السعودي ضد العدو الإيراني.

يقول نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، العميد "حسن سلامي" ( إن دائرة قوة إيران تمتد جغرافياً إلى شرق البحر المتوسط، وإن ميزان القوى قد تغير لصالح الجمهورية الإسلامية) ويضيف أيضاً: (حروب إيران أصبحت خارج حدودها، في السابق خضنا حرباً في محافظة بوشهر داخل الحدود الوطنية، لكن حربنا اليوم امتدت مع الأعداء إلى شرق البحر المتوسط ) وهذا ما يفسر مشاركة إيران للنظام السوري ضد الشعب السوري في حرب جنونية، لمدّ القوس الشيعي، وما يحدث اليوم في اليمن من استيلاء قوات "أنصار الله"، التابعة لجماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، وعدة مدن يمنية، ربّما يكون رداً على إعلان السعودية تدريب مقاتلين من المعارضة السورية المسلحة المعتدلة لقتال النظام السوري وتنظيم "الدولة الاسلامية".

هذا يؤكد أن الهدنة الإيرانية – السعودية قد انتهت بعد تصريحات إيرانية عن سقوط العاصمة العربية الرابعة في حضن طهران، وما قابله من تصريحات وزير الخارجية السعودي "سعود الفيصل" عن "ما اسماه الاحتلال الايراني"، مشيراً للوجود الإيراني في سورية، ولتبدأ حرب إعلامية جديدة، ربما تنتهي بمساومة جديدة، أقلها إنهاء تدريب المقاتلين السوريين، وخروج "أنصار الله" من صنعاء، وأكثرها عودة "اليمن الشمالي الزيدي"، والانفصال مرة أخرى، تحت الرعاية الإيرانية، وبالتالي إسقاط الأسد، وبقاء رموز نظامه كنهاية لجولة المساومة الجديدة!

التعليقات (1)

    طير غطاط

    ·منذ 10 سنوات شهر
    تخبيص وتزوير حقائق ينم عن جهل بعاطفة
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات