تلازم مسارات: العلاقة بين الديمقراطية وحقوق الأقليات

تلازم مسارات: العلاقة بين الديمقراطية وحقوق الأقليات
ثمة علاقة بين حقوق الإنسان والديمقراطية من جهة, وبين وحقوق الأقليات والديمقراطية من جهة أخرى؛ وهو لب وجوهر المادة السادسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1984، حيث نصت هذه المادة على تشّبع النشئ بمضمون ونصوص الحقوق الإنسانية، بكون أن تعليم حقوق الإنسان يعتبر أساس كل تربية تسامحية، ومنطلق نحو قيم العدالة والسلم، والديمقراطية بين الأفراد والجماعات، في إطار المواطنة الصالحة والجيدة.

إن الصراع الطبقي/ الفئوي, السياسي, الطائفي, لا ينشئ في مجتمع أتيحت لأفراده جميعهم دون استثناء, حرية التعامل والعمل والتعبير, التي تعتبر السمة الأساسية من سمات المجتمع الديمقراطي؛ ولذلك تهتمّ الجهات والتنظيمات والجماعات الديمقراطية بتربية وتنشا الفرد تربية مواطنية منظمة، وبشكل مقصود.

حقوق الأقليات: قناعة أم قبول؟!

اليوم هناك قناعة فكرية لدى البعض، وقبول نفسي لدى البعض الآخر، ولدى شريحة كبيرة من الشعوب بضرورة الالتزام بحقوق الأقليات، والالتزام بقضاياهم، واعتبار تطلعاتهم كمصدر حقوقي ومناط الواجبات، لكلّ من يحمل جنسية تلك الدولة، من دون تمييز عرقي أو ديني أو قومي, ولا حتى تفرقة على أساس الذكورة أو الأنوثة، بل تجاوز الأمر إلى المطالبة بالتجسيد الدستوري للحقوق المشروعة لتلك الأقليات, كي يستطيع أبناء تلك الأقليات القيام بواجباتهم تجاه مجتمعهم (وطنهم)؛ لأن فقدان أي مواطن لحقوقه وواجباته, أو الانتقاص منها, يفقده صفة المواطنة الحقيقية, وصفته كعضو فرد من جماعة سياسية, الأمر الذي يشعره باغتراب في مجتمعه, فلا يكون بالتالي مؤهلاً للحياة الوطنية, والاجتماعية, والسياسية. وحينها فإن هذه الديمقراطية تلزم هؤلاء الرعاية الأفراد المواطنين, كي يكونوا مؤثرين في صنع القرار السياسي, والمشاركة الحقيقية في المناقشات العامة حول المسائل السياسية, وبذلك تكون الأقليات مزودة بفرص مناسبة لبذل الجهود في التأثير السياسي, من خلال تبوئهم مواقع في عمليات المناقشة والنقد والمساعي المشتركة, وتلك الأقليات ستسعى بشكل آلي لتشكيل مساحة شعبية واسعة ليكونوا على مقربة من المواطنين أبناء الشرائح الأخرى, للاستفادة من طاقاتهم والتقرب منهم.

الأقليات تحمي الديمقراطية

إن الديمقراطية لا يمكن لها أن تستمر أو أن تعيش من دون مساندة أولئك الذين يعشقون هذه الديمقراطية وفي مقدمتهم الأقليات, فهؤلاء ليسوا فقط يرغبون بالتمتع بالحقوق التي يؤمنها لهم نظام حرّ, بل هؤلاء يجدون في أنفسهم الأولوية والضرورة والاستعداد للتحرك لكي يمنعوا أي سلطة غير ديمقراطية من امتلاك زمام الأمور في البلاد. لهذا فد شرّعت القوانين الخاصة بحقوق الأقليات, الممارسات المشروعة لمعارضة السلطة الغير ديمقراطية وخاصة السلطات المستبدة, كالحق في التظاهر, والحق في طباعة ونشر المطبوعات بما فيها السرية, وعدم امتثال الموظفين للأوامر التي تخالف الأنظمة والقوانين. لكن هذه الممارسات تشرعها سلطة ديمقراطية, ولا تقرّها سلطة استبدادية تضع يدها على جميع مفاصل الدولة بالقوة, وتسيطر على مكامن القوة والطاقة في الدولة, وتسعى بكل السبل لمنع ظهور قوى معارضة لها.

لقد أثبتت الممارسات والتجارب الديمقراطية ميلاً نحو توسيع قاعدة حقوق الأقليات تدريجيا, وجعل التمييز ضدّ المجموعات المتضررة في حال ممارسته أمرا مرفوضاً, وأصبح المقبول هو وجوب السماح لجميع الأفراد المقيمين داخل حدود وطن معيّن, بالتمتع بالعضوية الكاملة للمجتمع السياسي لذلك الوطن, شريطة أن لا تتحول هذه الديمقراطية إلى فوضى اجتماعية وسياسية, لأنها تضعف من تماسك النظام العام, بل تكون ديمقراطية منظمة\ ومتزنة ومخطط لها جيداً, تعترف بحقوق الأقليات والجماعات الثانوية وفي نفس الوقت تحافظ على المصالح العليا للمجتمع, عبر إفساح المجال للمنظمات الجمعية منها والفردية, الشعبية والمجتمعية وبشرائحها المتنوعة, في عمليات التحديث والتغيير والانتقال إلى طور آخر أكثر عدالة وتطور تقني وفكري وثقافي وهي تستند في عملها هذا على مضمون الديمقراطية الحقيقية.

تقديم ضمانات لحقوق الأقليات!

إن الشرح المبسط والوافي للديمقراطية، يستلزم تقديم ضمانات عن حقوق الأقليات، فهذه الديمقراطية ما هي سوى السيادة الشعبية, وهذه الأخيرة تطلب بدورها ضمانات بعدم انجرارها إلى مستنقع الحرب الأهلية من جهة, ومن جهة أخرى وجود خيارات أمام جميع فئات الشعب مبنية على معرفة كل فئة من هذه الفئات بما له وما عليه. في الواقع نحن بحاجة إلى تربية للتعرف على أهمية حصول هذه الأقليات لحقوقها, لأن الإنسان لا يولد مزوداً بصفات وميزات ضرورية لتطبيقات الديمقراطية. ولذلك فقد أصبحت قضية حقوق الأقليات تحتل محوراً أساسيا في النظريات الديمقراطية الحديثة, وممارساتها؛ وأصبح مفهوم حقوق الأقليات ذاتها, يرتبط بالطريقة التي يمنح بها هذا النظام السياسي أو ذاك, تلك الأقليات حقوقهم الكاملة.

إن القاسم المشترك اليوم, والمعّبر عن وجود قناعات فكرية ورضى نفسي, والتزام سياسي بمبدأ حقوق الأقليات في أي بلد, هو ما يتمثل في التوافق المجتمعي على عقد اجتماعي, يتم بمقتضاه اعتبار حقوق الأقليات, وليس أي شيء سواها, كمصدر للحقوق ومناط الواجبات, بالنسبة لكل من يحمل جنسية أي دولة, دون أي تمييز ديني أو عرقي, ومن ثمّ تجسيد ذلك التوافق في دستور ديمقراطي.

أبعاد ومضامين الديمقراطية وعلاقتها بالتربية.

المضمون الديمقراطي هو مضمون شامل متكامل بأبعاده \ الاجتماعية, والفكرية, والسياسية, والاقتصادية\, وهذه الأبعاد هي أنظمة فرعية في إطار النظام الاجتماعي\السياسي العام. ولكي يكون هذا النظام ذا طبيعة ديمقراطية شاملة, فلا بدّ أن تمارس الديمقراطية وفق أسس سليمة ومبادئ ثابتة, تتيح لكل فرد\مواطن, بغض النظر عن كونه عضوا في جماعة ثانوية, أو رئيسية, تتيح له أن تمارس دوره في بناء مجتمع ديمقراطي.

لذلك وبناء على تلك الأبعاد فإن الدلائل التالية تثبت أن التربية تُعتبر من الضروريات المنطقية لتكوين الإدراك الكافي للديمقراطية من جهة, ولإثبات العلاقة بين الديمقراطية وحقوق الأقليات من جهة أخرى:

1- الشرط الضروري للديمقراطية أن تكون قادرة على تطوير الحكم في فترات قياسية, بواسطة إمكانيات ومؤهلات الغالبية العظمى من الشعب, وهذه الديمقراطية ستكون سلبية في قيمها, ما لم تتناسب نجاحادها طرداً مع العمل المنجز.

2- الممارسة السياسية الحرة للأقليات من أهم الشروط المُنجحة للديمقراطية, لذا فعملية التربية هي عملية مزدوجة, فمن جهة لابد للأقليات أن تدرك أنها تواجه عملية الاختيار ودلالاته, بما يترتب على ذلك من تقديم كل ما في وسعها لإنجاح عملية العيش المشترك, ومن جهة أخرى فإن الأنظمة مُلزمة بتوفير جو ومناخ سياسي سليم, كي تتمكن الأقليات وغيرها من العيش في أمان.

3- لكي تكون هذه الممارسة مسئولة, لابد من توأمة حقوق الأقليات مع اتخاذ خيارات وقرارات من النوع الأخلاقي؛ فالمفهوم الديمقراطي يستلزم مجتمعاً من وكلاءفاعلين أخلاقياً.

نتيجة:

إن "دمقرطة" حقوق الأقليات ضمن إطار جدلية العلاقة المتلازمة والمتكاملة, لن يكتب لها النجاح ما لم تشمل المجتمع برمته, لأنها ستضمن قيماً وآليات ومؤسسات لترسم الطريق في الحياة. إن حقوق الأقليات ضمانة لمناعة أي وطن, وتعبير عن انتماء حقيقي وصادق, ينتج عنه ولاء كل فرد/مواطن للأرض التي يعيش عليها, وبذلك تكون حقوق الأقليات تعّبير صادق عن درجة عالية من النضج الحقيقي /الثقافي والسياسي/ بين أبناء البلد الواحد, وعن مدى توفر الديمقراطية وتطبيقاتها في بلد ما.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات