المعروف، أن نجاح ثورة الخميني في إيران. شكل دافعاً قوياً لمضي الحركات السنية في محاولاتها انتزاع السلطة بالقوة، خاصة في مصر، بل طالبت تلك الحركات بإقامة نظام سياسي، يعتمد تطبيق الشريعة الإسلامية، أسوة بما حدث في طهران.
ما حصل، أن محاولات السلفية الجهادية السنية، لإقامة دولتها المركزية فشلت. في حين نجحت شقيقتها الشيعية، بتكريس أسس تلك الدولة، ثم تعزيزها، ومحاولة تصديرها إلى دول المنطقة، وما بعدها.
وقع التناقض بين السلفيتين الشقيقتين، حين اكتشفت السنية، أن شقيقتها، تُمارس "التقية"، وأن الهدف الحقيقي الكامن، خلف شعار "تصدير الثورة"، الذي أطلقه الخميني. يتمثل بتمدد المذهب الشيعي، مع كل ما يحمله من تهديد وجودي للمذهب السني.
لم تقتصر المخاوف الوجودية على تلك الجماعات، إنما تعدتها إلى دول في المنطقة، شعرت بتهديد ثورة الخميني لأنظمة حكمها، وأن الخطر هو مذهبي – قومي بآن معاً، وأن الخميني، يحاول استكمال ما بدأه "اسماعيل الصفوي" الآذري الأصل ثم فارسي الانتماء، الذي فرض المذهب الشيعي على الإيرانيين عام 1501 م، وذلك عبر بسط النفوذ القومي على العرب، تحت يافطة التشيع.
دفعت "الجهادية السنية" ثمناً مُضاعفاً، لتشابك المصالح، واختلاط الاستراتيجية بالتكتيك. لتجد نفسها في خضم صراع اقليمي، ذات ارتدادات دولية، في سياق الحرب الباردة.
الكل تقريباً، استخدم "ورقة الجهادية السنية". تصالح معها، أو تأقلم، لكن الجميع حارب إقامة دولة لها. لتجد نفسها مُطاردة، مرة في افغانستان، تارة في الشيشان، ودائماً منبوذة في جهات الدنيا الأربع.
مرة واحدة، بدت، وكأن "الجهادية السنية" نجحت في تأسيس نوعاً من المركزية الروحية، مثلتها القاعدة، ونطقت باسمها كاريزما "بن لادن"، استناداً إلى مظلومية "اضطهاد المسلمين"، والاستهتار بمقدساتهم خاصة الأقصى، وقضية فلسطين.
صحيح، أن "دويلة" بن لادن، ذهبت بعيداً في "نشوتها الجهادية"، لكن الصحيح أيضاً، أن الفكرة توَاجه بالفكرة، ويستحيل وأدها تحت ركام القنابل والصواريخ.
دُفن "أسامة" في قاع البحر، لكنه عاش ما يكفي ليرى فكرته، تتشظى أفكاراً أكثر تطرفاً وراديكالية، وتنمو كالفطور في كل تربة طينتها من تهميش، ومظالم.
بالمقابل، حالف الحظ "السلفية الجهادية الشيعية"، اختطفت في لحظة تاريخية "كياناً جغرافياً" لدولتها المنشودة، سرعان ما حولته إلى مركز، لضخ أفكارها، تمهيداً لتحقيق مشروعها الطموح، بجسد قومي، عمامته دينية.
استعان "آيات الله" بمظلوميتين. نفخوا الروح المذهبية بكربلاء سيدنا الحسين التاريخية، واستعاروا مأساة الأقصى، اختطفوا قضية فلسطين، ليخفوا حقيقة مشروعهم "القومي – المذهبي". لكنهم حرصوا قبل هذه، وتلك، على منع ظهور أي تناقض، وبالتالي حدوث صدام بين الدين والدولة، حين أعلنوا جمهوريتهم "اسلامية شيعية"، منذ لحظة ولادتها.
أدرك قادة "الدولة الوليدة"، بعد الحرب مع العراق، أنه لا يمكن "تصدير الثورة" بالحديد والنار. لذا لجأوا إلى الخيار البديل " سياسة التقية خطوة .. خطوة".
استهدفوا، الخواصر الرخوة أمنياً، بدعم الحواضن الشيعية فيها بالمال، وتأسيس الميليشيا المسلحة مطلقة الولاء، فعلوها أولاَ في لبنان، من خلال "أمل" ثم حزب الله، ولاحقاً في العراق على نطاق أوسع، استتبعوها في اليمن عبر اختراق المذهب الزيدي بجماعة الحوثي.
ضخ "آيات الله" نحو 70% من موازنة إيران السنوية الهائلة، في تحقيق طموحهم التوسعي، بدلاً من التنمية الداخلية.
استثمروا في برامج نشر التشيع، أو شد العصب المذهبي وربطه بقم وطهران، في كل الاتجاهات، خاصة المحيط العربي، مستخدمين مختلف وسائل الإعلام. حتى الأنظمة الحليفة، لم تنجوا من "تقيتهم"، أولهم في سوريا، حيث كادت سهام التشييع، أن تخترق العلويين في عقر دارهم بالجبال، على يد جميل الأسد، شقيق حافظ. لولا التدخل العاجل للأخير آنذاك.
برع أصحاب "الملالي" في تحويل السياحة الدينية إلى رأس حربة لنفوذهم، أينما أتيح لهم التغلغل، بالإشراف على ما يعتبرونه "مقدسات" شيعية، أو بإقامة الحوزات، أو بتملك العقارات. ولا مانع من شراء "تشيُع" الفقير بالطعام والمال.
لعل أخطر ما فعله"آيات الله"، ليس نقل المرجعية الشيعية من النجف الأشرف إلى "قم" بكل صفاقة، بقدر ما هو تكريس بدعة "الولي الفقيه".
بهذه البدعة، تم تحويل "الشيعي" الذي يعتنقها، من مكون مُسالم مُندمج في مجتمعاته، إلى قنبلة متفجرة، صمامها "تكليف شرعي". يصدره "المرشد العام".
غالبية معتنقي بدعة "الولي الفقيه" من أفراد، وجماعات مسلحة. هم إرهابيون قولاً واحداً، مارسوه بالجملة والمفرق، فعلاً وفكراً، حيثما طُلب منهم ذلك.
لا شك، أن إيران، هي الوحيدة التي تفوقت على "إسرائيل" بممارسة الإرهاب المُنظم، بمعنى أنها مارست "إرهاب الدولة" بحرفية عالية، وبراغماتية مشهود لها.
قامت ميلشياتها الموالية في لبنان "أمل وحزب الله" بخطف طائرات وتفجيرها، وبقتل رهائن غربيين، وحصدت أرواح مئات الجنود الأمريكيين والفرنسيين، في بيروت بعمليات انتحارية. كذلك، جالت عمليات "حالش" الإرهابية. ولا تزال، في بلدان مختلفة، عربية، وأوربية، وأمريكية لاتينية.
كما نفذت ميليشيات إيران، في العراق مذابح طائفية ضد السنة، وتولت توجيه الرسائل السياسية المفخخة بأجساد الجنود الأمريكيين، كلما تباينت المصالح بين طهران و واشنطن.
دائماً، كانت نشاطات أذرع إيران الإرهابية مركزية، مضبوطة لناحية الزمان، والمكان، وبيانات التبني. وهذا ما جنبها الاستهداف العسكري والسياسي المُباشرين.
لا تخرج كلمة من زعماء الإرهاب الشيعي، تُحرج إيران، أو ربما دون موافقتها وتدقيقها. ولم يسبق، أن تبنى حزب الله عملية له، خارج لبنان مثلاً. رغم الأدلة القاطعة على تورطه.
لم يحدث، أن تفاخر "الإرهاب الفارسي" بجز رؤوس مواطنيين أمريكيين أو أوربيين، على الهواء مباشرة. مثلما يفعل "داعش". ولا أحرج "متشددو طهران" الولايات المتحدة الأمريكية، بتدمير رموز هيبتها في عرينها، لا قبل القاعدة "السنية"، ولا بعدها.
تبادل الإيرانيون والأمريكيون، لعبة القط والفأر. دون أن يقبض أحدهما على عنق الآخر. الأول نعت الثاني بالشيطان الأكبر. رد الأخير بإعلان الخصم "دولة مارقة"، وأقصى ما فعله إدراج "حالش" شكلياً على قوائمه للإرهاب، وكفى الله المؤمنين "كلاُ على دينه" شر القتال.
لطالما، لعبت إيران دور العدو المُعلن لواشنطن، والحليف السري لها – على طول الخط -، بدءاً من غزو افغانستان، مروراَ بتدمير العراق، انتهاءاً بالتحالف ضد داعش ... وما خفي كان الأعظم!
التعليقات (8)